كان العرب وبقية الشعوب ذات الثقافات المدونة يحرصون على اظهار الكتاب بقالب رشيق جميل تتضافر فيه الكلمة مع الصورة والنص مع العناوين والهوامش والمؤثرات البصرية كالرسوم والزخارف . كانوا يحرصون على ما يسمى ( عتبات النص ) والذي يتلخص في جملة المدخلات الشكلية أو التشكيلية ابتداء بالخط . مرورا بالعناوين واستطرادا على الهوامش التي كانت موازية للمتون... منفصلة عنها ومتصلة بها في آن واحد .. أيضا إدخال الألوان والأشكال الهندسية والرسومات. هذه المسائل بجملتها تشكل حالة العلاقة الوشيجة بين علم جمال الشكل وعلم جمال المضمون . فالكتاب ليس حاملا للدلالة والرأي فقط .. بل هو أيضا موسيقى بصرية تتواتر مع الصفحات وتكسبها تناغما يساعد القراء بل يجتذبهم الى الأعماق الداخلية للكتاب. كان أسلافنا يؤلفون الكتب بتواضع العارفين الذين يحيلون المعلومات إلى أهلها دونا ترفع أوغطرسة .. كما كانوا يعتنون بالكتاب عناية الفاحص المدقق الذي لا يقبل بأقل من الكمال .. وسنجد في عشرات بل مئات المتون القديمة اتساقا شكليا وخلوا من الأخطاء وحرصا بالغا على احترام القارئ.. فيما نجد العكس تماما في بعض مؤلفات هذه الأيام حيث تكثر الأخطاء ويظهر الإهمال واللامبالاة في كل سطر وفقرة .. كما يتم إهمال عتبات النص كأنما الأصل في الكتابة أن نقدم مضمونا فحسب وأن نهمل الشكل كما لو انه لازمة بسيطة يمكن التعامل معها باستسهال بالغ . ومن الطريف والمثير للانتباه إن عصر الوسائط المتعددة يسمح لنا بالتحليق بعيدا في فضاء الترتيب الأمثل والأفضل للنص وعتباته . للمفردة ومشمولاتها الشكلية . للصفحات ، وإخراجها . هنا تجدر الإشارة إلى أهمية تكامل لمعرفة التقنية للوسائط المتعددة مع الثقافة الفنية الشاملة .. فالإنسان يظل في قلب المعادلة بوصفه رائيا وباحثا وعارفا ومبدعا .. وليس للتقنية أن تحل محله بل أنها أداة من أدوات الإبداع . وإذا راجعنا بعض التجارب الجدية في إصدارات دور النشر العالمية سنلاحظ درجة العناية بابتكار طرق جديدة للتعبير وكيفية الاختزال على قاعدة توصيل المعلومة المركزة والمفيدة.. وكيف يتم تفكيك النصوص المقعرة بحثا عن قولبتها في أفضل حال من القبول والإستيعاب. لم يعد التأليف موازيا للدلالة المجردة أو للمعلومات المتراكمة بل انه كل ذلك مضافا إليه الوسيلة الأكثر حيوية في توصيل رسالة الكتاب.. وهذا ما تفتقر إليه جل الإصدارات العربية المعاصرة حيث يغيب الاشتغال الرأسي على النصوص والبحث المستمر عن أفضل القوالب الإخراجية . وتكون النتيجة كتابا يعكس بيئة المعايير غير الكاملة ونصا وقد لا يوصل ما يريده المؤلف.