التقنيات التلفزيونية التي تراهن على تكثيف الساعة البرامجية وتحسين المعايير الإخراجية لا معنى لها إن لم تترافق مع سقف مغاير للخطاب مما يجعلنا نرصد بعض الثنائيات المزعجة في أداء الفضائيات العربية ومنها : عدم التناسق بين القابليات التقنية والمعلوماتية وسقف الخطاب الذي مازال محكوماً وإلى حد بعيد بمركزية السياسي تجاه الإعلامي والثقافي اللاهث وراء الصرعات الجديدة دونما قدرة على مُكاشفة ذات الصرعات في الأوضاع المحلية.. مثالنا على ذلك التحقيقات التلفزيونية التي تستعير مشاكل الغير دون ان تجرؤ على الدخول إلى المناطق المسكوت عنها في المجتمع العربي.الرهان الكبير على التوليفات البصرية المُبهرة على حساب المضمون وهذا يلحظ بصورة أخص في مقدمات البرامج التلفزيونية وكذا الساعات الترويجية المخصصة لتلك البرامج. وحتى حوار الرأي والرأي الآخر مازال يتسم وإلى حد بعيد بالإثارة المجانية وربما عدم الرصانة، مما يحوله إلى حوار طرشان لا سبب في نمو الوعي وتشخيص السلبيات .هذه المسائل تحيلنا مباشرة إلى حالة التفارق الواضح بين الفضائيات العربية الرسمية والفضائيات شبه الرسمية .. كما تجعلنا نتأمل في المفارقة القائمة حيث يمكن لفضائية عربية ذات منشأ مكاني أوروبي أن تقول ما لا تقوله تلك الخارجة من المحطات الأرضية العربية.. بل إن بعض الأجهزة الرسمية تستعين بالفضائيات » الخارجية » لتقول فيها ما لا تود قوله أو تستطيع قوله في الداخل العربي. أليس هذا فصاماً مُخلاً يكتسح كل شروط العصر وتحدياته ؟. إن زمن الفضاءات المفتوحة تتطلب عقولاً تتوازى مع هذه الحقيقة الموضوعية حتى وإن كانت مزعجة ومقلقة للعقل المؤسسي العربي الذي استمرأ الركود والثبات .. ولا يمكن إدارة الإعلام المرئي بعقلية التسعينيات وبسياسات الكبح والإغلاق، لأنها ببساطة سياسات تحيله إلى إعلام يفتقد المصداقية ويغرد في مربعه الضيق وغير المأهول بالعقول والقلوب.هذا هو السبب الذي أعطى الإعلام المتفلّت قيمة استثنائية .. وسمح للمراهقة الفكرية أن تتغوّل على حساب العقل والتحليل السليم. والذنب ليس ذنب الفضائيات الجديدة الفتيّة بل ذنب القائمين على أمر الإعلام الرسمي في كثرة كاثرة من بلدان العرب المقيمة في زمن الموات والثقة بالسكون. مقطع القول ان الإعلام المرئي العربي يواجه تنيناً كبيراً مداه قابليات الوسائط المتعددة والأجواء المفتوحة والمدهشات التي ستأتينا قريباً عن طريق محركات البحث بأجهزة الكومبيوتر.