إذا تخرج الشاب من المرحلة الثانوية وفي الثامنة عشرة من عمره يكون قد أمضى أمام الشاشة الصغيرة قرابة 22 ألف ساعة.. بمعنى أنه يجلس أمام التلفاز أكثر من ألف ساعة في السنة الواحدة في حين أنه يكون قد قضى أقل من هذا الوقت في مقاعد الدراسة وهو 14 ألف ساعة. التربوية دراسة متابعات: التلفزيون.. أم الأم ..؟ هذه الأرقام لها مدلولات واسعة تحتاج إلى تأمل لانها تتحدث عن الابن العادي وليس الابن المدمن لمشاهدة التلفاز.. ومن هنا ينبثق سؤال آخر كم من الوقت يكون قد جلس الابن المسكين مع أمه الحنونة ؟ وأيهما اكثر جاذبية الأم أم التلفاز ؟ وعذراً على هذه المقارنة ، ولكن الواقع يجبرنا على التحدث بمثل هذه الصراحة. إن 80% من المراهقين يعتبرون الشاشة الصغيرة المصدر الأول لديهم لاكتساب المعرفة والخبرات وأنماط التفكير ، وأحد أنماط التفكير الدقيقة «التي تعلمها أبناؤنا من مشاهدة التلفاز» حب الانتصار دائماً واستئثار الفوز لهم فقط ، ولاعجب لأن شخصية البطل الذي يتابعه ويحبه دائماً منتصر ، فالطفل لايرضى بروح التعاون أو الاخفاق ولو في مواقف بسيطة بل يريد أن يكون ناجحاً وفائزاً دائماً وأبداً مثل بطله المحبوب. التلفاز.. الصديق الحميم إن هذا الاعتماد على الشاشة بحيث تكون هي الصديق الحميم لأبنائنا لهو محل نظر كل أب حريص على أبنائه وبناته ، خاصة إذا اطلع على الأرقام التي درست أطفال بعض المجتمعات العربية فعلى سبيل المثال : 42% من الأطفال يشاهدون التلفاز لفترة تتراوح بين ساعة إلى ساعتين يومياً. 27% من الأطفال يتابعونه من 3 4 ساعات يومياً. 11% يتابعونه من 5 6ساعات يومياً. 10% يبقون جالسين أمام الشاشة من 7 ساعات فأكثر يومياً. هكذا إذاً تأثير هذه الأجهزة وشبياتها على العقول الناشئة الجميلة بطرواتها وقابليتها لكل شيء .. ولا عجب أن نرى الطفل يحب الجلوس إليها دون الجلوس مع أمه التي هي أقرب الناس إليه والمفترض أن تكون هي المربية والمعلمة له في جميع شؤون حياته ، ولكن الواقع يحكي ، وبكل ألم أن الأم هي المربية لبطنه فقط !! والتلفاز هو المربي لعقله ، ولو أخذنا مثالاً واحداً في تعامل الأم مع ابنها لوجدناه كالتالي : «ابني حبيبي جئت من المدرسة ؟ .. هيا اذهب وضع حقيبتك ثم تنظف.. حبيبي لعلك جائع تعال وتناول شيئاً من الطعام .. حبيبي انطلق وخذ قسطاً من الراحة ونم قليلاً لترتاح.. حبيبي استيقظ فقد حان موعد المذاكرة ، وحل الواجبات المدرسية.. حبيبي روَّح عن نفسك والعب قليلاً أو شاهد فلمك الكرتوني المفضل.. حبيبي لاتنس تنظيف اسنانك قبل أن تنام». ونام المسكين حبيبها.. وتكرر المشهد الرتيب يومياً.. ونكاد نجزم وبكل أسف أن هذا حال الكثير من الأمهات مع ابنائهن. تساؤل وهنا نقف أن نتساءل من الأعماق : هل دور الأم مع الطفل هو تربية وتهذيب وتقويم للسلوك وتعليم واكساب للعديد من المهارات والخبرات وتنمية لطرق التفكير وترسيخ للقيم وبناء تكاملي للشخصية ، أم أن دورها هو أن يأكل ويعيش فقط ؟؟ هل هناك فرق بين التربية والمعيشة ؟؟ وأيهما الأولى من الآخر ؟ عدد مهول من الساعات يقضيها أبناؤنا أمام الشاشات متسمرين لجاذبية حركات وأصوات وتفنن بلا حدود.. الفيلم الكرتوني الذي لايزيد عن دقائق معدودة لايصل إليهم إلا بعد أن يمر بفريق متكامل بداية من صاحب الفكرة إلى المنتج والموزع والمراجع ، والمدقق وصاحب الصوتيات والموسيقا ومقلدي الأصوات وممثليها. ولذلك هنا تساؤل مهم : هل ستجابه الأم هذا الفن التلفزيوني الراقي الجذاب بكل صوره ، البراق بتوهجه بأسلوب تربوي عاد أم ستستخدم الأساليب الحديثة في تربيتها لأبنائها؟؟.