الضيافة في دم بعض الناس موجودة إلى درجة المبالغة في توفير ما يلزم للضيف لإحساس المضيف ربما أنه قصّر في الواجب، ولا يرتاح له بال حتى يوفر كل ما يحتاجه ضيفه، وربما لأكثر من شخص معه وحتى إن لم يحضروا، وما درى بعضنا أن للضيافة أصولها وقواعدها عند من يعرفها جيداً. حقاً إنه من الصعب أن يتنازل المضيف عن طقوس أداء هذه الضيافة بكاملها لأن التقصير سيلتصق بشخصيته، وقد يظل مجالاً حديثاً للتندر يمسه في الأعماق، ويقلل من كفاءته الاجتماعية. وإذاً يصبح الخوف من هذه المواقف يحسب لها ألف حساب ويحتاط لها، فهو يتحمل الخسائر في سبيل أن تظل صورته مشرّفة عند الآخرين حتى إذا كانت على حساب أعصابه وماله، علماً بأن الضيافة عندما تقنن وخصوصاً بعد أن تطورت الحياة توفر على صاحبها الكثير من الجهد والمال المهدور الذي يمكن أن يُستفاد منه كثيراً جداً إذا ما أقلع عن مرض التبذير والصرف اللا محدود دون ضابط من حساب ليعتاد على وضع ميزانية خاصة مدروسة لكل شيء في أسرته ولكل ضيافة يحدد عدد الأشخاص رغم أنه في مجتمعنا تتوقع ضيفاً واحداً فيأتي عشرون ويمكثون عندك بدل اليوم عشرة، فتتعرض للإفلاس والدين وربما تنام أنت وأسرتك في المطبخ!!. فالضيافة لا يمكن اعتبارها مسألة مستقلة عن القضايا الاجتماعية الكثيرة المترابطة ببعضها بعضاً من قيم ومبادئ وعادات وتقاليد يصعُب على الفرد التخلص من قديمها البالي ببساطة، وأن يقلب الموازين بسهولة؛ لأن الضابط الاجتماعي يردعه كلما يحاول الخروج عن المألوف. في هذا السياق نجد أنفسنا في كثير من الأحيان نشعر بالراحة عندما نستضيف بعض الناس المحببين إلى قلوبنا، وأحياناً أخرى نحس بالكدر لدى استضافتنا نوعية أخرى من الناس، والذين في الحقيقة يعطونك الكثير من الإشارات السمجة لاستضافتهم، رغم عدم رغبتك في ذلك، فكثيراً ما تسمع من بعض الأشخاص يقول لك: اليوم أنا عندك «غداء وقات» دون أي سابق إنذار بحيث أصبحت هوايتهم المحببة أن يُستضافوا. وفي وقتنا الحاضر ربما هذا التقليد الاجتماعي خرج مما هو متعارف عليه من الكرم العربي الحاتمي وأخذ بعداً آخر، وهو عندما تريد أن تقضي حاجتك في موضوع ما سواء لنفسك أو لشخص قريب أو صديق لك أو من طرف أحد المتنفذين الذي تربطك به مصالح، تقوم باستضافة الشخص صاحب الحل والربط، طبعاً وتكاليف الضيافة تكون غالباً على الشخص الظاهر المخفي صاحب الحاجة. أما عن تكاليف ضيافة إقامة الأعراس فحدّث ولا حرج عن البذخ والترف فيها الذي قد يصل إلى درجة السفه، وخاصة عندما يتعلق الأمر بزواج أبناء عِلية القوم. وقد نصح بحسه المرهف رئيس الجمهورية هؤلاء بعدم المغالاة في فعل هذا لما يسببه من استفزاز لمشاعر الناس ويولّد الحقد والضغينة لدى الكثير في المجتمع، كما أنه يرسخ مبدأ المجاراة في المباهاة مما يسبب عدم قدرة الشباب على الزواج لارتفاع التكاليف، وهذا له أثر على ارتفاع نسبة العنوسة. ولذا لا غرابة أن تجد الكثير فوق سن الأربعين في بعض المناطق وهم مازالوا خارج عش الزوجية. ورغم كل ما قلنا تبقى بعض القيم الاجتماعية والعادات ثابتة وكحاجز يصعب اختراقه رغم سلبياتها؛ لأنها مستقلة وتحظى بقدر من التأييد بنسب مختلفة من الأفراد والجماعات. - عميد كلية التربية زبيد