العرادة والعليمي يلتقيان قيادة التكتل الوطني ويؤكدان على توحيد الصف لمواجهة الإرهاب الحوثي    عيد العمال العالمي في اليمن.. 10 سنوات من المعاناة بين البطالة وهدر الكرامة    حكومة صنعاء تمنع تدريس اللغة الانجليزية من الاول في المدارس الاهلية    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهور.. ثمن لزواج دائم بلا تعدد
نشر في الجمهورية يوم 13 - 08 - 2007

أولت القيادة السياسية اهتماماً كبيراً بشريحة ذوي الاحتياجات، وذلك من خلال بناء دور الأيتام وإنشاء المعاهد التعليمية والمهنية لشرائح المكفوفين والصم والبكم والمعاقين حركياً، بهدف إدماجهم في المجتمع.. وللتعرف على أنشطة وفعاليات مركز المكفوفين بحضرموت الساحل التقت «الجمهورية» بالأخ/سعيد سالم باتقلية / المدير العام لمركز النور للمكفوفين، بالمكلا والذي استهل حديثه عن هذا الاهتمام والنشاط قائلاً:
غلاء المهور مشكلة عويصة سلمت الكثير من الشباب الفقراء بالذات من الجنسين إلى عالم العنوسة ، ودفعت البعض منهم إلى الخوض في أفلاك الرذيلة وإذا ماسأل أحدنا نفسه هل هو راضٍ عن هذا لأجاب بالنفي كلا ، لكن الغريب في الأمر أن هناك الكثير من الناس على اختلاف أعمارهم يشجعون هذه الظاهرة «غلاء المهور» ويدعون إلى زيادة ارتفاعها ، ويقولون بملء الفم إنه لولا زيادة المهر لما حصلت هناك حياة زوجية على الإطلاق.. «صحيفة الجمهورية» استلهمت آراء عددٍ من الناس وخرجت بالتالي :
خسارة أهل العروسة أكبر
المواطن علي سعيد النجار من أبناء مديرية الروضة ابتدأ حديثه بالقول :
طبعاً المهر عندنا قليل لايتجاوز المائتي الف ، ولكن مع الخسارة تكاليف الحفل القاصم الذي يقصم ظهر العريس وأسرته ،حيث تصل أحياناً إلى المليون ، وقد تتجاوزها إذ أن كل فرد قد تعود أن يظهر بالمظهر الذي يجعله حديث السائل والمجيب ، وإن لم يكن كذلك ، فلقد أضحت عادة إقامة الحفلات العملاقة متأصلة في المنطقة برمتها ، ولايمكن لأحد الحياد عنها ، بل أصبحت واجباً مقدساً وفرضاً أساسياً على كل غني وفقير ، وأضاف في سياق كلامه المرتب بعد أن أطلق زفرة حارة وطويلة :
هل تصدقني إذا قلت لك أن والد العروس يخسر أكثر من والد العريس ؟!
... قد تعتبر الخبر دعابة مني ، ومن المستحيل أن يحصل لأن البديهي أن العريس هو الخسران في كل الأحوال ، لكن الحقيقة عندنا ، عكس ذلك إذ أن الأب والأم بالذات لايرضيان أن تظهر ابنتهما على نساء المنطقة بتلك الثياب البسيطة والذهب الذي يمنحها عريسها ، بل يكلفان أنفسهما فوق طاقتهما ، ويبتاعان ذهباً وثياباً كثيرة تصل قيمتها إلى مبلغ خيالي لايتوقعه العقل ولايمكن أن يخطر على بال ، وكم في هذه الدنيا من أشياء غريبة خصوصاً حين يكون هم تكاليف العروس أكثر من العريس .
ديون متاخرة
واختتم حديثه بالقول : أنا بصراحة ضد غلاء المهور ، وضد التبذير الذي لاطائل منه ، وضد المباهاة والمكابرة ، لأن الحياة المعيشية أصبحت غالية وصعبة ، والعرسان المساكين الذين يبتدأون حياتهم العادية منذ الشهر الأول لزواجهما لايهنأون بالسعادة ، ولا بشهر العسل ، ولايقويان الوقوف على قدميهما بعد الخسارة الزفافية التي مازال أكثرها ديوناً محمولة على الكاهل المثقل بالالتزامات اللانهائية ، وكلما كان الأمل بأن الجيل الآتي سيهدم كل تلك العادات والتقاليد الإسلامية يخيب ظني وظنون الجميع ، وتصفعنا الأجيال الجديدة بابتكار أشياء تافهة تهدر الكثير من الأموال.
غلاء المهور شيء مهم
أما الأستاذ عمر محمد حبتور مدير التربية بمديرية حبان ، فقد كان رأيه على النقيض للرأي السابق ، والذي عبر عنه بالقول :
غلاء المهور لدى البعض قيام العلاقات الزوجية على مدى العمر ، إذ أن الزوج يتجاوز المشاكل التافهة التي تحصل مع زوجته ، ويتحمل أخطاءها المقصودة وغير المقصودة لا لشيء سوى لأنه لايود التنازل عن خسارته هكذا بسهولة ، زد على ذلك أنه سيظل حياته كاملة بلا زواج ، لأن حالته المادية لن تقوى على ذلك ، ولو حصل فعلاً انخفاض في المهر فإن المرأة هي الضحية أولاً وأخيراً ، والسبب واضح ولايحتاج إلى تفكير لأن الرجل يستطيع أن يتزوج متى يشاء ويطلق متى يشاء ولتوضيح الموضوع أكثر لنفترض أن المهر خمسون ألف ريال فقط ، فإن مبلغ مائتي ألف ريال يكفي لشراء أربع نسوة دفعة واحدة ، هذا إذا كان الفرد العادي قد نوى بمثنى وثلاث ورباع ، أما إذا كان ينوي الزواج والطلاق بعد فترة قصيرة ، فإن بإمكانه أن يتزوج عشرة نساء عذراوات في ظرف عام طبعاً هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن الإنسان خصوصاً ذلك المشحون بالغضب لايمكن أبداً أن يغفر زلة غير مقصودة لزوجته سوى بالطلاق ، وأضاف محاولاً أن ينتقي كلمات مقنعة :
انخفاض المهور معنا ، وأد الحب وقتله ، ومعناه خراب بيوت وتدمير أعشاش ، بالإضافة إلى أنه سيحول مجمل النساء إلى أرامل ، وأيهما أفضل برأيك ارتفاع معدل العنوسة ، أم معدل الأرامل واختتم حديثه بابتسامة نصر عريضة تملأ شفتيه .
فاظفر بذات المال
قد تقول: إن الزواج كان في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم بخاتمٍ من حديد ، أو بحفظ سورة من سور القرآن الكريم ، وأنا معك في كل ماتذهب إليه ، لكن الزمن اختلف والإيمان جف من القلوب ، ففي حديث آخر يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، وواقعنا المعاكس يقول : إذ جاءكم من تعجبكم كثرة فلوسه ودولاراته فزوجوه. وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «تنكح المرأة لأربع ... لجمالها وحسبها ومالها ودينها « فاظفر بذات الدين تربت يداك » ، لكن مجتمعات هذا القرن طبعاً الإسلامية.. أبقت على الحديث قولاً لكنها مع الأسف حرَّفته فعلاً ، ووظفت معانيه على هواها ، وكأن لسان حالها يقول «تنكح المرأة لأربع .. لمالها وحسبها وجمالها ودينها» وإن كان لاينظر إلى الدين سوى في حالات نادرة، فأظفر بذات المال .
الدولار هو السبب
ناصر عبدالله سالمين من الناس الذين يدعون بأعلى أصواتهم إلى نبذ هذه الظاهرة ، واستئصالها من جذورها ، حيث قال :
الغلاء آفة ، وغلاء المهور هو الجنون بعينه ، وله سلبيات لاعد لها ولاحصر منها العنوسة ، والانحراف والرذيلة ، وانقراض النسل ، لكن الحمدلله هناك بوادر أمل بدأت في معظم محافظات الجمهورية اليمنية ، ومنها الزواج الجماعي درءاً لتكاليف الزواج المنفرد ، وهناك في منطقة عمقين التابعة لمديرية الروضة أبتكر الأهالي المتسمين برجاحة العقل مشروعاً سيكون تاريخياً ،حيث شكلت لجنة قبل حوالي ثمانية أعوام لزواج الشباب في موسم واحد في العام ، وتكاليف الحفلة التي يتحملها الفرد العريس هي نفسها التكاليف التي تتحملها الجماعة ، ومن هذا المنطلق لهذه الفكرة الرائعة صار الفرد لايشعر بأدنى خسارة ، بل يغرق في محيط الفرحة بدلاً من الغرق في الديون.. ثم توقف قليلاً كمن يحاول أن يبحث عن معلومة تائهة ، وبعدها استطرد قائلاً :
لم يبق سوى خطوة واحدة حتى تحذو مدينة الروضة حذو منطقة عمقين ، فالعرسان يصل عددهم إلى خمسين عريساً هذا اليوم ، لكن مع الأسف كل واحد يهتم بإعداد طعامه لضيوفه بنفسه ، ولو كان الاحتفال وتناول الطعام سوياً لكان الأمر أحسن ، ثم اختتم رأيه بالقول :
كلما سألت أحدهم عن سبب ارتفاع غلاء المهور يرد عليّ بلامبالاة بأن الدولار ارتفع قيمته حينها اضطر إلى استخدام الفلسفة السفسطائية سائلاً مرة أخرى :
ولماذا ارتفعت قيمة هذا الدولار اللعين ؟.. يرد عليّ بنفس اللامبالاة :
بسبب ارتفاع سعر برميل البترول، بالله عليك ماعلاقة الدولار وبراميل البترول بالمرأة ؟ هل أضحت سلعة مادية إلى هذه الدرجة ؟ والله أن شعرة العقل أوشكت أن تحترق .
عرس بلا رفدة
ويقول محمد عمر لايوجد شيء عندنا اسمه رفدة كما في بعض المحافظات فالعريس بعد أن يدفع المهر والذهب والملابس التي يصل مجموعها إلى حوالي مائتي ألف ريال يستعد لإقامة حفلة في يوم يحدده مجموعة من العرسان ، ويوم الأربعاء يكون الاجتماع الشامل للغداء ، ويستمر المقيل حتى المساء ، أما يوم الخميس صباحاً فكل عريس يأخذ عروسته ، واعتقد أن الرفدة هذه لها إيجابيات في أنها تعوض العريس قليلاً من خسارته ، لكنها في نفس الوقت تظل ديناً على عاتقه يرده عاجلاً أو آجلاً ، كما أن القات ليس من الواجب توفيره فكل مولعي يبتاع تخزينته بنفسه .
المرأة ضحية كل الأحوال
كثيرة هي المناطق والمديريات التي زرتها باحثاً عن مدى تفشي هذه الظاهرة «غلاء المهور» في المجتمعات فالتقيت بالشاب وهيب عبدالله محمد البحيري ، الذي ابتدأ شرحه قائلاً:
في كل الأحوال الضحية هي المرأة ، خصوصاً في مجتمعاتنا المحافظة ، فالأب هو الديكتاتور الذي يتحكم بكل شيء والمشاعر على وجه الخصوص ولنفرض مثلاً أن فتاة أحبت شاباً أحباً عفيفاً نقياً، وجاء هذا الأخير ليطلب يدها فرفضه والدها بحجة أنه فقير ، أو أنه لايستطيع أن يتحمل ذلك المهر الخيالي الذي اشترطه عليه والدها ، فهل من المعقول أن تتجرأ الفتاة على مصارحة والدها بحبها للشاب في حال رفضه له ؟ اعتقد أنه سيقتلها بلا رحمة أو شفقة ، الحال نفسه يتكرر في كل مجتمعاتنا إذ أن الأب هو الذي يقرر ويختار الذي يدفع أكثر بغض النظر عن سعادة زوجية أو فارق في السن ، ومع هذا فمعظم الزيجات تنتهي بالطلاق أو الخيانة وأضاف في سياق حديثه الرصين العنب مضمون أن يرجع زبيباًولنفترض أن المهور قد انخفضت إلى المستوى الأدنى فلا بد أن هناك عواقباً وخيمة سوف تترتب على ذلك منها زيادة حالات الطلاق والمرأة المطلقة كما تعلم وليس هذا بجديد ينظر إليها المجتمع اليمني بالذات نظرة استحقار وتهميش تصل إلى درجة الكره ، لأن الكثير من ذوي العقول المتحجرة يجزم في قرارة نفسه إنما طلقت لسبب مشين ارتكبته، دون النظر إلى أخلاق الرجل الذي طلقها أو النظر إليه على أنه معصوم من الخطأ وملاك منزل من السماء وهنا يمكن أن نستنتج على أن المرأة التي صارت كسلعة تتقاذفها العادات والتقاليد هي الضحية أولاً وأخيراً ، ولايذهب الظن إلى أنني مدافعاً عن حقوقها وحريتها المقيدة ولكن لسأن حال الواقع وصرف ذلك ولو سألنا أنفسنا من هو الضحية في زيادة تلك المهور ؟.. أليست المرأة بلا جدال والدليل على ذلك المهور ؟.. أن الرجل باستطاعته أن يتدارك نفسه بالزواج متى ما تحسنت ظروفه ، وفي أية لحظة من لحظات العمر ، أما الأنثى وياللأسف يفوت عليها قطار الزمن وهي مازالت تتخبط في عزلتها وخيمتها السوداء إلى أن تدركها العنوسة والصمت الحزين يلفها إلا من صراخ واحتجاج يدوي في أعماقها ومع هذا لاغرابة إذ قلت لك : إن معدل العانسات في بلادنا بدأ يشق طريقه في السلم البياني نحو الارتفاع والشاعر الشعبي يقول »بيروح الليم لو ماحد جناه ، والعنب مضمون بيرجع زبيب«.
النضج هو الأساس
لابد من وضع حلول لهذه الظاهرة التي ملا ضجيجها كل زمانٍِ ومكان ، ومن هذه الحلول التي اقترحها وضع قانون يحدد المهور ، مع إلغاء الإلتزامات التافهة التي لاطائل منها ، بالإضافة إلى تجنب الزواج المبكر لدى الجنسين لأن النضج هو الأساس المتين والقاعدة الصلبة للحب ويضمن حياة زوجية سعيدة لهاهيبتها واحترامها ، كما أن على الآباء تفهم الأمور والحرص على مصلحة فلذات أكبادهم خصوصاً أباء البنات بالذات وألايأخذهم الطمع والجشع فضمان حياة هادئة لبناتهم في كنف أزواجٍ افضل بكثير من ملايين الريالات.
مهر ثمين.. حياة أثمن
الشاب جمال محمد علي صارحني برأيه أنه مع غلاء المهور ، ثم بلا ترو انطلق سارداً عباراته المدعمة بالقصص قائلاً :
أولاً يجب أن تعلم أنه لايوجد شيء عندنا اسمه حب إلا بعد الزواج ، وثانياً فالمهر لابد أن يرتفع وأن يكون للخطوبة حفلتها وللعقد حفلته وللزفاف فرحته الواسعة بالإضافة إلى أنه يجب منح أم العروسة وأبيها نصيبهما وكذلك عمتها وخالتها وجدتها وأقاربها الكثير من الهدايا فقاطعته سائلاً بحدة :
وهل سيتزوج إلى جانبها كافة أفراد أسرتها ؟ فأجابني مستدلاً بقصة وقعت على حسب زعمه:
خسارة الزاوج معناه استشعار لقيمة الحياة الزوجية ، وإذا لم تصدقني فسوف أروي لك قصة من الواقع ، وهي أن شاباً فلاحاً خطب فتاة وكان مهرها خمسة أكياس من البصل ، وفي ليلة الزفاف جاء بجماله ليحملها إلى منزله طبعاً كانت الجمال في الستينيات هي وسيلة النقل الوحيدة ، وحينما كانوا في الطريق صرخ العريس على الجَّمال «قائد القافلة» قائلاً وعروسته تسمعه من الهودج :
اسرع ياجَّمال ، فرد عليه الأخير :
سوف تسقط عروستك فقاطعه العريس بنبرة سخرية :
وما الذي سيقع فقيمتها لاتتعدى خمسة أكياس بصل ... ولم تكد تمر نصف ساعة حتى صاحت العروسة بصوت مرعب.
أنقذوني.. وتوقفت القافلة ، ثم توجهت الخطوات نحو هودجها بسرعة فاشتكت لعريسها أنها ستموت من الألم وطلبت منه أن يعيدها إلى أهلها بسرعة قبل أن تغادر الحياة ، ولم ترهم فاستجاب لطلبها وفي بيت أسرتها حكت لهم الذي قال عنها زوجها ، فلم يكن أمامهم سوى أن رفعوا المهر إلى سعر خيالي فاستجاب الزوج لمطلبهم عن طيب خاطر ، وفي الطريق صاح بالجَّمال قائلاً : رويدك .. رويدك ياجَّمال كما الذهب سيضيع .. والغرض من هذه القصة أن المهر الثمين يجعل الحياة الزوجية اغلى وأثمن من التفريط فيها ، والمهر الخفيف عكس ذلك.
الحب وبس
وتعددت الآراء مابين مؤيدٍ ومعارض فأخذتها على عاتقي وانطلقت بها إلى الاختصاصي الاجتماعي وأستاذ علم النفس بكلية التربية شبوة الدكتور أحمد محمد ثابت الذي قال:
لكل شخص وجهة نظر خاصة ، ولكن الحكم العام هو الأول والأخير ، أقصد الشيء الذي يتقبله العقل ، وهو أن غلاء المهور في حد ذاته ظاهرة تنعكس سلباً على الشباب من الجنسين ، وتؤدي إلى نشوء تعقيدات نفسية ربما تصل بالإنسان إلى حد الجنون ، وإذا ماركزنا على أولئك الذين يؤمنون بأن غلاء المهور أساس قيام حياة زوجية سعيدة فإنهم أغفلوا جانب الحب معتبرين أن العكس «رخص المهور» يهدم الأعشاش الهادئة ، وهنا لابد من إبراز جانب الحب الذي حرفه كلا الجانبين «المؤيدين والمعارضين» مع العلم أنه أساس استمرار حياة أسرية حتى نهاية العمر ، ومن أجل التوضيح أكثر لابد من طرح المهر جانباً بارتفاعه وانخفاضه ، والحديث عن هذه اللفظة التي لولاها لمات الإنسان والتي مع الأسف أن بعض الطائشين يتعامل معها كلعب أطفال ، ومع أن الكثير من مجتمعاتنا الدينية لاتؤمن بالحب قبل الزواج ، إلا أنه بعد الزواج يبلغ مرحلة التقديس على أن يتوفر النضج والاكتمال العقلي في كلا الزوجين ، كما أن الأطفال يكملون مانقص من حيث سمو المودة والرحمة إلى أقصى ذروة وهم زينة الحياة الدنيا وأضاف في سياق حديثه:
المشاكل الأسرية تخص سواءً غلاء المهور أو رخصها ، إلا أن الحب بمثابة الروح الزكية السماوية التي تجعل كل طرف يتحمل أخطاء الآخر هذا ومايهمنا هو السلبيات التي تخلفها ظاهرة غلاء المهور من عنوسة وانحراف خصوصاً من أولئك الفتيات اللواتي يتعرضن للضغط النفسي من الوسط الأسري المحيط بهن ، والذي تؤدي زيادته إلى الانتحار أحياناً ، ومن أجل القضاء على هذه السلبيات لابد من الاتفاق من قبل العقلاء على مهر معقول ومن يخالف ذلك يتعرض للغرامة والتأديب ، كما يجب على الوالدين أن لايكون ثراء الشاب وفلوسه هو همهم الوحيد ، فالأخلاق والدين وإن كان الإنسان ميسور الحال هو الشيء الأساس لبقاء أسرة سعيدة.
شهر علقم لاشهر عسل
غريب أمر هذه الحياة وهؤلاء الناس الذين ورطوا أنفسهم وأجيالهم في التزامات لاعد لها ولاحصر أبقت الغلابى عاجزين عن تحقيق أيسرها ولست أدري هل هم الفقراء الذين اخترعوا هذه العادات المخسرة أم طبقة الأغنياء ؟ فمن شبكة ودبلة الخطوبة والثياب والهدايا الثمينة إلى حفلة العقد ، ثم إلى مهر مليوني يقصم الظهر ، وبعدها الحفلة العربية المملوءة بالأكل الفاخر والقات ثم الفتاشة « فتح العروس لثامها» التي تحتاج إلى هكذا من المال وليت الأمر ينتهي عند هذا الحد وإنما يبقى مهر آخر هو مهر الدخلة وماذا بعد ذلك ..؟ إنها الديون التي تحَّول شهر العسل إلى شهر من العلقم والصبر ، وعندما أخبرني أحدهم وهو يتوسط أولاده الخمسة بأنه حتى اللحظة لم يسدد بقايا الفلوس التي اقترضها في زمن زفافه لم تشع ملامحي بذرة دهشة لأن الكثيرين غادروا مناطقهم بعد أشهر من زواجهم لنفس الغرض وعلى نفسها جنت براقش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.