كان لشعراء اليمن دور كبير في قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة .. فقد كانوا سباقين للتحضير لهذه الثورة بقصائدهم التي ألهب سياطها ظهور الأئمة من بيت آل حميد الدين، والهبت في ذات الوقت حماس الثوار التواقين للعيش في ظل حكم جمهوري أساسه العدل والعلم والمعرفة والحياة بحرية وكرامة، بعيداً عن قيود الاستبداد والاستعباد وقيود الجهل والتخلف والمرض. وهكذا كانت الثورة مارداً خرج من قمقم الظلام مقتحماً عالم النور الذي حجب عنه لسنوات، بل قروناً طويلة.. ووضع حداً لأئمة الظلم والظلام. وكثير هم الشعراء الذين حرضوا لقيام هذه الثورة السبتمبرية الخالدة، وتغنوا بالانتصار العظيم لها، وكان من بينهم الشاعر الشهيد محمد محمود الزبيري، وعبدالله البردوني وعبدالعزيز المقالح ومحمد سعيد جرادة ولطفي أمان وعبدالله هادي سبيت وادريس حنبلة وغيرهم كثير. فهذا الشاعر محمد محمود الزبيري في قصيدته «بوادر ثورة» يتنبأ بقيام الثورة من خلال بوادر بدأت تدب بين صفوف الشعب توحي بقيام الثورة عمّا قريب، وفيها يقول: الملايين العطاش المشرئبة بدأت تقتلع الطاغي وصحبه سامها الرحمن دهراً لايرى ال غيث إلاّ غيثه والسحب سحبه لم تنل جرعة ماء دون أن تتقاضاه بحرب أو بغضبه ظمئت في قيده.. وهي ترى أكله من دمها الغالي وشربه لية شعري أي شيء كان يخشاه في دنياها لو هادن شعبه هاهو الشعب صحا من خطبه بينما الصغيان يستقبل خطبه الفجر الطاهر وهذا الشاعر الكبير عبدالله البردوني يترنم بصبيحة يوم الثورة،مصوراً لنا ذلك اليوم وكأنه فجر صبي لم تطأه أقدام الطغاة القذرة.. فجر طاهر كطهارة صبي لم تتطلخ يداه بعد بالدم أو بالأقذار المنتنة المشوبة بالأعمال المشينة التي عادة مايقوم بها الكبار من الفجرة الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، حيث يقول: أفقنا على فجر يوم صبي فياصحوات المنى أطربي ولايخلو شعر البردوني من السخرية، وهو من أجهر الشعراء صوتاً، نقرأ له النكتة الساخرة حتى وهو يصف بؤسه وشقاءه أو يندد بحكم الإمام قبل الثورة كقوله: لم أجد ما أروم حتى المعاصي أحرامٌ عليَّ جهنم؟ وقوله:نأكل الجوع ونستقي الظمأ وننادي يحفظ الله إلا ماها غمدان يردد أناشيد العلى وهاهو الشاعر الفذ محمد سعيد جرادة يردد أناشيده في قصيدته «اليوم الأغر» متغنياً بالثورة السبتمبرية،وجعل قصر غمدان يردد معه الأناشيد، واصفاً إياه بأنه أبلغ من غنّى ومن خطب رغم وقوفه شامخاً، ومرور الأحداث والخطوب بين يديه مطرقةً في حالة من الرهبة، حيث قال: «غمدان» ردد أناشيد العلى عجبا فأنت أبلغ من غنّى ومن خطب يا أيها الشامخ العالي كأن لهُ من المجرة أُمّاَ والسماك أبا مرتْ بساحتك الأحداثُ مطرقةً كأنّ مرآكَ قد أوحى لها رهبا بالأمس جاءت وفودُ العرب حاملةً لك الثناء الذي يرضيك والقربا أضاء فيه على فرق ابن ذي يزنِ تاج يغير نجوم الأفق والشهب وصاغ جد رسول الله خطبته وكل نبل إلى أعراقه نسبا وهي قصيدة طويلة اقتطفنا منها الستة الأبيات الأولى حتى نعطي أمثلة شعرية أخرى لشعراء يمنيين آخرين تفتقت قرائتهم فجعلوا من ثورة السادس والعشرين من سبتمبر باباً كبيراً ولج الشعب من خلاله ليرى النور، ويعرف الحياة على حقيقتها، ويعيش الحرية وينعم بها بعد أن كان معزولاً، تحاصره الظلمات والقيود والسُّخرة والام الإنكسار.. يلج الشعب من هذا الباب الكبير عاشقاً للكرامة.. واضعاً رأسه على كفه تضحيةً لبزوغ الفجر الجديد، ولترى عينه المحزونة شمس الصباح الجديد، باصقاً على عهد الظلم والظلام والظلمة بعد أن أحرقه غير مأسوف عليه. *عاش الشعب وهكذا مات الطغاة واندفن معهم ظلمهم وظلامهم وعاش الشعب.. وهذا ما أكده وصاغه شعراً شاعرنا الكبير عبدالعزيز المقالح في قصيدته «عاش الشعب» التي ألقاها في المذياع يوم 29/ سبتمبر 1962م وهي قصيدة طويلة نقتطف ماجاء منها في ديوانه: وثأرت ياصنعاء رفعت رؤوسنا بعد انكسار أخرجت من ظلماتك الحبلي أعاصير النهار وولدت هذا اليوم بعد ترقب لك وانتظار فأتى كما شاءت إرادات المنى وهج انتظار يوماً نقدسه، ونرضعه أمانينا الكبار يوماً سبقى خالد الساعات موصول الفخار سلمت أياديهم بناة الفجر عشاق الكرامة الباذلين نفوسهم لله في «ليل القيامة» وضعوا الرؤوس على الأكف ومزقوا وجه الإمامة صنعوا ضحى «سبتمبر» الغالي لنهضتنا علامة خرجوا فلم تيبس على أفواههم شمس ابتسامة يتمردون على الظلام ويبصقون هنا نظامه أين القصور؟ تناثرت رعباً وألوان الرياش أين الذين تألّهوا سقطوا كما سقط الخفاش.