أجمعت الأمة على أن من حق المسافر أن يفطر ثم يقضي في أيام أخر، وذهب بعض الصحابة إلى وجوب الإفطار في السفر إلا أن الجمهور على أنه جائز لا واجب، والسفر في ذاته مسوغ من مسوغات الفطر. والمشهور في فقه المذاهب أن المسافة التي تبيح القصر في الصلاة والإفطار في الصوم نحو «80 أو 90» كيلومتراً.. ولكن ابن القيم بين أن هذا التحديد لا أصل له، وأن كل ما يعد في العرف سفراً فإنه يجيز الإفطار ولوكان أقصر من ذلك بكثير كما صح أن دحية الكلبي- أحد الصحابة- أفطر في سفر ثلاثة أميال- أي حوالي 9كيلومترات. فالآية القرآنية نصت في سورة البقرة «فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدةٌ من أيام أُخر» وكلمة «سفر» نكرة، وهي تعني أن كل ما يمكن تسميته سفراً فيجوز فيه الفطر.. وورد في الحديث النبوي إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم على سؤال أحد الصحابة وكان يمنيا من عشيرة الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، حيث سأل بقوله وبلغه قومه: هل من امبر أمصيام في امسفر؟ فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغته فقال: ليس من امبر أمصيام في امسفر» ومعلوم أن آل التعريف تحول لدى الأشعريين إلى «أم». إذاً الفطر جائز للمسافر حتى لو لم تلحقه مشقة، ولذلك يجوز لمن يسافر بالطائرات أن يفطر، واختلف العلماء في أيهما أفضل للمسافر: الصيام أم الفطر؟ ولعل الأنسب أن الأفضل ما تيسر له منهما وهو اختيار الشيخ القرضاوي. واشترط كثير من المذاهب الفقهية المتبوعة أن المسافر ليس له أن يفطر إلا بعد مغادرته للبلد التي يسافر منها، والصحيح أن ذلك ليس شرطاً، فقد أفطر أنس بن مالك قبل أن يركب راحلته بمجرد أن لبس ثياب السفر، وإلى هذا ذهب ابن القيم. وقد اختلف العلماء في جواز إفطار المسافر لليوم الذي يعلم أنه سيصل فيه إلى بلده قبل الغروب، فذهب جمهور العلماء «منهم الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله» إلى جواز الفطر له، وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أنه يلزمه الصوم. وإذا عاد المسافر إلى بلده نهاراً وهو مفطر ففي وجوب إمساكه ساعة رجوعه خلاف إلا أن عليه القضاء أمسك أم لم يمسك. وهنا حالتان شدد فيهما كثير من المذاهب المتبوعة فلم يبيحوا فيهما الفطر هما: الأولى: من بدأ سفره في أثناء النهار- وهو صائم- فلا يجوز له الفطر. الثانية: من كان في سفره، ونوى الصيام قبل الفجر فلا يجوز له أن ينقض نيته فيفطر بعد الفجر حتى لو كان لا يزال مسافراً. والصحيح أن للمسافر أن يفطر في هاتين الحالتين فقد ذكر الإمام القرطبي أن من عزم على السفر في رمضان صبيحة يومه فلا ينوي الفطر حتى يسافر بالفعل؛ فقد يعرض له ما يمنعه من السفر. ويجوز الفطر للمسافر حتى لو أصبح السفر عادته طالما أن له بلداً يأوي إليه «مثل أصحاب سيارات الأجرة والطيارين والملاحين» حتى لو كان سفرهم يومياً، وعليهم القضاء، فإذا كان واحد من هؤلاء ليس له بلد يأوي إليه، كالملاح الذي معه في سفينته امرأته وجميع مصالحه فلا يرخص له حينئذ في الفطر.