من القضايا المهمة التي التفت إليها النحو العربي، فاعتنى بها وأعطاها نصيبها من العناية والاهتمام. وهنا سوف نتناول قضية التضمين، وأثرها في تعدية الأفعال ولزومها. بداية، قبل أن نخوض في مسألة التضمين، نود أن نشير إلى معناه في الجانب النحوي؛ لأن التضمين له معانٍ في الجانب البلاغي والأسلوبي والنحوي، ومايخصنا هنا هو الجانب النحوي، ومعناه هو أن يؤدي فعل معنى فعل آخر، فيعطى حكمه في التعدية واللزوم، فإذا وجدنا فعلاً لازماً قد عدّاه الكاتب بنفسه، كان معنى هذا أنه استخدم الفعل اللازم بمعنى فعل متعدٍ يؤدي معناه، وأمثلة ذلك كثيرة، منها: «لاتعزموا السفر» فقد عُدِّي الفعل «تعزموا» إلى المفعول به مباشرة، مع أن هذا الفعل لازم لا يتعدى إلا بحرف الجر؛ إذ يقال في الأصل: أنت تعزم على السفر، وإنما وقعت تعديته بسبب تضمينه معنى الفعل المتعدي «تنوي» فمعنى لا تعزموا لا تنووا السفر. ومن أمثلة جعل المتعدي لازماً «سمع الله لمن حمده» فالفعل سمع في أصله متعد بنفسه، ولكنه هنا تضمن معنى «استجاب» الذي يتعدى باللام. وأحياناً أخرى،قد يكون الفعل يتعدى إلى المفعول بحرفٍ محدد له، إلا أنه قد يتضمن معنى فعلٍ آخر فيتعدى بحرفٍ آخر، ومن أمثلة ذلك. قوله تعالى:«وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم» ففي الآية الفعل «خلوا» تعدى بحرف الجر «إلى» وحقه أن يتعدى بالباء، ولكن لما تضمن الفعل «خلوا» معنى ذهبوا وانصرفوا تعدى بإلى مثال آخر، قوله تعالى:« للذين يؤلون من نسائهم» فالفعل يؤلون عدي بحرف الجر «من» وحقه أن يتعدى ب «على»؛ولكن لأنه ضمن معنى البعد فكأنه قيل يبعدون من نسائهم مؤلين عدِّي بحرف الجر «من». بعد هذا ندرك أن التغير الدلالي له أثره في لزوم الفعل، أو تعديته. وحقيقة إذا جئنا إلى الأفعال المتعدية واللازمة وجدنا أن هذه الأفعال قد يحدث لها من ملابسات الاستخدام وظروف الاستعمال مايبعد بها قليلاً أو كثيراً عن معناها الأساسي الذي وضعت له، وذلك راجع إلى حاجة اللغة إلى التوسع. والتغير الدلالي ليس هو الذي يلزم، وإنما هو سبب إلى نقل الفعل من مجال إلى مجال، فهناك أفعال متعدية انتقلت إلى أفعال لازمة بفعل التغير الدلالي. منها:الفعل« حج» فهو فعل عام يدل على القصد، حيث تقول: حججت المكان أي قصدته،وقد جاء متعدياً في قوله تعالى :« ومن حجّ البيت» ولكن لاستخدام الفعل في حجٍّ مخصوص وكثرة ذلك الاستخدام نسي ما للفعل من دلالة عامة،وتحول ليعبر عن قيام الفاعل بالحج المخصوص، وهذا معنى لزومي بلا شك؛ لأنه يعبر عن فعل ذاتي للفاعل لا يقع على متحمل آخر. مثال آخر قوله تعالى «فمن عفا وأصلح فأجره على الله» وقوله «وأن تعفوا أقرب للتقوى» الفعل في الأصل متعد، جاء في الزاهر « وقولهم عفا الله عنك، قال أبوبكر: معناه «درس الله ذنوبك ومحاها عنك» ولكن الفعل؛ لانتقاله دلالياً من العفو الحسي إلى المعنوي وهو التجاوز عن الذنوب استخدم استخداماً إطلاقياً، أي بدون مفعول، لدلالة الفعل على المعنى، وسلك بذلك سلوكاً لزومياً؛ ولذا لا يتعدى إلا بالحرف فيقال :عفا عنه ،وعفا عن ذنبه، رغم أن الذنب هو المفعول في أصل الاستخدام. وختاماً نقول: هناك من يتعصب في قواعد اللغة، ويبقى مقدساً للقديم ،فيلزم نفسه بأن هذا الفعل لا يتعدى إلا بهذا الحرف ولا يتعدى بغيره، وهو بذلك يقيّد نفسه ويحبسها، فاللغة واسعة ومتغيرة من عصر إلى عصر، فهي خاضعة للتطور.