مدخل: عندما كانت رجلاي تجرّاني من شارع إلى آخر لا تلويان على شيء وجدتُ كائناً قال أنه من كوكب القمر ..طلب مني قراءة المستقبل بعد أن جرني إلى رحلة لا أدري كم استغرقت من عمري.. هراء ، يقولون: إن الإنسان لا يستطيع العيش على سطح القمر دون ما يطلقون عليه بالأكسجين ، يسمون سلاطينهم هواءً يخنقنا عدمه ،اللعنة على أفعالهم الساقطة تظل عيناك حقيرتين تبحثان عن لا شيء قالتها وانصرفت . تافهة ! من تظن نفسها ؟ لعمري أن أقبح نساء الأرض فاتنات الجمال مقارنة بها ... أنت أيها القادم من الأرض: - من جاء بك إلى هنا ؟ - لا أدري .كائن يقول أنه من كوكبكم . - ماذا تريد منا ؟ - لا شيء . - أنت متهم بالتجسس لكوكب الأرض . - أنا لا أعمل لحساب أحد . - إذاً ستساعدنا . - ماذا تريدون مني ؟ - نريد أن نحمي كوكبنا من نجاستكم . - رفع رأسه المطأطأ لتحاول عيناه عبثاً تفحص محدثه . - لسنا رجساً كي تخافون نجاستنا . - أوليس منكم من يسرق ترفاً . - لا أدري. - أوليس منكم من يغني لوطنه في حين يقبض ثمن خيانته. - لا أدري .. - أو ليس منكم من يدعي العلم وهو جاهل . - لست أدري . - أليس منكم من يقتل صديقه وذويه . رفع رأسه معترفاً . - بلى منا من يقتل ، من يسلب ،من ينتهك ..منا من يعتدي ويخون ..منا من يحقد ..نقول للئيم حكيماً ..ونسمي الخائن أميناً..نبجل الحكام من أجل السلام ..ونقدس الحرب فقط لنقول: إننا أبطال ..نحن رجس من عمل الشيطان ..فحذار قمركم من الفساد .. ابتسم شيخ القمر ابتسامة الرضا ..رفع يمناه للأعلى أعيدوه لكوكبه ..فهو خير من يصلحه ويرفع من شأنه.. * * * * في كوكب الأرض كانت الشوارع مزينة ..والسماء مرصعة بأنوار مبهجة قيل أنها نيران باردة .. سمع أحدهم يتحدث عن العيد ..ولكن يا سيدي ..احتفال ماذا ..وأي نصر ذاك الذي تحتفي به السماء في الأعلى والأرض هاهنا .. ألا تعلم أن اليوم الذكرى المئوية لبطولات الإنسان الحمراء ..فاليوم -عزيزي-مقتل أول إنسان ،فنخبك كأس من دماء حمراء .. عقد العزم وأبى إلا أن يكون بطلاً ..سيحرر الأرض من أنذالها ..ويطهرها من رجسها وليبدأ بهذا الطفل ..فلابد من قتله كي لا يصير رجلاً فاسقاً ..وهذه الطفلة كي لا تصير امرأة عاهرة .. وهذه العجوز عقاباً لما أنجبت من أجيال فاسدة ..وذاك الشيخ لفشله في إخراج أمة صالحة .. * * * * على سطح القمر كان شيخ جليل يناقش طالباً نجيباً في تاريخ المجرة ..الذي حرفه القمر بأقاويله..و التي لا نعلم شيئاً عن مدى صحتها .. كان هذا قبل قرونٍ يصعب على عقلي ذكرها ..كانت الأرض امرأة سلبت التجاعيد حسنها..وكان القمر محط أطماعها ..فبه حاولت محو تجاعيدها .. ولكن ..لماذا كل ما أصابها ..؟ عندما استوطن الفساد في نفوس أناسها ..جفت ينابيع خيراتها ..فأهلكت أرضها لتصبح كأسطورة من أساطير الخيال ..لا إثارة فيها ولا ابتهاج ليس سوى ذكرى موجعة ..لكوكب مازال الخيال يعبث في مدى صحة تاريخه . * * * * حاول القمر مراراً وتكراراً العثور عن ذلك البطل الذي طهر الأرض ..فلم يفلح رغم أن الأرض خلت سوى من بطلها المغوار .. يقول القمر في مؤلفاته عن الأرض ..إن الإنسان لم يفلح في اقتحامه ..حيث جعل القمر منها -الأرض- كوكباً من صنع خيال الإنسان .. ولكن العلماء في الكواكب الأخرى يرون في الأرض أسطورة خلقها القمر ليتصور فارساً استخدم الحيلة في حماية نفسه من فتنة الأرض .. وتقول مصادر مطلعة إن القمر يستعد لإقامة حفل كبير بمناسبة الذكرى ال(..) للجريمة الأولى على سطحه وشرب القمر أول رشفة من الدم الأزرق ..وربما سنسمع قريباً عن أسطورة القمر وأقاويل زحل لنمضي في سلالة التاريخ ولتؤكد الأرض مقولتها الأولى .. عندما عدت من رحلتي ..وجدت عالماً غير ذاك الذي كانت تجرني رجلاي إليه قبل آلاف السنين ..وعصراً غير ذاك الذي احتقرته قبل رحلة القمر منذ سنين لا تحصى .. اكتشفت لاحقاً أن السنين الطوال التي نمتها في كهف أحلامي.. قد أخفتني عن عصور مرت لم ترني.. فصحوت لا أفهم شيئاً من واقع أحلامي وماضي ذكرياتي..