(1 ) منذ أن جاءت الى المدينة الغيمة الكبيرة . وحجبت عن أهلها أشعة الشمس . وماؤها لا يكف عن الهطول صباحاً ومساءً . فنبت العشب الأخضر في كل الارجاء. وعم الخير كل الأحياء . ومع مضي الأيام . هدمت البيوت المبنية من الحصى والطين . وظهرت بدلاً منها القصور المقامة من الإسمنت والحديد . وجميعها قصور فاخرة . تكسو جدرانها الأشجار . وتتلألأ في السماء كالدرر من كثرة المصابيح التي تطوقها من جميع الجهات . فتجذب إليها الأنظار . وتأسر القلوب . وتبهر الألباب . (2 ) في داخل المستوصف الصحي . طابور بشري . ثلثه جالس على الكراسي . ومنهم من ملّ من طول الانتظار . فترك المكان . وفي المقابل . أناس يأتون ومن بينهم كهل يتوكأ على عصاه . يئن من الألم . وقف مثل بقية البشر . ينتظر دوره . نهض رجل في عقده الخامس . أشار إليه ان يجلس في مكانه . شكره . جدد رغبته . كرر له شكره . وحينها . خرج مريض من غرفة الطبيب . وتقدم الذي يليه . شاب في عقده الثاني . غير أن الرجل استأذنه في دخول الكهل ، ورد الفتى مقطب الجبين - هذا دوري وأجابه الرجل باسماً: - أعرف . والله أعرف ، لكن كبر السن يابني لايرحم وقاطعه الكهل هامساً - دعه يدخل - تفضل .. إيه ، جيل قلبه من صخر - يارج.. ل - لما كنا في عمره.. (3) - ذلك عهد ولكل عهد أهله - الله يرحم تلك الأيام أقبلت فتاة في عقدها الثالث . زائغة العينين . تحمل طفلاً في الرابعة من عمره . تضمهُ الى صدرها . ينزف دماً من مؤخرة رأسه . ترافقها ممرضة . أدخلتها حالة مستعجلة . أُخرج الشاب الى غرفة الانتظار . وبعد مضي ساعة من وجودها في غرفة الطبيب . خرجت متوجهة الى هاتف المستوصف العمومي . قاطعت الطرف الآخر .. الو .. آنا سونيتا ، هذا ولد مال انت مات ، أجيب بيت ولا يودي المقبرة ؟