الاستشاف قد يكون على شكل تنبؤ أو تكهن أو تفاؤل أو حدس وكلما كانت تحمل في مضامينها مدلولات غيبية بأحداث مستقبلية وإن كانت جزئية تصب في معظمها عين الحقيقة وتوافق قول صاحبها وتؤكد على امتلاك هؤلاء الشعراء ملكة أو قدرة استشافية تميزهم عن غيرهم من البشر وقد وجدنا في شعرنا الشعبي أموراً تساعدنا للوصول إلى حقيقة هذه العلاقة حيث أورد بعض الشعراء في قصائدهم أخباراً لحوادث وقعت ونقلوها إلى الجماهير قبل علمهم بها ووصول خبرها إليهم في زمن عدمت فيه مثل تلك الاحتمالات وبعدت فيه المسافات وصعبت المواصلات ويفسر أبو حامد الغزالي ذلك في أحد مباحثه بعنوان.. بيان الفرق بين الاتهام والتعلم بقوله:اعلم أن العلوم التي ليست ضرورية وانما تحصل في القلب في بعض الأحوال تختلف الحال في حصولها فتارة تهجم على القلب كأنه القي فيه من حيث لايدري وتارة تكتسب بطريقة الاعتدال والتعلم ويقول ابن خلدون: ثم إننا نجد في النوع الإنساني أشخاصاً يخبرون بالكائنات قبل وقوعها بطبيعة فيهم تميز بما صنفهم عن سائر الناس ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: اعلم أن وجود الجن ثابت بطرق كثيرة غير دلالة الكتاب والسنة أما الشيخ يوسف القرضاوي فيقول: إن تميز الشعراء وتفردهم بالرؤيا من الآخرين جعلتهم يشعرون بأنهم قادرين على اختراق تخوم تعجز عن بلوغها المخلوقات الأخرى لأن مايأتون به يعد من الأمور الخارقة والمعجزة. وحكى لي والدي حادثة وقعت أحداثها في سنة 1343ه عندما شنت قبيلة الحموم هجومها على مدينة الدريس الشرقية بحضرموت فزحف ألف مقاتل منهم على المدينة وحاصروها ثم شنوا هجومهم عليها فظلوا بها أياماً نهبوا خلالها متاجرهم وعند انسحابهم منها استصحبوا معهم بعض الجنود من يافع وقعوا في الأسر وأضاف والدي رحمه الله وفي نفس ليلة الهجوم صادف في مدينة غيل باوزير زواجي أي والدي ابن الشاعر أي جدي عمر بن شيخ بن طاهر باوزير فأحيوا تلك الليلة برفقة الشبواني بالقرب من منزل الوالد شارك فيه الشاعر سعيد عبدالله قشمر بافضل وهو من أكبر شعراء الغيل بالإضافة إلى الشاعر عمر بن شيخ..الشاعر قشمر قال في مدارة الشبواني: ذا فصل والثاني بظني الزقر به قلصه اقتلص الليش له يشرب في الطاسه ويفسح في القلاص الراعية لقت بدع ولفت على السبته قرص ونطاقها باعته عامستور بثلاثة قراص قراص ماهي حب من لي بجبيونه الغوص من غبة البحرين قل يابخت من جابه وغاص قم ياعمر بن شيخ مرة بانرص الحيد رص بالزاد والمزناد مفلت والمدافع والرصاص وان كان هذا كذب لقوا لي في آذاني خرص مثل الوليدة لي تحنحن بالحناحن والخراص إن لغتنا بالشاجع العطاش لق لحمي وقص لغه قطب كله وقطعنا في البرمه وقاص اسرح إلى عند النميري شفه يكوى عالبخص ومعه عويله يطرحون الكي عاحيت البخاص قد تركوا في بوفتياسه جابوا إلا بومقص كذب لي قال الفتيلة تشبه أمات المقاص رويد يارجال عاد الشغل عندي ماخلص شف عادنا قرب وجمع مانويت الاختلاص وقال والدي وفي الليلة التالية لقول هذه الأبيات وصلت الأخبار من الديس الشرقية النميري بوقوع الهجوم المذكور حسب ماأورده الشاعر وأكده والزم نفسه وهذه الحادثة يذكرها أهالي غيل باوزير جيداً وهناك حادثة أخرى وهي حادثة القصر الشهيرة أو مذبحة القصر التي جرت أحداثها في 27 ديسمبر 1950م في قصر السلطان وماسمي الآن قصر الرابع عشر من اكتوبر بالمكلا والتي ذهب ضحيتها 18 شهيداً لمجرد تظاهرة بعض المواطنين مطالبين بتعيين سكرتير دولة وطني يخلف سكرتير الدولة الأجنبي وصادف وقوع الحادثة قيام سمرة وأن شبواني بمناسبة زواج في غيل باوزير اشترك فيها عدد من الشعراء أبرزهم الشاعر الشعبي الكبير المرحوم عمر بن شيخ بن طاهر باوزير الذي تنبأ بالحادثة بقوله: ذا فصل والثاني ورى حد قال شي أو شاف شيء أو شى خبر جاء من قدا جعفر وهارون الرشيد كله السبب ولد بصعر جاب لي الزقر الغثى وسرح على مال العرب ومثلها ساحل ونيد بركن في العقبة وشي الجمال بيت يعتزي والبرق يتلمع وناشوف السماء ترعد رعيد