الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبدالواسع الأصبحي يتذكر الحلقة "29"
نشر في الجمهورية يوم 23 - 01 - 2008

لقد كتب الأستاذ المرحوم- محمد عبدالواسع الأصبحي، عن الآخرين في مذكراته أكثر مما كتب عن نفسه، فأبرز رجالاً كان حظهم من البروز أقل مما هم به جديرون، ونوه برجالٍ لا يكادُ أكثر الناس يعرفون عنهم شيئاً.. ومن العدل أن نقرر بأن لكل من يكتبون «المذكراتِ» أو «السيرة الذاتية» الحق في أن يتحدثوا بضمير المتكلم، وإلا لما سميت هذه المؤلفات بالمذكرات ولا بالسير الذاتية، ولكن الميزان في هذا المجال دقيق وحساسٌ، فإذا اختل التوازن هنا، ثقلت كفة «الأنا» أو «الذات» ثقلاً تصبح معه عبئاً باهظاً على التاريخ وعلى القارئ.. وبمقابل ذلك تخف كفة «الهو» أو «الغير» خفة مجحفة بحق التاريخ وبحق القارئ في المعرفة الصحيحة.
ولقد أمسك الأستاذ محمد بالميزان، إمساك الصادق الأمين، الذي تهمهُ أولاً وقبل كل شيء الحقيقة الصادقة، والمصلحة الوطنية، وحق القارئ في الاطلاع على حقائق التاريخ المجردة من عبث الأغراض وتسلط الأهواء، وهذه درجة رفيعة لا يصل إليها إلا القليلون من الخائضين في هذا الميدان من ميادين الكتابة التي تتطلب قدراً عظيماً من النزاهة والإحساس بالآخرين.. وسيجد القارئ الكريم، ما يكفي من الأمثلة التي تبرهن على هذه السوية الرفيعة التي وصل إليها كاتب هذه المذكرات.
كما أن القارئ سيقف أمام بعض الحقائق الإقليمية التي تشمل البحر الأحمر وخاصة في شطره الجنوبي وما جرى على ساحله الشرقي في اليمن وساحله الغربي الذي تقع عليه بعض دول ومناطق شرق أفريقية وما كان يدور في شرق أفريقية من الصراع الاستعماري الذي أدى إلى نشوء دول واختفاء أخرى وهو لا تزال رحاه تدور أمام أعيننا إلى هذا اليوم.. ولن يسع القارئ إلا أن يشعر بالإعجاب إلى حد الدهشة، لما أبرزه الأستاذ محمد عبدالواسع الأصبحي، من أخبار اليمنيين في تغريبتهم الحديثة التي بلغوا بها أصقاع الأرض، وما قابلوه من أهوال تتضعضع أمامها الجبال، ولكنهم قابلوا كل ذلك بصبر عظيم، وجلدٍ لا يذل ولا يهون، وبقدرة على التكيف مع عالم غريب ينكرهم وينكرونه، وينفيهم فيقتحمونه، مما ينبئ عن معدن صلب عريق لهذا الشعب الذي أنجب هؤلاء الرجال، ويبشره بمستقبل زاهر مجيد رغم كل ما يحيط به من مكر الأعداء وقسوة الظروف.. ولو كان لي أن أوجه نداء لهتفت.. نداء.. نداء..: أيها اليمنيون اقرأوا مذكرات المناضل الحر الأستاذ «الخال» محمد عبدالواسع حميد الأصبحي المعافري الحميري اليمني، من هذه المنطلقات، وستجدون فيها طاقة خلاقة قوية، تدفع بالمسيرة إلى الأمام بثقة ماضية وجباه عالية.
دمشق 21-5- 1996م مطهر الإرياني
«الجمهورية» تعيد نشر هذه المذكرات لرجل ساهم بقسط وافر في خدمة الوطن واستذكر ملامح وشواهد من التاريخ المعاصر لليمن والظروف المحيطة بتلك المرحلة وهي مذكرات أحق أن يقرأها هذا الجيل الذي لا يعلم حجم تلك التضحيات وطبيعة الظروف فضلاً عن اتسامها بالأسلوب الأدبي الشيق في رواية الأحداث والأسماء
البيضة لم يفهم
قصيدة محمد عبدالله ربه الوهبي
الشاعر محمد عبدربه الوهبي من قيفة، وهي في المشرق من مذحج:
وناهيكم بأن قائفة ومراد والحدا من مذحج مع العنس هي موطن الشعر قبل الإسلام وبعده.
هذه القصيدة ألقيتها أيام التداعيات، عندما ذهبنا إلى علي سالم البيضة.. هكذا البيضة، وكنت بمعيّة المشير عبدالله السلال رحمه الله، وكان معنا أيضاً وجهاء اليمن الشمال والجنوب في مقيل، ومنهم حمود بيدر، فجئت بتلك القصيدة، وقدّمت لها بمناسبتها، فقصصت ماجرى للشيخ محمد عبدربه الوهبي «من بني وهب» حين جاء التيوس أحمد ناصر الذهب وعبدالولي ناصر الذهب، فهجموا عليه، وأخذوا من إبله ومواشيه، وساقوها مستولين عليها.
فجمع قومه، واستشارهم: مارأيكم؟
فقالوا: الحرب الحرب، ما أخذ بالقوة لايستعاد إلا بالقوة.
فقال لهم: ما رأيكم ياقوم أن نحاورهم بالسلم، وكلنا من قائفة، من قبيلة واحدة، وإن كنا متفرقين «دويلات» كما نقول الآن؟
أخيراً، أعياهم وأعيوه، فقال: أمهلوني شهراً، فذهب وأخذ ثلاثة أو أربعة من أصحابه الذين يثق بهم، ومرّ على منطقة اسمها «المشيريف»، وهي حد بين قيفة ومراد، فوجد فتاتين يمتحن الماء، فعرّفهن بنفسه، وكان شاباً جميلاً، وكانت الفتاتان جميلتين أيضاً، فقالتا له: ألست الشيخ محمد عبدربه الوهبي؟
قال: نعم.
قالتا: نحن نعرف قصدك، فامضِ معنا إلى بيتنا، وستجد عند والدنا مايسرّك.
فذهب، ودخل مع الضيوف، فلم يتكلم فقال له صاحب البيت: أنت ضيفي، وضيّفه ثمانية أيام بدل يومين أو ثلاثة. ثم قال: اسمع ياشيخ محمد عبدربه الوهبي، هذه مواشيك، وهذي الرعاة، وهذا كل مايوصلك إلى بلدك وعد مكرماً مبجّلاً، وأنت منا بمنزلة العضو من الجسد.
بعد هذه الحادثة كتب الشيخ الوهبي قصيدته المشهورة هذه، وهي ذات أبعاد اجتماعية وسياسية عظيمة جداً، جاءت بشكل قبلي، وحين ألقيتها في ذلك المقيل الذي أشرت إليه في المقدمة، كنت أعني بها علي سالم البيضة، ولكنه لم يفهم.
يقول الشاعر:
يقول أبو مفطمٍ «1» كلاً حلم بهمْ
وأنا اتحيّرْ هنا يومين هندامي
من يوم ما عاد وافيت أحمر المبسمْ
يمشي مصوّر قليل الخير قدّامي
ياقاسم إني لقيت أعصم وريت أعصم
غرّان حجلان فيهم وشم واسامي
من يوم ماعاد لاتنشد ولاتفهمْ
ولاتخبّر على زينات الأكمامِ
خيرة بنات أمنا حوا وأبونا آدم
وخيرة اليوم بدّاءً وختّامِ
صيد «المشيريف» جاء من يم وحنا يم
محجّلات السواعد بيض الأكمامِ
لقيتهن حيث طير الموت قد حوّم
فيّ «المشيريف» لكن حدّ ظلامِ«2»
ذا قيل له من السبّق حصان أدهمْ
أحمر شلي شو هلي مقدام مهمامِ
يسبق ويلحق ويتقفّا ويتقدّم
على كُريان ذي ماهو مَعَ يامي«3»
ياقانص الصيد لو تدري ولو تعلم
عن عاد للدم رامي من قفا رامي
ماهي رماية حجر من صابها سلّم
ولا المضانيك ترمي مثل الأنسامِ
ولا حديث أهل الافيا من فسل ماهم
مثل الذي بايثب للموت في الحامي
كما أنّ بعض القبائل مادري من كم
ياكل ويشرب وهو من جيز الأنعامِ
وأنا حمول السرف والميل لابن العم
اصبر على البيّنة وادحق على الهامي
أما متى أصبحت أنا وايّا نتراجم
بايفرح الخصم ذي قد هولنا ظامي
ومن له أصحاب مثل أصحابنا ماهم
...........................
نصبر عليهم ونتودّد ونتوسّمْ
على بني وهب عوجان التكلامِ
لكنهم عند دعوى ذم ولا دمْ
حمران الأعيان شلّلاين الغرامِ
هم درعنا في الحظا هم سيفنا المبرمْ
هم ذي لهم في الجمالة سبعة أقسامِ
والضيف لا جانا نخرج له لاثم
حتى ولو كان يهودي غير إسلامي
هذه هي القصيدة التي تشرّفت بإلقائها آنذاك، ولكن صاحبنا البيضة لم يفهم.
قصيدة العزّي صالح السنيدار
المرحوم العزّي صالح السنيدار هذا المناضل الكبير، وكلمة مناضل أصبحت لاتعني شيئاً هذه الأيام.
هذا الرجل عُذّب، وسجن في سجن حجة، ثم فرّ هارباً إلى عدن، ماذا يصنع هذا الإنسان؟ ذهب وتعلّم «ترزياً» يخيط الثياب، وأذكر لما قال الأستاذ علي بن علي صبرة قصيدته المشهورة الغزليّة التي مطلعها:
أهلاً بمن داس العذول وأقبلْ
وطلعته مثل الهلال وأجملْ
والتي غناها السنيدار وعلي الآنسي رحمه الله، وغيرهما، فجاء العزّي صالح بقصيدة رائعة، يعارض فيها قصيدة علي بن علي صبرة، نشرتها جريدة الكفاح جريدة حسين بيومي الله يرحمه، منها:
أهلاً بمن داس العباد وأقبلْ
أهلاً بمن دك البلاد بمعولْ
أهلاً وسهلاً يا جماد الأولْ
ذكرتنا أشياء تغضب الله
أهلاً بعيد السلب والإباحة
عيد الصراخ والخوف والنياحة
أهلاً بعيد الدم والذباحة
دما بريّة لا أعادك الله
ويقول فيها:
العيد للأفراح لافجايعْ
والعيد للعمران والمصانعْ
لاعيد استبداد والمطامعْ
وسلب باسم الدين وشرعة الله
عيد الشقا يومك فظيع أسودْ
في كل يوم نذكر سجين مبعدْ
وإلا غريب من الوطن مشرّدْ
والا فقير مظلوم يرحم الله
وإلا شهيد وإلا سياط الجلدْ
مافيك ياعيد الشقاء مسعدْ
إلا منافق أو مورد الخدْ
والا فكذاب مفتري على الله
عيد المهازل في جماد مسرحْ
لعائلات دموعها بتسفحْ
مهرجان للقلوب يجرحْ
وأيتام تطلب حقها من الله
ويختمها بقوله:
والشعب عارف كيف يأخذ الثارْ
ويستعيد ماضيه ويغسل العارْ
والشعب جند الله والناس أحرارْ
ومن أهان الشعب أهانه الله
فالله صبور يمهل وليس يهملْ
فانظر إلى التاريخ إن كنت تعقلْ
هذي القصيدة ياحبيب أجملْ
تاريخها: اصبر لغارة الله
كان آخر عهدي بالأخ العزّي حين التقيته في أغسطس عام 1968م بصنعاء، وكان قد تعيّن من قبل الفريق العمري الله يرحمه محافظاً لصنعاء، افترقنا ولم نلتق بعد ذلك، رحمه الله.
يقول أبو جبر
هذه القصيدة من شعر الشاعر الشعبي المعروف صالح سحلول، وهو صاحب البيت الذي سمعه جمال عبدالناصر فأعجب به:
بلادنا ماهي مقرّ الغزاة
بل هي مقابر من غزاها
أما قصيدته «يقول أبو جبر»، فقد قالها في سنة 1972م أيام المصالحة الوطنية وعودة الملكيين من السعودية إلى اليمن، قال لا فُضَّ فوه:
يقول أبو جبر واجب نكشف الأسرارْ
لكل من يعرفوا عن قصة الشاعرْ
قد عاش فترة طويلة ينظم الأشعارْ
حين كان للشعر في الأنفس أثر باهرْ
لما رأى اللخبطة في وجهة الأنظارْ
فضّل سكوته، وحطّ الخمس في الصابرْ
مافائدة في الهدار والكذب والغرّارْ
مافيش معانا نصف في الجاي والسايرْ
البارحة جُدّدت في قلبي الأفكارْ
وأنام والناس من حولي وأنا ساهرْ
مغبون من غبن عذرا فاقت الأبكارْ
طلّت علينا بمنظر يدهش الناظرْ
لكن ليل الظلام قد أسبل الأستارْ
حتى حجبها وغطى نورها السافرْ
ماكان من واجبك يا ليل ياغدّارْ
تطفي شعاع الصباح الباهي الباهرْ
ولاتذرّ الرمادْ يا ليل في الأبصارْ
ولاتطبق علينا حكمك الجائر
والله يا ليل لن نزدد سوى إصرارْ
حتى نرى النور يمحي جنحك العاكرْ
لاياظلام لن ترانا بك سوى كفّارْ
حتى ولو مابقي غيري أنا كافرْ
يا للفضيحة يا للخزي يا للعارْ
مادام والحاضر ابن الماضي الغادرْ
والليل هو الليل والأفكار هي الأفكارْ
والناس هم الناس والآمر هو الآمرْ
مسكينة هالحرية لعبوا بها الأحرارْ
حتى العوافي تراهم جمع متكاثرْ
تشوف تسعين منهم بالمئة ثوارْ
حلّ النفس كل واحد قال أنا ثائر
وساعة الضيق تلقى الفار تلو الفارْ
ماعاد ترى يصفي إلا العاشر العاشرْ
شوقي يشقّ الجبل حتى يصير أعشارْ
والشوق يطلق غبار من شوق أبو جابرْ
من طار بين السما والأرض كالطيار
مايدرو إلا وقد هو بالهوا ناشرْ
والآن قد حان وقت العزم ياسيّارْ
اعزم على تكس يمشي بأربعة تائرْ
إلى تعز الحبيبة سوّلك مشوارْ
ذات الهوى والمناخ والموقع الفاخرْ
مناخها عن تهامة يرتفع أمتارْ
قد أعجبتني لطافة جوّها الساحرْ
وأهلها ينعمو في أمن واستقرار
هذا مهندس وذا نجارْ وذا شاطرْ
مايحملوا غير مبدأ له هدف آخرْ
ومبدأ الهدم والتخريب التكسارْ
وفي ختامها يقول:
أنا من أربع شدائد ألحقت أضرارْ
بنا فضقنا وضاق الصبر بالصابرْ
الأوله يا أخي قد شحّت الأمطارْ
لنا سنة مانزل في أرضنا ماطرْ
والثانية يا أخي سعر الريال انهارْ
كيله طعام بالريال ماهو من الهاجرْ
وهي قصيدة رائعة من أرادها كاملة يطالعها في ديوان الشاعر صالح سحلول.
قصيدة «النعمان لم يمت»
ما أشبه الليلة بالبارحة:
كان الأستاذ أحمد محمد نعمان رحمه الله كثيراً مايتمثل بالشعر ويستشهد بأبيات مُحكمة، تعبّر عن واقع الحال، وتعبّر عن خبرته العميقة بالناس وبالزمان.
كتبت له مرّةً من عدن عام 1960 قبل أن أسجن أن فلاناً وفلاناً يذمانه، ويتهمانه بالعمالة، فقال لي: يامحمد لاتخف ولاتخزن، دعهما:
إنّا لفي زمن ترك القبيح به
من أكثر الناس إفضالٌ وإحسانُ
قلت له: فلان يقول كيت وكيت، فقال لي: ألم تسمع بقول المتنبي، وهذا فيه ردّ على محمد أحمد خالد العبسي الذي حاول ضرّ علي حسين وأحمد حسين الوجيه:
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا
فأيسر مايمرُّ به الوحولُ
فأنت يامحمد لا تأس ولاتحزن من هؤلاء الذبابات.. هؤلاء أشبه بالبعوض، أقصى ماينوبك منه أن يصيبك بالملاريا.
وأذكر أيضاً حين سفّره الانجليز من عدن إلى القاهرة كيف وقف في مطار عدن وتمثّل بأبيات الشاعر حافظ إبراهيم.
لم يبق شيء من الدنيا بأيدينا
إلا بقيّة دمع في مآقينا
كنا قلادة جيد الدهر وانفرطت
وفي يمين العلا كنا رياحينا
كانت منازلنا في العز شامخة
لاتشرق الشمس إلا في مغانينا
حتى غدونا ولامال ولانشب
ولاصديق ولاخلُّ يواسينا
فبكى وأبكى الجماهير التي خرجت لوداعه، رحمه الله.
وفي أثناء طباعة هذا الكتاب بلغني مع الأسف الشديد أن أحدهم ألقى محاضرة في مؤسسة ثقافية بصنعاء فقال عن الأستاذ النعمان أنه كان من ضمن العائدين، أليس من المؤسف أن يقال عن صانع النور في اليمن إنه من العائدين؟
وأنه صرّح بما صرّح به بعد خروجه من السجن الحربي في القاهرة؟
ألم يردّ الأستاذ النعمان إلى الملك الحسين رحمهما الله وسام الدرجة الأولى الذي منحه إياه، وقوفاً إلى صف الرئيس جمال عبدالناصر رحمه الله حين وقع الخلاف بينه وبين الملك حسين؟
أمن أجل تصريح بسيط أطلقه الأستاذ في بيروت ترفع الجنسية عنه، ويقال عنه من العائدين، بينما لاترفع الجنسية عن البيضاني الذي هدم اليمن وصرح بتلك التصريحات الخطيرة التي منها «وقد أمرنا أسطولنا البحري بالتحرك صوب الشمال»؟
أسئلة كثيرة تستحق آلاف إشارات الاستفهام، ولكن «ما أشبه الليلة بالبارحة»!
ليست مرثاة:
في رحيل الأستاذ النعمان الحيّ بفكره ونضاله كتبت هذه القصيدة بعنوان «النعمان لم يمت»، أثبتها هنا وفاءً لشعلة الحرية التي حمل مشعلها بإيمان وإخلاص، فأضاء نورها الطريق أمام الأجيال:
النعمان لم يمت:
لست أرثيك أنت فوق الرثاء
فوق شعر يوحى إلى الشعراء
فوق مايستطيع طرف كليل
رام أن يجتلي بروج السماء
فأقلني من الرثاء، ودع لي
أن أغني لقامة الكبرياء
رنحتها السنون هزاً وعصفاً
في مهب الأنواء والأرزاء
ما انثنت، ما نحنت وما للان عود
لقناة كالصعدة السمراء
ذاك طبع الشموس في أفقها العالي،
وطبع المنار في الميناء
شأنها أن تظل أسمى وأعلى
تنشر النور في دجى الظلماء
غير أن الشموس تتعب أيضاً
والمنارات تشتكي من عناء
والزعيم الكبير «أحمد نعمان»
سليل الأقيال والأذواء
آن أن يلقي السلاح ويرتاح
قليلاً في حومة الهيجاء
ً«صانع النور» لم يمت يارفاقي
فهو حي بفكره الوضاء
بسجاياه، موقفاً وسلوكاً
بخطاه على دروب الفداء
بمعاني النضال قولاً وفعلاً
وصموداً في المحنة السوداء
لم يمت.. لم يمت.. فللنور إرثٌ
إن مضى الأهل سار في الأبناء
فاقرأن في الوجوه أحلام جيل
يمني في عنفوان العطاء
ينهل العلم، ثم يبني ليعلي
في ربوع البلاد سمك البناء
وتلفت إلى الديار تجدها
جنة تزدهي بثوب النماء
ماتراه فيها ربيعاً وخصباً
هو ظل الحريرة الحمراء
بي من الأمس رعشة يعتريني
هولها كلما نظرت ورائي
فأرى السجن قطعة من ظلام
وحديد وعكفة ودماء
وإمام له «الوشاح» وشاح
قلبه قلب صخرة صماء
وأرى رغم حالك الليل وجها
باسماً مثل نجمة غراء
ذاك وجه «النعمان» يرمي المنايا
كالحاث بنظرة استعلاء
لايبالي إن ظل رهن قيود
جائرات، أو صار في الشهداء
همه أن يرى العباد بخير
والبلاد الخضراء في نعماء
لست أنساه هائماً في المنافي
وشريداً مطارداً في العراء
فرّ من قبضة الطغاة بجلدٍ
مزقته مخالب البغضاء
أهله في السجون قيد رهانٍ
لايخلّون، أو يعود النائي
بئس ذئب إذا الطريدة فرت
من يديه يعض بالأقرباء
يارهاناً ود الإمام حريصاً
لو يعيد «النعمان» في السجناء
كان يدري بأن أحمد فردٌ
إنما «أحمد» بلا نظراء
هو صوت الشعب القوي المدوي
عدة الحق في صراع البقاء
هو روح «الأحرار» نبراس قرن
من نضال بهمة قعساء
سامه الغدر طعنة بعد أُخرى
وهو طود مزّمل بالإباء
يحبس الدمع مثل ليث هصور
خشية من شماتة الأعداء
بابنه العبقري أردوه في بي
روت نجماً معفراً بالدماء
ذنبه أنه يشع ذكاء
فتأمل مصارع الأذكياء
وتأمل فداحة الساسة العمي
يان حين الأحكام للأهواء
ثم دعني من المآسي، فقلبي
مثخن بعدما مضى أصدقائي
والذي تحسبون شخصي أميطوا
عنه ثوبي لكي تروا أشلائي
أيه روح «النعمان» كيف جنان
الخلد؟ كيف اللقاء بالرفقاء؟
كيف كان الحلول في دار صدق
أزلفت للتقاة والأمناء
«فالزبيري» الشهيد لابد شعت
شفتاه ببسمة قمراء
وتلقاك بالعناق اشتياقاً
واحتفاء، والتم شمل الإخاء
وتذاكرتما العهود الخوالي
ذكريات السراء والضراء
قال: خبر عن البلاد، وخصص
بحديث ترويه عن «صنعاء»
فتبسمت بسمة تشبه الوردة
عند الصباح في الأنداء
وجرت دمعة من العين حرّى
فعرى الورد طائف من بكاء
فسلاماً عليك في جنة الخلد،
سلاماً عليك في الأنقياء
وسلاماً عليك، حياً بقلبي
وبقلب الأحرار والأوفياء
حزبي حزب اليمن:
أنا لست حزبياً، لم أكن ولايمكن أن أكون.
أذكر أني كنت ذات يوم في مقيل الشيخ الوقور الطيّب الذي لاينسى القاضي عبدالجبار بن أحمد بن علي المجاهد، فقال الأستاذ سلطان أحمد عمر، وكان في جانبي عبدالحافظ قائد العبسي وكلاهما من حركة القوميين العرب.. قال: كنّا نحاول أن نأتي بمحمد عبدالواسع حميد الأصبحي إلى حركتنا.. كنا نحاول أن نجذبه إلينا، وأرسلنا إليه أصدقاء ليأتوا به، لكنه ظل كما هو يمنياً يحب اليمن، فحزبه هو حزب اليمن.
وقال: هكذا يا أخ محمد أنا شهدت لك.
فقلت له: شكراً على هذه الشهادة.. وأنا سأبقى هكذا يمنياً أحب اليمن.
وهذا يكفيني.
هوامش:
(1) مفطم: تصغير لفاطمة
(2) يقارن هذابقول المعري:
فيادارها بالخيف إن مزارها
قريب ولكن دون ذلك أهوال
(3)كأن هذا البدوي قرأ أمرأ القيس
مكر مفر مقبل مدبر مهاً
كجلمود صخر حطَّه السيل من عل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.