* جامعة أديس أبابا تمنح الرئيس علي عبدالله صالح كرسياً جامعياً * فرحة افتتاح مشروع المركز الثقافي اليمني يخنقها سؤال البحث عن التمويل * حميمية الرئيس الأثيوبي أزالت كل معاناة الوفد * عمدة أديس أبابا ووزير الثقافة الأثيوبيان يثمنان فعاليات الأسبوع الثقافي اليمني الأول * رئيس غرفة تجارية يطلب من السفير دفع فاتورة الفندق *السفير الأغبري يقطع إجازته المرضية ليكون قريباً من الجميع أعتذر للقارئ إذا كان حديثي في حلقة الأمس عن فعاليات الأسبوع اليمني الأول في اثيوبيا اقتصر على الهم والغم.. مع أن الرحلة في حد ذاتها ممتعة وشيقة، خاصة إذا كانت الوجهة اثيوبيا التي قطعنا المسافة جواً بحوالي ساعة وربع الساعة.. ولقد تذكرت عند وصولنا مع تباشير فجر يوم جديد.. لماذا يتم تحديد مواعيد الطيران للمسافات القصيرة مع بزوغ الفجر.. والتساؤل بأمانة وضعه أمامي في مطار المغادرة الساعة الثانية والنصف فجراً الأخ الزميل محمد العمري وكيل أمانة العاصمة.. حيث أضاف: إن هذا التوقيت أنسب لرحلة إلى أوروبا أو أمريكا، وليس إلى بلد مدة الطيران إليه ساعة وربع الساعة! كانت أول مشكلة واجهتنا في مطار أديس أبابا حجز السلطات هناك كاميرا التلفزيون، فالمسؤولون هناك يطلبون حسب ما تمليه التعليمات ترخيصاً بدخول الكاميرا، ولم تفد كل التوسلات والمراجعات بإطلاق الكاميرا إلا بعد مرور أربع ساعات بكاملها، ولا أعرف لماذا أشفق علينا موظف المطار ليعطي توجيهاته بخروجها معنا بعد الانتظار الطويل. المهم كل واحد من أعضاء الوفد الرسمي والشعبي والفني يهنئ الآخر بسلامة إطلاق الكاميرا.. ومن هناك عدل إلى الفندق فوق أتوبيسات جرتنا جراً، وما كاد الجميع يضع حقائبه في الغرف المخصصة حتى تناهى إلى مسامع الجميع طرق على الأبواب.. والطلب إلينا النزول سريعاً للتحرك إلى قاعة الاحتفال. هل رأيتم أبدع من ذلك؟ قال أحد أعضاء الفرقة التي ستقدم حفلاً راقصاً: لا أستطيع أن أرقص وأنا مرهق.. لم أنم منذ أمس الأول؟ أجابه أحدهم: ارقص وأنت نايم! الحقيقة لم نستوعب الحفل ولا الكلمات، بل وماذا قيل، فالكل مصلوب على كرسي الاحتفال من شدة الإرهاق والتعب، بل إن أكثرنا وصل شخيره من آخر القاعة إلى أولها.
سألني أحد الزملاء: هل هذه أول زيارة لك إلى أثيوبيا؟ أخبرته بأنها الثانية، وكنت قد زرتها العام الماضي.. وبعد عودتي كتبت سلسلة حلقات عن هذا البلد والقواسم المشتركة التي جمعتنا كيمنيين وأثيوبيين في الماضي.. والإطار الجديد الذي يعزز «المشترك» فيما بيننا في الحاضر والمستقبل، وذلك في إطار العلاقات المتميزة والثقة التي تربط القيادتين السياسيتين. وأفرحني خلال تلك الزيارة ما قاله لي رئيس الوزراء ميليس زيناوي «إن اليمنيين مرحب بهم في أثيوبيا، ونريد تواجدهم هنا بأعداد أكثر مما هي عليه الآن». وأكرر نفس الانطباعات التي سجلتها العام الماضي بأن اثيوبيا تحقق عاماً بعد آخر نمواً مضطرداً، وإن كان شبح التضخم بدا واضحاً في رحلتي الأخيرة.
ما يميز أديس أبابا والمدن الأثيوبية الأخرى في زيارتي هذه فرحة الأثيوبيين الغامرة بالاحتفال بألفيتهم الجديدة، حيث تقام الكرنفالات واستضافة الفرق الفنية من أنحاء العالم.. ومنها فرقة الفلكلور الشعبي اليمني التي أحيت العديد من الحفلات، التي قوبلت بترحاب حار من الجمهور الأثيوبي الذي رأى فيها تجانساً في الإيقاع.. خاصة رقصات البرع والشرح.
ولقد كنت أحد الذين تشرفوا بحضور اللقاء الذي ضم رئيس الجمهورية الأثيوبي برئيس وأعضاء الوفد اليمني، حيث ثمن الرئيس الأثيوبي مواقف اليمن الداعمة بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح للقضايا الأفريقية. ورغم أن اللقاء لم يستمر غير دقائق محدودة إلا أنه كان حميمياً وصادقاً ليعكس ارتياح القيادة الأثيوبية بتنامي علاقات الإخاء التي تجمع اليمن واثيوبيا.
الحق يقال إن السفير جازم عبدالخالق الأغبري بحكم معرفتي به فهو رجل ديناميكي وعلى جانب كبير من سمو الروح ودماثة الخلق والتفاني في خدمة المهمة الديبلوماسية التي أوكلت إليه. وحسب معرفتي فإنه تلافياً لأي تقصير فقد رأى في وقت مبكر إرجاء الفعالية إلى حين اكتمال الترتيبات، ومع ذلك فقد آل على نفسه إلا أن يقطع رحلته العلاجية إثر عملية جراحية والعودة إلى مقر عمله ليكون قريباً من الجميع ويجتاز صعوبة المهمة بامتياز مع مرتبة الشرف. ومن الأشياء المضحكة أن الكثير من أعضاء الوفد قد جاءوا إليه وطلبوا منه تسديد أجور الإقامة في الفندق على الرغم من معرفتهم بأن ذلك ليس من اختصاص السفير، وقد يفهم ذلك من قبل عضو عادي في الوفد، ولكن أن يأتي ذلك من بعض رجال الأعمال فإن ذلك يدعو إلى الشعور بالمرارة. الأمر ليس نكتة، بل لقد سمعت أحدهم يطلب ذلك من السفير، والغريب أن الرجل يرأس إحدى الغرف التجارية في إحدى المحافظات.. فما كان من السفير إلا أن نظر إليه وقال له والابتسامة على ثغره: سننظر في الأمر لاحقاً!!
حققت الفعاليات الثقافية نجاحاً كاملاً في إطار الأسبوع اليمني الأول المبتهج مع الإخوة في اثيوبيا بمناسبة احتفالاتهم بالألفية الجديدة.. وفي إحدى ضواحي مدينة أديس أبابا وضعت لوحة لتدشين أهم ملمح ثقافي يمني في هذه الدولة. لقد ارتسمت علامات السرور على ثغر كل الحاضرين في هذه اللحظة التي يضعون فيها حجر تدشين المركز الثقافي اليمني في أديس أبابا. من الحضور الذين ارتسمت الابتسامة على وجوههم كان عمدة مدينة أديس أبابا، الذي قال بالحرف: «نعم نريد أن نرى هذا المشروع وقد برز إلى النور لنشعر معاً أن دوراً حضارياً تلعبه اليمن في هذه المنطقة».
الشخصية الأثيوبية الثانية التي حضرت هذه الفعالية هو وزير الثقافة والسياحة محمود غيدي الذي بدوره قال لي: «هذا المشروع في حال اكتماله فإنه لا يخدم العلاقات الأثيوبية اليمنية فحسب، إنه مشروع يمني حضاري طموح يفيد العلاقات العربية الأفريقية ومحسوب لليمن ولرئيسه علي عبدالله صالح».
الآن وقد أوفى الأثيوبيون بوعودهم، وأصبح لنا مساحة كبيرة لإقامة هذا المشروع.. ما هي الخطوات التي ينبغي أن تتم؟ الجميع يقول بضرورة إعداد تصاميم إنشائية وتوفير الدعم اللازم لإقامة المركز. وأعتقد أن السفير الأغبري الذي حمل الرسالة منذ أن أسندت إليه مسئولية السفارة يمتلك الرؤية والنشاط لأن يرى الجميع وقد تحققت الأمنية.
أما الكرسي الجامعي باسم فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الذي منحته جامعة أديس أبابا خلال إقامة الأسبوع اليمني الأول فقد كان تاجاً على رؤوس اليمنيين جميعاً.. وفيه من الوفاء الأثيوبي مثلما هو الوفاء اليمني في تحمل مسئولية تعليم لغة الضاد في أفريقيا بعد أن كادت تنسى! كثير من الأثيوبيين الذين حضروا مراسم إعلان هذه الفعالية أكدوا استحقاق اليمن ورئيسه لهذه اللفتة وهذا المقام الرفيع.
كانت الطائرة تهم بالإقلاع من مطار أديس أبابا.. وكنا نستعد للعودة، لكن شيئاً ما نسيناه هناك.. هو عشقنا الذي تركناه، وإعجابنا بانسيابية أديس أبابا «الزهرة الجديدة»، وناسها الطيبين.