الانترنت هذا العالم العجيب الواسع اللا متناهي الذي اجتذب الجميع على امتداد الكرة الأرضية، ودخل معظم الأعمال ومجالات الحياة اليومية، ليصبح إحدى أهم وسائل التواصل، بل وهوساً لدى الكثيرين.. إلا أن موضوع الحضور النسائي على الانترنت في يمننا الحبيب يثير الكثير من الجدل والتساؤلات، وهي لا تتعلق في معظمها بالحقوق القانونية للمرأة اليمنية، بقدر ما تختص بالحيز الذي يحتله هذا الحضور بظرفيه "الزماني والمكاني"، وطبيعة المواد والمتطلبات التي تجتذب المرأة "طالبة أو موظفة أو ربة بيت.." وتقودها إلى تصفح الانترنت، ناهيك عن نوع وماهية الخدمات التي تتوقع المرأة أن تجدها على الانترنت والتي تلبي متطلباتها، وصولاً إلى موقف المجتمع بأعرافه وتقاليده السائدة من هذا التصفح..!؟ الاستطلاع التالي يحاول البحث عن إجابات تشفي غليل مثيري هذه التساؤلات، تصدرها مجموعة من اليمنيات يمثلن في مجملهن مختلف الفئات النسوية في المستويات الاجتماعية والعلمية والثقافية بالمجتمع.. الانترنت.. وسيلة رائعة البداية كانت مع مروة أحمد "طالبة جامعية" التي رأت أن الانترنت وسيلة رائعة للتواصل وللحصول على المعلومات بأسهل وأسرع الطرق، وعندما كان لدينا خط منزلي كنت أتصفح الانترنت من "4-6" ساعات يومياً. وتضيف مروة: ولكني الآن أتصفح الانترنت داخل الجامعة في أحد المراكز المخصصة للطلاب، ولذا لا أستطيع التأخر أكثر من ساعة بسبب المحاضرات اليومية، ناهيك عن أني لا أجد الراحة النفسية والطمأنينة التي تمكنني من التصفح لأكثر من ذلك، كون المركز مخصصاً للذكور من الطلاب فقط..! بدورها توضح أم مازن «موظفة علاقات عامة»: الانترنت رائع جداً وإلى أبعد الحدود، ويستحق بجدارة أن يوصف بأنه صرخة ونقلة نوعية في عالم الاتصالات وتقنية المعلومات، ومن الصعب عليك أن ترتوي مما توفره من الثقافات والمعلومات والخبرات التي قد تجد لها بداية ولا تجد لها نهاية، حتى وإن أرغمتك ظروف خاصة على إنهاء التصفح. وتستدرك أم مازن بالقول: ولكن كيف أستطيع التصفح في مراكز الانترنت التي يتواجد فيها الرجال والنساء معاً، أما في البيت فلا يوجد لدي جهاز ولا خط نت، ويبقى حلماً أن أستطيع اختلاس دقائق أثناء فترة عملي للدخول على موقع ما لهدف نبيل. دوافع ومتطلبات التصفح وبخصوص المواقع الإخبارية والصحفية وما إذا كانت أحد دوافع الحضور النسائي في مقاهي الانترنت مثلا،ً قالت لمياء غالب "موظفة متزوجة": إن الأخبار صارت موجودة في متناول يد الجميع لما يوفره الكم الهائل من القنوات الإخبارية العربية وغير العربية عبر الأقمار الاصطناعية (الساتلايت)، ولذا فاني أدخل الانترنت من أجل المواقع المهتمة بالمرأة، التي تتحدث عن حقوقها ودورها في المجتمع اليمني، إضافة إلى المواقع المهتمة بالجمال والأناقة وتربية الطفل. قيود ومشكلات بعض النساء من متصفحات الانترنت قلن بأنهن يهوين وبشدة هذه الوسيلة العلمية الواسعة، ويرغبن بالتعلم أكثر والاطلاع على آخر المستجدات في عالم المرأة والعالم بصورة عامة، ولكن ثمة نوعاً من ضرورة التقيد بالعادات الاجتماعية والتي منها ما يمقت تواجدهن مع الرجال في مراكز الانترنت. مشيرات إلى أن هذا ناجم عن عدم وجود مراكز "مقاهي انترنت" مخصصة للنساء فقط، سوى أقسام محدودة بمقاهٍ محصورة في أماكن معينة كالتي بجوار الجامعات. وهنا توضح الأخت نبيهة حمدي "ثالثة شريعة وقانون" بقولها: لا تزال الظروف الاجتماعية ممثلة بالتقاليد والأعراف تحول دون معرفتي بشكل أكبر بهذه الوسيلة "الانترنت" لما أشاهده وأسمع به من مقت واتهامات إزاء حضور فتاة ما في مقهى انترنت. وتضيف: بل إنني أشعر بالإحراج عندما أسمع زميلات لي وصديقات يتحدثن عن هذه الوسيلة الحديثة وإمكاناتهن في التعامل معها وما تزودهن به من خبرات ومعلومات، كما أن الظروف الاقتصادية كانت هي الأخرى سبباً آخر في الحصول على جهاز كمبيوتر وخط انترنت منزليين. وتشاطرها الرأي في ذات السبب، أسماء محمود اليمني "طالبة طب" بقولها: إن الانترنت مهم جداً لدراستي ولكنني لا أستطيع التصفح في المراكز الموجودة، حيث إنني لا أتمكن من أخذ وقتي دون مضايقات جانبية من هنا وهناك، وهذا هو ما اضطرني إلى الضغط على أهلي من أجل توفير جهاز وخط انترنت منزلي رغم ارتفاع تكلفتهما حسب تعبيرها. عملية ظالمة تجاه المرأة العديد ممن تحدثن ل"الجمهورية" أوضحن أن ثمة عملية ظالمة للمرأة وحضورها في مقهى لتصفح الانترنت، وأن مصدر هذا الظلم هو المقت الاجتماعي، الناجم عن ضعف في المستوى الثقافي والعلمي لدى من يمارسونه ويروجون له، وبالتالي عدم استيعابهم لهذه التقنية. هناء السقاف "صحفية" تقول: أصبح الانترنت اليوم شيئاً أساسياً عند بعض النساء خاصة من تعودت على وجود هذه التقنية العالية والتي اعتبرها مكتبة متكاملة تلبي احتياج المرأة من خلال المنتديات المتنوعة الخاصة بالمرأة أو المواقع المتخصصة. وتؤكد هناء أنها تعرفت بالانترنت خلال دراستها بالجامعة سواء عبر المراكز المختلطة "رجال ونساء" أو تلك المراكز البسيطة التي تخصص قسماً خاصاً بالسيدات.. مشيرة إلى أن الكمبيوتر أصبح متوفراً في كثير من المنازل، وبالتالي أصبح الاشتراك بخط انترنت متوفراً والتصفح أسهل وأفضل. وتبقى المشكلة في نظر الصحفية هناء في شريحة معينة بالمجتمع لم تستوعب هذه التقنية وما الذي يمكن أن تقدمه، وفهمهم لها بطريقة خاطئة واستهلاكها بشكل سلبي، وهنا تحدث عملية ظالمة ومشكوك فيها خاصة تجاه المرأة التي تضطر للدخول لتصفح الانترنت في مراكز متاحة لها في الشارع. ذوو الاختصاص إلى ذلك يؤكد أكاديميون وإعلاميون على حق كل فرد في المجتمع امرأة أو رجلاً في تصفح الانترنت، والاستقاء منه كل ما ينمي الثقافة لدى الفرد رجلاً وامرأة ويوسع مداركه، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تعزيز دوره في المجتمع. هذا ما يوضحه الأستاذ الدكتور محمد عبدالجبار سلام عميد كلية الإعلام بجامعة صنعاء في حديث ل"الجمهورية" والذي قال: إن تصفح الانترنت بات في الوقت الراهن شيئاً مهماً لدى الكثيرين، وسلوكاً حضارياً، لما تمثله هذه الوسيلة الاتصالية من ثورة معلوماتية وتقنية حولت العالم إلى قرية كونية صغيرة. ويشدد الدكتور سلام على أن يكون هذا التصفح مقروناً بنوع من الاستيعاب العميق لما قد تقدمه له هذه الخدمة المتطورة.. منوهاً إلى أنه "الانترنت" سلاح ذو حدين، فبقدر ما توفره من إمكانات هائلة لتنمية الثقافة المعلوماتية ذات الصلة بجوانب حياتية عديدة، فإنها بالمقابل قد تلعب دوراً كبيراً في هدم الغرائز والقيم الدينية والمبادئ الاجتماعية للرجال والنساء على حد سواء. وحول تقييم المجتمع ونظرته إزاء الحضور النسائي لتصفح شبكة الانترنت والأحكام الجائرة التي قد يصدرها أحياناً بحق هذه الفتاة أو تلك من متصفحات الانترنت تحت تأثير عادات وتقاليد سائدة فيه، قال أستاذ الإعلام الدكتور سلام: من الخطير جداً أن يصدر المجتمع أحكامه على أخلاق ومبادئ الفتاة لمجرد حضورها في مركز أو مقهى انترنت، وإن بدت بعض الاتهامات والمماحكات فإن مصدرها يكون أفراداً، غير ذي معرفة تامة بهذه الشبكة المذهلة ومزاياها وما يمكن أن تقدمه، لأنهم يتمتعون بمستوى علمي وثقافي محدود، ينعكس سلباً على تقييمهم ونظرتهم لهذه التقنية ومن يتصفحونها. أصحاب مراكز الانترنت إضافة إلى ما سبق، ولاستيفاء الاستطلاع لشروطه المهنية، بحثنا عن رأي ووجهة نظر لجهة ذات علاقة رئيسية بموضوع الاستطلاع، فقصدنا أصحاب مراكز الانترنت. وهنا كان لقاؤنا بسمير الحسن "صاحب مقهى انترنت" الذي قال: تتردد على المركز ما بين 10-20 طالبة أو "امرأة" بشكل عام يومياً والعدد في ازدياد، إضافة إلى العديد من المشاركات في دورات الانترنت الخاصة التي يقيمها المركز للنساء لتنمية ثقافة الانترنت لديهن.. ويؤكد صاحب المقهى بقوله: الحقيقة إن هناك طالبات وموظفات يزرن المقهى ويتضح لي من خلال المواقع التي يتصفحنها، أنهن يذهبن نحو إيجاد كل ما يطور المرأة اليمنية بشكل عام.. ويفصح سمير بأن معظم زائرات المقهى يتصفحن مواقع الأزياء والموضة وبالدرجة الثانية الدردشة والمواقع الدينية والعديد من المواقع التي تعنى بحقوق المرأة. أحد العاملين في المركز قال بخصوص أكثر المواقع تصفحاً من قبل النساء: إن أهم المواقع كما نلاحظ هي مواقع الجمال والموضة وهناك إقبال على بعض المواقع الدينية والإخبارية وكذلك مواقع الموسيقى ولا ننسى الدردشة عن طريق الماسنجر وغرف الدردشة الأخرى. هذا ويبقى الانترنت وسيلة التواصل للجميع، وبحراً غير متناهي الأعماق تستقى منه المعلومة، ويتم عبره التعرف على ثقافات وأخبار شعوب العالم، و..و..و...، ولا يفرق في ذلك بين رجل وامرأة. وتبقى للنساء في اليمن همومهن واهتماماتهن المتعددة، ويكون الانترنت أحد أسهل الطرق للبحث عن كل ما يلبي هذه الهموم والاهتمامات، وتكون المرأة مستفيدة من هذا الاختراع شأنها في ذلك شأن الرجل رغم كل ما تمر به من هموم وجراح، متحدية بذلك الظروف الصعبة والأعراف الاجتماعية "الرجعية" التي يظل هدفها تهميش دور المرأة رغم رسوخ شمس الديمقراطية في اليمن الحبيب.