"الوحدة في حياة الشباب يراها البعض مرغوبة، ويلجأون إليها هرباً من الحياة الاجتماعية، أو لعدم الثقة بالنفس، وهناك من يهرب منها، ويرى أنه لا يستطيع مقاومة همومه وأحزانه بمفرده.ترى ما الحد المقبول من الوحدة في حياة الشباب خاصة في ظل عمل الوالدين وانشغالهما الدائم؟ وكيف تكون الوحدة أمراً محموداً بل مرغوباً فيه أحياناً؟ عن هذه الأسئلة وغيرها يجيب هذا التحقيق البداية مع سلطان عبدالسلام ابراهيم، الطالب الجامعي الذي يقول: أحب أن أكون بين الناس أكثر من أن أكون وحيداً، فطبعي اجتماعي، واعتدت الخروج من المنزل لأفضفض. وعن الحالات التي يكون فيها متضايقاً يقول: حتى في حالة كوني حزيناً أو غير معتدل المزاج لا أحب أن أكون وحيداً، ولكني فقط اختار من أكون معهم، فإذا لم أجد سوى أشخاص عاديين لا توجد جسور من المودة بيني وبينهم أغادر المكان كله. محمد عبدالباقي 21 عاماً يقول: الحياة الاجتماعية والاختلاط بالآخرين في رأيي أهم شيء في حياة الشاب، وبخاصة أننا نحيا اليوم في مجتمع مفتوح يتطلب منا مخالطة جميع الجنسيات، وإذا حدث وكنت وحيداً فهذا يجعلني سلبياً، ولكن هذا لا يعني أن عليّ أن انفرد بنفسي لفترة من الوقت لأسباب خاصة منها أن أكون في حالة ضيق مثلاً، ولا اشعر بأن لدي طاقة مناسبة لوجودي معهم، وبخاصة أن بعض الناس قد لا يفهمونني، فالناس اعتادوا أن يتقبلوني مثلاً في حالة شعوري بالسعادة، وارتسام البسمة على وجهي، أما غير ذلك فقد لا يتقبلونني أصلاً ولذلك ففي حالة شعوري بالضيق الشديد أفضل أن أكون بمفردي. أحمد حسين طالب جامعي يرى أنه لا بد من الحفاظ على خصوصيته، ويضيف: احرص على مخالطة الناس، واتعلم منهم بخاصة وأنني مقبل على مرحلة جديدة من حياتي، هي مرحلة الحياة العملية لأتعلم الخبرات، والطباع المختلفة للناس، مما لا يجدي معه الدراسة عبر الكتب، وأيضاً اكتساب اللغة الانجليزية بصورة عملية، لذا احرص على اكتساب مهارات التواصل مع الآخرين بشكل جيد، ولكن هذا لا يمنع في بعض الأوقات أني أشعر بأني أريد أن أكون مع نفسي، وأفعل ذلك وأنا في سيارتي أو غرفتي، فأنا لا أحبذ أن أكون مع الناس طوال الوقت. أما ريم أحمد حسن، فتقول: الأمران مطلوبان، فمن المفترض أن أكون مع الناس لفترة من الوقت وأتواصل معهم، وأيضاً أكون بمفردي لفترة أخرى لأفكر في أعمالي في الحياة، فالإنسان لا يستطيع أن يكون بمفرده طوال الوقت، بل يجب أن يعرف الأخبار، على أن توجد فترة كافية لديه لمراجعة نفسه. وعن تعمدها التواجد بين الناس في حال شعورها بالحزن الشديد تقول: حينما تقابلني مشكلة أحب أن أكون بين الناس وهذا يتوقف على نوعية المشكلة، وطريقة علاجي لها، فقد يكون هناك أحد من الأهل عنده تجربة من نفس نوعية المشكلة التي أمر بها، أو أن تكون هناك من الصديقات من لديها خبرة فأذهب إليها، إلا إذا احتاجت المشكلة لوقت للتفكير فيها فأفضل أن أكون بمفردي لأعالجها. أما عبدالله الشحي 21 عاماً طالب بكلية الهندسة فيقول: في فترة المراهقة كنت اختلي بنفسي لفترة طويلة من الوقت، ولم يكن ذلك راجعاً لكرهي للآخرين، بل لأن وحدتي كانت تبث في نفسي شعوراً بالطمأنينة، ولكن بعد فترة أدركت أن الخطر الناجم عن الوحدة، والتوحد مع النفس يعوق مقدرة الإنسان على التواصل مع غيره، فإذا ما كانت هناك مشكلة مثلاً ما بين الشاب وأسرته فيجب أن يتواصل مع أحد فيها لأن الصمت يعوق قدرة الشاب على التواصل مع الغير، والآن مع مراعاتي الاختلاط بالآخرين لا أنسى أن هناك وقتاً يجب أن أخصصه في يومي للاختلاء بنفسي ومراجعتها، أو للتفكير في قرار مهم أنوي اتخاذه، أو في أحداث اليوم، أو خطأ بدر عفواً مني، وشيء حميد أن أبقى مع نفسي لبعض الوقت، وأما إذا ما كنت في حالة حزن فإنه ينبغي علي هنا أن أبحث عن أحد يشاركني هذه الحالة. أما عبدالعزيز الكندي 22 سنة فيقول: يجب أن أفرق حينما أتحدث عن الوحدة، ما بين أكثر من معنى لها، فهناك الوحدة في حياة المراهق الناتجة من عدم اهتمام شخص من الأهل به، وهناك الوحدة المرغوب فيها من وجهة نظري، وهي تنتج من رغبة محمودة للراحة قليلاً، فالنوع الأول من الوحدة يتطور لأمر يضر بالشباب ويقودهم لضعف القدرة الاجتماعية على التعامل مع الناس، ولكنها محمودة للتخطيط للمستقبل مثلا. الدكتور يوسف التيجاني اختصاصي طب نفسي يقول: اتفق مع جميع الآراء الخاصة بالشباب الذين اجمعوا على أنهم ينبغي أن يكونوا في حالة اختلاء بالنفس لبعض الوقت يومياً لمراجعتها، وهو أمر مهم بمقدار أهمية أن يقدر الإنسان على الاختلاط بالآخرين، ويستفيد من أفكارهم، وتزيد ثقته بنفسه، ولكن بشرط ألا تكون الوحدة في حياة الشاب لفترة طويلة، وألا تتكرر فترات وحدته كثيراً، وهنا ينبغي أن يكون هناك دور واضح ومؤثر للوالدين في حياة الشباب ليس في فترة المراهقة فقط، بل في فترة الطفولة، ويجب ألا ينظروا إليها على أنها أجمل فترات حياة الابن أو الابنة فحسب، بل إنها أيضاً فترة إعطاء الإرشادات والتوجيهات من دون أن تبدو على أنها أوامر. ويختتم الدكتور يوسف كلماته قائلاً: من المفترض أن يكون الإنسان مع الناس، ويجب أن يلتزم الشباب بذلك لأنهم لو عاشوا مئات السنوات بمفردهم لن يستفيدوا بقدر استفادتهم من الاختلاط المثمر. الحياة الاجتماعية تنمو مع الأبناء الدكتور، جمال الحمادي أستاذ علم التربية يقول: الحياة الاجتماعية تنمو مع أبنائنا منذ صغرهم، ولكن إذا أهمل الأهل هذا الأمر، وأنا لا أنكر أن الأخيرة مطلوبة أحياناً لمحاسبة النفس مثلا، ولكن مع ازديادها يمكن أن تؤدي لأمور سلبية وخطيرة جداً، بخاصة إذا ما أخذنا في اعتبارنا أن النفس امارة بالسوء، وتزيد وسوستها هذه في حالة الانفراد بها، وقد يؤدي هذا لجرائم كثيرة، بخاصة إذا ما تواجد شبابنا في موقف صعب، مع قلة خبرتهم وبخاصة في فترة المراهقة لحساسية هذه الفترة في حياة شبابنا لكن إذا ما مرت بسلام يمكن تجاوزها، وهي نقطة الذروة في الحياة الاجتماعية للشباب.