الحرف اليدوية والمشغولات التقليدية موروث حضاري كبير تتوارثه الأجيال جيلاً عن جيل باعتباره ذاكرة الأمة وتاريخ وحضارة شعب، لكن للأسف هذه الذاكرة تعرضت للنسيان والإهمال حتى أصبح الحرفيون مجرد تجار يبيعون ويشترون المنتجات الحرفية المستوردة “هندية، إيرانية، صينية وغير ذلك” ويكفي للمرء أن يتجول في أسواق صنعاء القديمة ليدرك ذلك. وزارة الثقافة باعتبارها المعنية بهذا الأمر سارعت في إنشاء إدارة عامة للحرف اليدوية في ديوان عام الوزارة لمعالجة هذا الوضع، رغم أن هناك إدارة عامة للحرف بالهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية. صحيفة (الجمهورية) حرصت على لقاء الأخ عبدالرزاق راشد قطران، مدير عام الحرف في وزارة الثقافة للاطلاع على خطوات المعالجة التي ستقوم بها وزارة الثقافة ممثلة بالإدارة العامة للحرف لإصلاح وضع الحرف وإحياء ما اندثر منها خلال الحوار التالي: .. الحرف اليدوية موروث حضاري لكنه عانى كثيراً من الإهمال، وحالياً تم إنشاء إدارة عامة خاصة بهذا الموروث.. ما الذي ستقوم به هذه الإدارة لإحياء هذا التراث؟. الحرف اليدوية كما يعلم الجميع لها موروث حضاري كبير خاصة في المدن التاريخية، وقد سعت الحكومة إلى إنشاء هيئة عامة خاصة بالمدن التاريخية، وتم إنشاء المركز الوطني للحرف اليدوية يتبع الهيئة ويعنى بالاهتمام والحفاظ على الحرف اليدوية باعتبارها ذاكرة الأمة. وقد أنشئ هذا المركز في عام 1982م، وبداية جديدة في تلك الفترة إلا أنه تعثر، بالرغم من دعمه من البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة. وأسباب تعثر المركز هي إدارية بشكل أساسي متعلقة بجوانب التمويل وتوقيف التدريب وما إلى ذلك من إشكالات إدارية، الأمر الذي أدّى إلى تدهور هذا الموروث الحضاري والثقافي. ونتيجة لذلك وجّه الدكتور محمد أبوبكر المفلحي، وزير الثقافة بإنشاء إدارة عامة للحرف والمشغولات اليدوية في ديوان عام الوزارة لإحياء هذا الموروث الحضاري، ولما يمكن أن تلعبه الحرف اليدوية من دور بارز في محاربة الفقر والقضاء على البطالة؛ خاصة أن الوزارة تلقت العديد من الشكاوى من الاخوة الحرفيين؛ لوجود العديد من الإشكالات بين الحرفيين والهيئة العامة للمدن التاريخية بخصوص الإيجار والكهرباء، وتم إيقاف النشاط بشكل عام في المركز الوطني للحرف والذي يعرف ب(سمسرة النحاس). بعد ذلك التقينا مع الأخ الوزير بالحرفيين بسمسرة النحاس في اجتماع مطول لمعرفة كافة المعوقات والإشكالات التي تواجه الحرفيين، وتم الاتفاق على حل مشاكل الإيجارات وإعفاء الاخوة الحرفيين من مديونية الكهرباء والتي تقدر بحوالي (400) ألف ريال. كما وجّه الأخ الوزير بإعادة تأهيل المعامل لبدء عملية التدريب للحرفيين، وتم اعتماد مائة ألف ريال كميزانية تشغيلية لمركز الحرف شهرياً حتى يستطيع أن يقوم بالدور الذي أنشئ من أجله. .. مقاطعاً: مائة ألف ريال، هي ميزانية كافية لتشغيل المركز في نظرك؟!. نحن سنقوم بتوفير كل المواد الخام، وسيتم تجهيز المعدات، وهذا المبلغ هو عبارة عن حافز للحرفيين، وهذا المبلغ هو دعم من الوزارة؛ لأن لديهم موارد أخرى، ودورنا كإدارة عامة للحرف اليدوية في وزارة الثقافة هو أن نعمل على إجراء مسوحات وحصر لتوثيق كافة البيانات عن الحرفيين وعن مناطق انتشارهم. ومن خلال ذلك سنعمل على إيجاد السجل الوطني للتراث الحرفي، لأنه لا يوجد لدينا سجل لتوثيق ذلك حتى اليوم، وهذه أنا اعتبرها كارثة لأن هذا تاريخ أمة وحضارة شعب.. الأمر الآخر نسعى إلى التعريف بالتراث الحرفي من خلال نشر الدراسات العلمية والفنية، وسنعمل على إقامة مراكز جديدة للحرف اليدوية، ولإحياء الحرف المندثرة في مختلف المدن الرئيسة باعتبارها موروثاً حضارياً ومن أجل تنشيط الدور الاقتصادي في مكافحة الفقر والقضاء على البطالة والارتقاء بهذه الصناعات والتنسيق مع الجهات المعنية وبرامج التنمية الاجتماعية لدعم أنشطة الوزارة في هذا المجال.. وسنعمل على إقامة العديد من المعارض المحلية والاشتراك في المعارض الدولية لتسويق الحرف والمشغولات اليدوية. والقيام بعمليات التوعية المستمرة بأهمية الحفاظ على هذا الموروث الحضاري الكبير بغرض إحيائه، وتشجيع الشباب للالتحاق في الدورات التدريبية والتأهيلية في هذا المجال، خاصة الذين لا يستطيعون الالتحاق بالدراسة الجامعية، خاصة أن هذا المجال سيحقق لهم مردوداً جيداً، هذه هي رؤية الوزارة نحو هذا الجانب خلال الفترة القادمة. .. السجل الوطني للحرف.. متى سيتم البدء في تنفيذه؟. بدأنا حالياً المرحلة الأولى المتمثلة في جمع البيانات، بعد ذلك سوف نشكل فريقاً للنزول إلى مختلف محافظات الجمهورية خلال الشهرين القادمين. .. نلاحظ أن العديد من الحرف اليدوية اندثرت تماماً.. كيف سيتم إحياء مثل هذه الحرف؟. لذلك تم إنشاء الإدارة العامة للحرف اليدوية في وزارة الثقافة، وسنعمل على تدريب الحرفيين خاصة في مجال الحرف التي اندثرت لإحيائها وصقل مهارات الحرفيين الموجودين. .. ما هي أهم الحرف اليدوية التي مازالت محافظة على جودتها حتى اليوم من وجهة نظركم؟. هناك العديد من هذه الحرف، ولعل أبرزها صناعات العقيق والمشغولات الفضية، والنحت على الخشب والنسيج والحدادة، وسنعمل على تشجيع إنشاء الجمعيات الحرفية المتخصصة، وسنعمل لها دورات تدريبية للارتقاء بالقدرات الفنية والمهارية للحرفيين. ومشروع مسح الحرف اليدوية المزمع تنفيذه قريباً سيوضح لنا - دون شك - ما هي الحرف اليدوية التي مازالت موجودة ومحافظة على جودتها. كما تم التواصل مع جميع مكاتب الوزارة في المحافظات لموافاتنا بكشوفات لأسماء الاخوة الحرفيين لإنشاء دليل الحرفيين اليمنيين التقليديين على مستوى كل محافظة. .. أليس هناك تداخل بين عمل ومهام الإدارة العامة للحرف في الوزارة وبين إدارة الحرف اليدوية في الهيئة العامة للمدن التاريخية ؟. لا يوجد أي تداخل؛ لأننا نتبع وزارة الثقافة جميعاً، والوزير هو المسؤول الأول عن مختلف أعمال وأنشطة الوزارة والهيئات التابعة لها. .. الصندوق ما دوره حول ذلك؛ خاصة أن البعض يرى أن صندوق التراث بعيد عن الأنشطة الحرفية دائماً؟. الوزير وجّه بدعم وتمويل أي أعمال حرفية من صندوق التراث من الخطط التديبية أو التطويرية وما إلى ذلك، وهذا مكسب كبير للحرفيين، والدعم مفتوح حسب الأنشطة الحرفية. .. سمعنا أن فندق دار الحمد في صنعاء سيكون مركزاً دائماً للحرف اليدوية؟. الأخ وزير الثقافة تفاعل مع الموضوع في ضرورة إيجاد مركز وطني للحرف اليدوية ليكون معرضاً دائماً للحرف والمشغولات اليدوية، وفي نفس الوقت يكون مركزاً للتدريب والتأهيل، وحالياً تم تشكيل لجنة لمعاينة الموقع، وبعد ذلك سوف نبدأ في التجهيز والتأثيث وتجهيز المعرض الدائم. .. لكن كما نعلم أن الفندق بحاجة إلى ترميم سريع؟. حالياً الأدوار السفلية جاهزة، والعليا ستكون مكملة، والصندوق قد بدأ في عملية الترميم، وسيعمل المبنى دوراً كبيراً في تدريب الحرفيين من أجل خلق فرص عمل جديدة. .. الحرفيون بحاجة إلى دعم وتشجيع وحماية من المنتجات المستوردة التي تغزو بشكل كبير مختلف الأسواق اليمنية؟. اليمن هي سوق مفتوح، وكما نعلم أن الشخص الذي يبحث عن هذه المنتجات الحرفية اليمنية هو أصلاً يعلم بقيمة هذه المنتجات. .. لكننا عندما نذهب مثلاً إلى سمسرة النحاس نلاحظ أنه لا توجد حرف نحاسية يمنية؛ كلها مستوردة “سورية أو صينية أو غير ذلك”؟. حتى ننجح يجب أن تكون المعالجة بالتدريج، مثلاً عندما التقينا الحرفيين في سمسرة النحاس أكدنا عليهم ضرورة إخفاء المنتجات غير اليمنية، لا أستطيع منع بيع المنتجات المستوردة بشكل مباشر، ولكن بشكل تدريجي، وإن شاء الله خلال سنة تقريباً ستكون منتجات سمسرة النحاس كلها يمنية %100. .. هل سيتم شراء منتجات الحرفيين من قبلكم كنوع من الدعم والتشجيع؟. هذا من ضمن أجندتنا المستقبلية، أيضاً سيتم إقامة المعارض الترويجية لمنتجاتهم، معارض داخلية وأيضاً خارجية، أيضاً تدريبهم وتأهيلهم وصقل مهاراتهم سينعكس إيجابياً في الارتقاء بمستواهم ومستوى منتجاتهم؛ الأمر الذي سوف يشجع المواطن على اقتنائها. .. هناك بعض الحرفيين يشاركون في معارض خارجية بمنتجات غير يمنية؛ الأمر الذي يكسب اليمن سمعة سيئة.. ما سيكون دوركم عند تكرار ذلك في المعارض القادمة؟. بالنسبة للمشاركات الخارجية نحن شكّلنا لجنة لفحص المنتجات المشارك بها خارجياً؛ لأنه من غير المعقول أن أشارك بمنتجات إيرانية أو صينية. .. لكن للأسف هذا الشيء وجد، والوزارة تلقت شكاوى عديدة من الخارج حول هذا الأمر؟. هذه نعتبرها هفوات إدارية، وحالياً عندنا معيارية حددت بأنه لا يمكن لأي حرفي أن يشارك في المعارض الخاريجية إلا إذا كان المنتج يمنياً بنسبة %100 وشكلنا لجنة لفحص هذه المنتجات من قبل حرفيين مخضرمين. وللأمانة هناك عشوائية في المشاركات، ولكن حالياً سيتم معالجة كل هذه الاختلالات، وأي حرفي يعمل على غش المنتجات سنتخذ ضده إجراءات وعقوبات قد تمنعه من المشاركة في المعارض القادمة، وسيتم إغلاق محله، وما إلى ذلك.