الهاتف وما أدراك ما الهاتف؟! فقد صار في بلادنا بالنسبة إلى البعض وسيلة وقناعاً للتحرش والتطفل والتعارف والتنفيس عن الذات والتسلية وتعابيرها المختلفة، بات «مسرحاً» لانتشار ظاهرة ولو كان «أعضاؤها» غير ظاهرين ولا يظهرون كما هو الحال مع «ظواهر» أخرى تتقاطع معها بتنفيذ العمليات بسرية متفاوتة.. وظاهرة التحرش عبر الهاتف وإن لم تكن خاصية يمنية إلا أنها استطاعت أن تستفز أمراضاً اجتماعية ونفسية لعل أخطرها الشك الذكوري في الدرجة الأولى والأنثوي بدرجة ثانية. كيف يتعامل معه الأزواج والآباء والمجتمع؟ ناهد تعرفت على شاب من أول اتصال هاتفي عن طريق خطأ ارتكبه شاب يطلب رقم صديقه كما قال، والدها كان منشغلاً في مجالس القات ووالدتها كانت مع صديقاتها أيضاً التي تمتد من الثالثة بعد الظهر حتى التاسعة مساءً بدأ الأمر أولاً فصلاً من صداقة ثم تطور الموضوع إلى علاقة من النوع الذي يتبع بعلامة استفهام تحت عنوان «هل يمكن أن تنشأ صداقة بين شاب وصبية، بين رجل وامرأة؟!»، ولكن الجواب في الفراغ والثقة الزيادة والرومانسية لم يكن جواباً شافياً. ضرورات تجر المحظورات فإذا كانت ناهد دون صديقة «لا أحب أصلاً صداقة الفتيات للمشكلات التي تتبعها كل يوم وأظل طيلة الفترة بعد الظهر والعصر والمغرب وحيدة في المنزل بينما يذهب إخواني إلى زملائهم للمذاكرة.. وعند اتصاله بي حاولت إطالة الحديث لأني يومها كنت غاضبة وأتمنى أن أتحدث إلى أي شخص وبعد الجولة الأولى من الاتصال عاود هو الاتصال وحدثني عن أنه يريد صاحبة للضرورة وأنه ربما أخطأ فسألته ومن باب الفضول عن الضرورة واستمرت المكالمة، مرت ساعة أخبرني خلالها معلومات أولية عنه ثم حكى الكثير عن أسرته وأفضيت له بما في جعبتي من هموم، حيث بكينا وضحكنا عبر الهاتف والتقينا خارج المنزل في بداية الأيام الدراسية التي «زوغت» منها، وبعد عدة لقاءات قال لي بأنه سوف يأتي ليخطبني من أهلي لكي يبلغ هدفه مني وعندما بلغ مراده مني لم يعد يتصل بي، لم أقدر أستوعب كيف تم ذلك؟». نصيب من الضرب أما سلوى فقد نالت نصيب غيرها من الضرب ضمن أحد سيناريوهات الاتصال فقد صادف أن كان والدها في البيت بعد عودته من مجلس القات حين توالت الاتصالات الهاتفية التي تنقطع لدى إمساك الأب بالهاتف، لم يحسب الأب أن الاتصالات تلك «معاكسات» أو أنها اتصالات لم تكتمل وكان غضبه يزيد كلما رن جرس الهاتف ولم يجد متصلاً على الجهة الثانية وفي المرة الخامسة بدا له أنه يسمع قبلات عبر الهاتف فاشتعل غضباً وانهال على ابنته الوحيدة سلوى بالضرب متهماً إياها بأنها تعرف المتصل بل على علاقة غرام معه وهي تقسم أنها بريئة وتتجنب لمس الهاتف وإلى اليوم ما زال يشك فيها ويمنعها من استخدامه أو الرد على أي اتصال. الشك والوقوع في الفخ العلاقات العاطفية قبل الزواج، غالباً ما يزرع ذاك النوع من العلاقات بذور الشك، إذ لا ينفك الرجل الذي يتزوج بعد حب عبر الهاتف يشعر بأنه وقع فريسة فخ نصبته له الفتاة التي بدأ يفكر في أنها فعلت الأمر نفسه مع «شاب- هاتف آخر» وتشكو غير امرأة ويعبر غير رجل أنها ربما تواصل السلوك نفسه بعد الزواج وفي أثنائه.. يقول أحدهم: «كنت بحاجة إلى الزواج العاجل فتمكنت مني وقد جعلتني أتجاوز في حينه عن بعض الأفكار». تتردد ذكرى التي أعجبت بابن الجيران وحاولت استدراجه عبر الهاتف، في الحديث عن الموضوع لكي لا يساء تفسير ما قامت به.. تقول: «لجأت إلى ذلك لحيائي وخوفاً من استدراجه بوسائل أخرى غير مقبولة شرعاً أو اجتماعياً لعلها «تبرر» لنفسها ذلك لكونها «نجحت» في مهمتها على الرغم من أنه وبعد أربع أشهر شهدت مئات المكالمات وبعد علاقة عاطفية من دون أن يعرف من تكون أخضعها لضغط أقرب إلى الابتزاز، إذ وافق على الزواج بها شرط ألا يطلب والدها منه تأمين منزل مستقل وأن تساعده هي بالمهر ولتحقيق ذلك ادعت ذكرى أن جواهرها سرقت والحقيقة أنها باعتها وأعطته ثمنها ليدفعه مهراً لها بعد ما خفض والدها مطالبه تحت تأثيرها وبدلاً من أن يشكر خالد «الهاتف» على ما وفره له من فرصة زواج مخفض أصيب بعقدة منه وأصبح بعد الزواج ينزعج من مكالمات زوجته بل ويشك فيها فقد أصبح يشك في أي اتصال هاتفي تجريه أو في أي اتصال صاحبه مخطئ في الرقم أولا يجيب، بل إنه أوقف الهاتف لكي لا تستطيع الاتصال، فقد أصبح هذا الجهاز اللعين سبب نكد حياتهما الزوجية، على الرغم من أنها أقسمت له ألا تستخدمه إلا بإذن منه ولكنه ما زال يتذرع به للشك والضرب». الماضي والخيانة وتقول سحر التي اتصل ببيتها الزوجي شخص مجهول كان يسُِمعها وزوجها أغاني رومانسية وتنهدات «وبعد فترة عرف زوجي من هو المتصل فإذا به قريب لي كان يحبني ويريد الزواج بي قبل زواجي وربما لا يكون هو صاحب المعاكسات الهاتفية السابقة، المهم أن زوجي لم يصدق أنني لم أر ذلك الرجل أو أتحدث إليه منذ ثلاث سنوات واتهمني بالخيانة فطلبت الطلاق وطلقني». مقابل ذلك هناك ما سماه الرجال الذين وقعوا في الفخ «كيد النساء» أو ماتسميه روينا «المعاكسة بالمعاكسة» فقد لجأت غير زوجة وفتاة إلى «لعبة كشف الكذب» تسميها واحدة منهن وهي عبارة عن مقالب تذكر بالأفلام العربية القديمة وخصوصاً أفلام عبدالمنعم إبراهيم، إذ كلما شعرت زوجة بأن حب زوجها أو خطيبها لها يتراجع أوشكت في أمر ما «دست» صديقتها الخاصة عليه وتروح هذه تتصل به كمعجبة أو تدعي أن ذلك حصل عن طريق الخطأ فإذا تجاوب معها اعتبرته خائناً ولا أمان معه، أما إذا صدها فتعتبره رجلاً مخلصاً.. اتبعت هذه السيناريوهات كثيراً إلى أن انقلب السحر على الساحر مع نورهان التي وثقت بصديقة عمرها المتزوجة وشكت في خطيبها فخانها الاثنان معاً ولم تنتبه إلى إعجاب صديقتها التي تشكو من برودة في عواطف زوجها نحوها فقد وثقت بها وطلبت منها أن تتصل به وتقوم بتمثيل دور العاشقة لمجرد الاختبار فقط وتسأل عن مشاعره تجاه خطيبته وهل هناك امرأة يحبها وكانت النتيجة بحسب الصديقة والخطيبة المغفلة كما غدت تسمي نفسها «اخبرتني أنه فتى مؤدب وأن صداقتهما نشأت عبر الهاتف وأنه أخبرها بحب خطيبته فطلبت منها أن تتوقف عن التواصل معه وبعد عام طلبت صديقتي تلك الطلاق من زوجها بالتزامن مع تهرب خطيبي مني والتعبير عن شكه فيّ إلى أن أخبرتني أخته أنه على علاقة بامرأة ويظل يتحدث معها عبر الهاتف فطلبت منها أن «تجرجره» فيّ الحديث لتعرف من هي فإذا بها صديقة عمري وفي لحظتها كدت أقتل نفسي». حب أم شذوذ لكل وسيلة حدان «سلبي وإيجابي» يقول باحث اجتماعي: إن المشكلة في أولئك الأشخاص وفي ظروفهم الاجتماعية وفي ذلك تقاطع مع أستاذ في علم النفس الذي يريد التوسعة في إطلاق حكم عام على أولئك ويوسع دائرة البحث «مالم تكن أسباب أخرى مثل الحب فقد يضطر الشاب أو الفتاة إلى الاتصال من دون الحديث لسماع صوت «الحبيب» فقط وربما يكون هناك اتفاق بين الطرفين يتبدد لدى وجود باقي أفراد الأسرة الذين يتحولون إلى فريسة للاتصال المجهول لمجرد ردهم على الهاتف وربما يكون الفراغ ولا سيما لدى المراهقات اللواتي يقتلهن الفراغ وعدم المتابعة من الأسرة في المنزل وخارجه فيلجأن إلى البحث عن الشباب لكي يتحدثن إليهم، أما أن يكون الهدف هو التسلية أو أذية الآخرين وإزعاجهم فذلك سلوك شاذ يمارسه المضطرب نفسياً مثل السادي الذي يتلذذ بأذية الآخرين فبمجرد أن يشعر المتصل بغضب المتصل به وانفعاله يفرح لذلك ويسعد بانفعاله فذلك سلوك شاذ».