يحلو لنا كلنا الدعوة إلى الحذر والتنبه للخطر، وإن كنا نتفاوت في الالتزام بهذه الدعوة وفي فهم محتواها وأهدافها، ويجتهد كثيرون في الحرص فينظرون إلى كل شيء بعين المؤامرة، ويحذرونك من النار والزيت والحريق... وفي المقابل لا يخلو الأمر من أناس لا يجدون مبرراً للبحث مسبقاً عن أسس للصراع والأذى في شيء أمامهم، خاصة عندما ترى أعينهم في ذلك الشيء الكثير من الإيجابيات المطمئنة. وهذا ما ينطبق على موضوع الاختلاط في الدراسة الذي يشهد مواجهة بين مؤيدين ومعارضين. يتعايش الذكور والإناث في أماكن العمل (المؤسسات التجارية والمؤسسات الحكومية ومواقع التجمعات الأخرى)، يدرسون ويعملون ويثرثون ويسافرون في رحلات عمل أو دراسة خارج الحدود، ويتعامل المجتمع مع هذا الواقع بدرجات متفاوتة في القبول... أما في جامعاتنا ومدارسنا فهناك كثير من اللغط الذي يدور حول الاختلاط في أماكن الدراسة، ويطالب كثيرون الفصل بين الذكور والإناث، ويبدون وجهة نظرهم فيما يحدث داخل بعض هذه الكليات والمدارس من انحرافات سلوكية وحفلات ورحلات مشتركة... ويحكي بعض أولياء الأمور كما يسمونه (مهازل) التعليم المختلط، وقال أحدهم: إنه صُدم، لمّا رأى في أثناء زيارته الجامعة، مناظر وصفها بأنها مخلّة بالآداب والذوق العام بين الطلبة والطالبات.. وطالب الكل بضرورة مناقشة القضية وإعادة النظر في التعليم المختلط... ويستنجد رافضو الاختلاط بنموذج من العالم الغربي المنفلت من حيث القيود الاجتماعية، وهو توقيع الرئيس الأمريكي على إجراء يشجع عدم الاختلاط بين البنين والبنات في المدارس الإعدادية والثانوية... ويستند الإجراء إلى دراسات وجدت أن الاختلاط مسؤول عن تدني مستوى التحصيل الدراسي لدى الجنسين خلال المرحلة الدراسية. ويشير من يحذرون من خطورة الاختلاط بأصابع الاتهام إلى العلاقات العاطفية وغير الشرعية التي تنشأ بين البنات والأولاد ممن يدرسون في صفوف مشتركة... ويبرر مؤيدو الاختلاط وجهة نظرهم بالقول: إن التعليم المختلط يؤدي إلى إزالة الحرج في التعامل بين الجنسين من الصغر، ويسهل عملهما مستقبلاً في وظائف تجمعهما معاً. تحصيل أقل يدرس الطالب نزار في السنة الرابعة بإحدى الجامعات، وهو يعارض التعليم المختلط، مبرراً: «لأنني لم أتعود عليه، كنت أدرس في مدارس الأولاد قبل مجيئي إلى هنا، ولو عاد بي الزمن لاخترت جامعة أخرى، فالتركيز في التعليم المختلط أقل، وكانت الدرجات العلمية التي كنت أحققها أفضل، ولكن هنا يلعب الشيطان برأسك، والسلوكيات غريبة، والشللية وأشياء أخرى». تعامل طبيعي لكن صديقه نبيل له زاوية مختلفة، ويشير إلى أنه درس منذ فترة الحضانة في مدرسة مختلطة... ويرى نبيل للاختلاط مميزات: «أتعامل مع زميلتي كأختي تماماً... والتعليم المختلط يجعلنا نتعامل مع العمل بعد التخرج بصورة طبيعية، أما السلوكيات المنحرفة فهي موجودة في كل مكان». إظهار القدرات ويؤيد جميل الاختلاط، ويعتقد أن: «الفتاة تدفع الشاب إلى التركيز في الدراسة حتى لا يظهر أمامها في صورة سيئة عندما لا يعرف الإجابة أو يتأخر عن الدراسة». ويشاركه الرأي يحيى: «نعم أؤيد الاختلاط ففيه تظهر قدرات الشاب والفتاة على حد سواء». رأي متطرف وهو ما يرفضه أحمد: «إنها مسخرة، البنات يرتدين أزياء فاضحة ضيقة، ويستخدمن أساليب الإغراء لجذب الشباب، وهذا أمر سيء». انحرافات أقل تعتبر الطالبة ندى التعليم المختلط أفضل... مؤكدة أن «الانحرافات موجودة في الأماكن المنعزلة... وفي المختلط نتعلم كل شيء». وترى ريم أن الجامعات المختلطة جيدة إذ أن التعامل مع الرجال أمر واقع في المجتمع، وتقول: إن الوضع يعتمد على أسلوب التربية، وحتى في الجامعات (المنعزلة) توجد انحرافات سلوكية كثيرة نسمع عنها في كل وقت». وتقول ناهد، التي تدرس في إحدى الجامعات أنها كانت تفضل الدراسة في مكان غير مختلط: «أفضّل عدم الاختلاط، ولكنني اخترت الجامعة لوجود التخصص الذي أرغب فيه»... وتضيف: «هناك جرأة كبيرة في تعامل البنت مع الولد، والملابس الخليعة الضيقة للفت انتباه الشباب، والكلام كثير، ولكن التركيز موجود في كل الحالات». المزايا أكثر من العيوب لكن رنا تعتبر أن الاختلاط أفضل بشرط الالتزام بعادات وتقاليد المجتمع، وتعتبر أن الاختلاط يهيء الفتاة للعمل جنباً إلى جنب مع الرجل في الحياة العملية. وتعتبر أروى أن مزايا الاختلاط أكثر من عيوبه «المهم تربية البنت، وكيف نتحدث عن الاختلاط في الجامعة وننسى الاختلاط في المراكز التجارية وأماكن العمل؟!». وترى هدى: «من واقع التجربة أن الاحترام بين الجنسين متبادل في التعليم المختلط، ونستفيد من بعضنا بعضاً، والمزايا أكثر مائة مرة من التعليم غير المختلط». الاختلاط أفضل وتتنقل الآراء المؤيدة للتعليم المختلط، وهو ما أفصحت عنه لينا وذكرى وإيمان اللاتي يرين أن التعليم المختلط «أفضل وضروري، لأن الفتاة تدخل معترك الحياة العملية عقب مرحلة الجامعة مباشرة، وإن الانحرافات موجودة بصورة أوسع في كل مكان، والتعقيد مرفوض، والمختلط أفضل، والمهم التزام الفتيات في لباسهن وسلوكياتهن». تركيز ضعيف لبنى وسهام وتغريد، اللاتي يدرسن في المرحلة الثانوية... تؤمن لبنى بضرورة الاختلاط حتى يتعلم كل طرف من الآخر... غير أن سهام تؤيد الرأي الذي يقول: إن التركيز في التعليم المختلط يكون أقل، وتقول: إن الأولاد بيشوفوا حالهم أمام البنات، حيث كنت في مدرسة مختلطة، والآن في مدرسة غير مختلطة، وأردك الفارق بين هذه وتلك... ولا تجد تغريد تعارضاً للتعليم المختلط مع التقاليد مادامت الفتاة نشأت على التمسك بالعادات والدين والتقاليد. ضبط وربط ويتخذ مسئول في إحدى الجامعات موقفاً وسطاً، حيث يؤيد وجود جامعات مختلطة وغير مختلطة، «وهو الأسلوب الذي يتناسب مع طبيعة مجتمع بلادنا ومعظم المجتمعات العربية، وعلى الطالب أو الطالبة الاختيار بين هذا وذلك وفق ما يراه أولياء الأمور.. ويشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها توجد فيها مدارس وجامعات غير مختلطة، ويقول: إن مميزات الاختلاط أكثر من عدم الاختلاط بسبب تعود الطلاب على العمل معاً، حيث يعمل الجنسان معاً في سوق العمل بعد التخرج، «بعكس الدراسة في مدارس أو جامعات غير مختلطة، فتحدث صدمة عندما تجد الفتاة نفسها في مجتمع رجولي، وقد يحدث هذا للشاب أيضاً». ولا ينفي ما يتردد عن الانحرافات السلوكية في الجامعات المختلطة، ويؤكد في الوقت ذاته أن الجامعة تحافظ على عادات وتقاليد المجتمع العربي المسلم، ولدينا قواعد للضبط والربط، ونقوم بفصل الطالب الذي يرتكب سلوكاً مخلاً بالمجتمع داخل أسوار الجامعة، وقد قمنا بالفعل بطرد بعض الطلاب في الأعوام الماضية بسبب ارتكابهم أعمالاً لا تتناسب مع تقاليد الجامعة، وطلابنا على علم بهذه القواعد، ولا تهاون تحت أي ظرف، لأن ما نفعله هو جزء من العملية التعليمية. تهيئة للحياة العملية ويشجع أحد المدرسين الاختلاط في الجامعات، ويدافع عن رأيه بالقول: المرحلة الجامعية تهيء الطالب للحياة العملية، حيث يعمل الرجل والمرأة معاً في مكان واحد، وفي التعليم المختلط يتعلم الشاب والفتاة الحوار المشترك والبعد الإنساني في العلاقة، كما أن الطالب في المرحلة الجامعية يكون قد وصل إلى مرحلة من النضوج الفكري والنفسي.. ويقول: إن مجتمعنا سوف يتحول تدريجياً إلى التعليم المشترك، وهو ما حدث في الدول الأوروبية، لأن هذا يقلل من التكلفة الاقتصادية، فالتكلفة ستكون أقل لو جمعنا الطلبة والطالبات في مكان واحد. باب الشيطان لكن أحد أساتذة اللغة العربية في إحدى المدارس الثانوية الخاصة، يرفض فكرة الاختلاط، ويروي قصة طالب عمره «18» عاماً كان متفوقاً في دراسته وقت كان يدرس في مدرسة للذكور، والتحق بمدرسة مختلطة فرسب في الرياضيات، سألته «لماذا؟»، فأجابني: «يا أستاذ مدرّسة الرياضيات هي السبب، كانت تجلس أمامي، أنظر إلى ما أراه فرسبت في المادة».. وهو يؤكد أنه لا العادات والتقاليد ولا الشرع يتيح الاختلاط، لأنه «يفتح باب الشيطان».. ويقول: إن المقارنة بين الاختلاط في المدرسة والجامعة وبين العمل خطأ، لأن مرحلة العمل تكون أكثر نضجاً. نعم للجامعة .. لا للمدارس إحدى الاختصاصيات النفسيات تؤيد الاختلاط للطالب في المرحلة الجامعية، حيث يصبح أكثر نضجاً... وتعتبر أن غياب الاختلاط يحدث قصوراً في المجتمع، وتؤكد أن الالتزام العام هو الأساس في السلوك سواء في مجتمع الجامعة أم في المجتمع عموماً، لكنها ترفض الاختلاط في المراحل المدرسية الثلاث، لأن نمو المشاعر المرتبطة بالنواحي الانفعالية في بداية مرحلة المراهقة يؤثر في السلوك المدرسي والتحصيل الدراسي، فكلا الجنسين لا يركز على الدرس بمقدار تركيزه على لفت انتباه واهتمام الطرف الآخر به.