وكالموجة التي تنشبُ أظافرها في جسد الإعصار، دخلت تيه هذا العالم قاذفاً بذخيرة الأجداد في قعر جهنم شاحذاً أعضائي بشفرةٍ صنعت من غياب. وكطفل يلعب دائماً بخسارة، لم أنتظر شيئاً كثيراً من أشباهي لم أنتظر أي شيء عدا ضجيج النوافذ والأبواب تنفتحُ وتنغلقُ جانب رأسي ببراءة العواصف الراحلة من غير اتجاه. لكني موجودٌ وغير موجود أعرف أني مكلّلُ بالفراغ، سيرةٌ لا تنقصها التفاصيل المضاءةُ بفوانيس السحرة، وعليك أن تحفر في قلبها بمحراث كي تسكب دمعةً واحدةً أو تحصل على اعتراف. عليك أن تتبع قمر الرحيل الممتد من الماء إلى اليابسة، ومن اليابسة إلى القبر، كي تلمح شبحاً في كهف. جنيّ يرتجف خوفاً من الله، وينامُ على فخذ الشيطان لكني موجود .. ربّما أنا الآن في مقهى أرقبُ العالم من وراء الزجاج، صفرةُ المغيب، بقايا صداعٍ من رحلة الأمس، سأطفئه برحلة اليوم ولا ألوي على شيء لتقذف الأنهار نفايات مدنها في البحر ويبصق المتشردون على أضرحة القدّيسين والجنود يحلّقون رؤوس ثكناتهم، وليحلق النسر عالياً أو منخفضاً هكذا .. فقط. من غير ضرورة أن نتحدّث عن صلة المصب بالنبع أو عن القرية الهاذية تحت ضلع الطوفان، والأماسي الجميلة لشعراء يحلمون بالانتحار عبر قاربٍ يغرب ببطء في سديم المياه أو عبر بلطة تنزلُ فجأةً وبدون رحمة. عليك أن تبيع أمتعة بيتك لتحصل على قهوة الصباح. (أي بيت كان عندك؟) عدا حذاء ممزّق يفركش ليل المدُن وأسمالاً ورثتها من صديقك الميت تذكر (وهل يمكنك أن تنسى؟) كيف كنت ملاحقاً بفزّاعة الفقر والفريسيين وبنات آوى في القاهرة ودمشق، في بيروت والجزائر وصوفيا وباريس .. الخ تذكرُ كل شيء بسطوع الولادة بوضوح السرطان المتجوّل بين الأنهار كسائحٍ مأخوذٍ بمضارب البدو. أيتها الأم النائمةُ على الأسمنت العاري بين ركامِ الخيش والملابس المبعثرة كشواهد قرية سحلتها الصواعق لم يعد ثمة حقل لنظراتك الملأى بالتوقّعات لم نعد نصغي لصياح الدّيكة أو نجلب السمك من الساحل لم يعد ثمة فجرٌ تلعبين بريشه على حافة البئر البئر الذي ودعتني منه لأوّل مرة منذ سبعة عشر عاما ( لا تغب عنا كثيراً خطوة واحدة فجّرت فلك الأميال، واسترسلت في هذيان المجرّات.