قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه »وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً« سورة الجن.. تحث هذه الأية الكريمة على أن تكون رسالة المسجد سامية، ومن منابر المساجد تعلو الأصوات النورانية المشعة في سماء الأمة النابعة من قلوب بيضاء محبة لله ورسوله والمؤمنين، هدفها صلاح الأمة وعزتها ووحدتها ونصرة دينها، لكن بالمقابل هناك خطاب نشاز يخرج بطريقة أو بأخرى من أشخاص يلبسون قميص الإسلام ويعملون من على منابر المساجد على هدم المعاني الروحانية لرسالة المسجد المقدسة، بهدف تحقيق مآرب شخصية أو حزبية أو طائفية.. متناسين لأبسط المعايير الأساسية لرسالة المسجد وللخطاب الديني الذي حددها القرآن الكريم والسنة النبوية. وللوقوف أكثر على هذا الموضوع و معرفة المعايير الأساسية للخطاب الديني وأين نحن الآن منها، والشروط الواجب توافرها في الشخص الذي يحق له الصعود إلى منابر المساجد، طرحنا تلك التساؤلات على كل من وكيل وزارة الأوقاف وإمام وخطيب الجامع الكبير بأمانة العاصمة وإمام وخطيب جامع معاذ بن جبل بالحديدة. معايير الخطاب الشيخ يحيى النجار وكيل وزارة الأوقاف قال: في الحقيقة نحن لم نأت بمعايير الخطاب الديني ولم تكن مسألة اجتهادية، فالاجتهاد يكون في تجديد الخطاب الديني بما يتناسب مع الزمان والمكان، وحقيقة فالله سبحانه وتعالى قد وضع المعايير اللازمة للخطاب الديني وتحددت أولاً بدعوة الناس بالحسنى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالتي هي أحسن انطلاقاً من قوله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) ومن تلك المعايير أيضاً دعوة الناس على بصيرة، والبصيرة تشمل العلم ومراعاة مقتضى الحال للمخاطب أو المستهدف، أي يكون الداعية على قدر من الكفاءة من العلم والمعرفة وهذه هي أهم المعايير الأساسية للخطاب الديني.. وحول الواقع المعايش للخطاب الديني حالياً قال الشيخ النجار: لا شك أن هناك من الناس من خرج بالخطاب الديني عن مساره الصحيح الذي رسمه المولى عز وجل وهؤلاء أساؤوا إلى الدين أساؤوا إلى الدعوة والخطاب الديني. الإساءة للأمة ويرى أن أولئك المسيئين جنوا على أمتنا وديننا وعلى الأخلاق الإسلامية الرفيعة وهم في الحقيقة يقومون بتلك الأعمال إما بقصد أو من غير قصد. فالقاصد من وجهة نظر الشيخ النجار إما متآمر وعدو للإسلام والمسلمين أو أنه لبس قميص الإسلام، وأما من يمارس تلك الأعمال من غير قصد فكان الواجب عليه أن يتعلم ويأخذ قسطه من العلم أولاً ليعرف مقاصد هذا الدين الحنيف وبالتالي يخرج من هذه »البوتقة« التي وضع نفسه فيها. نسعى لخطاب متسامح وبخصوص الخطاب الذي نريد ونطمح أن نصل إليه يقول الشيخ النجار: نحن في وزارة الأوقاف والإرشاد نسعى- حالياً- من خلال المهتمين وأصحاب العقول النيرة والعلماء العارفين والمرشدين الذين يريدون الخير للأمة، نسعى جاهدين لننتقل بالخطاب الديني من الخطاب المتشدد إلى الخطاب المتسامح، وإن شاء الله سنصل إلى ما نتطلع ونسعى إليه من خطاب ديني ليس من أجل فلان أو علان، ولكن من أجل دين الله عز وجل الذي حاول بعض الناس تشويهه وفتحوا المجال أمام من يعتبرون أن الإسلام دين الإرهاب ودين التطرف.. ويؤكد الشيخ النجار أن أولئك هم الذين يلبسون قميص الإسلام وهم الذين يتشددون ويتطرفون ويغالون. الحكمة والموعظة من جهته حدد العلامة أكرم عبدالرزاق الرقيحي خطيب وإمام الجامع الكبير بصنعاء معايير الخطاب الديني وفق ما أمر الله سبحانه وتعالى قائلاً: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) قبل كل شيء ، وكذا الدعوة إلى الله بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والكلمة النابعة من القلب والمعبرة عن حال الأمة والمبصرة للناس والمرشدة لهم لأمور دينهم ودنياهم. عمل الداعية كما يرى العلامة الرقيحي- في هذا الإطار بأنه ينبغي أن يكون عمل الداعية وأن تكون جهوده مبذولة لخدمة الله سبحانه وتعالى وخدمة الدعوة التي بذل نفسه وحياته وقدم مجهوده في سبيل أن يرقى بها، وأن ينفع الناس بها وأن تكون وجهته وإخلاصه لله سبحانه وتعالى أولاً وقبل كل شيء لا لمصلحة شخصية أو رؤية حزبية أو وجهة عصبية. مشيراً إلى أن الأمة الإسلامية ابتلعت في الآونة الأخيرة بمحاولة انحراف وإخراج الخطاب الديني عن مساره الصحيح لخدمة أهواء أو خدمة مصالح. مشدداً على ضرورة أن يكون الداعية على بينة وعلى عقيدة صادقة ومحبة لدين الله سبحانه وتعالى وللرسالة التي يخدمها. وبين العلامة أكرم الرقيحي أن الخطاب الديني للأسف خرج بعض الشيء عمّا رسم له وعما ينبغي أن يكون عليه في حكم دين الإسلام وشريعة الإيمان.. داعياً الله العلي القدير أن يعيد لقادة الخطاب الديني صوابهم وإخلاصهم لخدمة دين الله وتقديم الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى قبل غيرها من المصالح. انحراف وعن أسباب خروج الخطاب الديني عن مساره قال العلامة الرقيحي: لا شك أن الوجهات الحزبية كان لها دور كبير في ذلك وأيضاً الانزلاق والجمود على الذات والنظر إلى الناس بعين واحدة أو تأهيل الخطيب أو الداعية في إطار معين أو وجه معين لا يرى غيرها من الاتجاهات الإسلامية أو من مذاهب الدين الواسع. مؤكداً أن ديننا الإسلامي قائم على الوسطية والاعتدال وحينما يتوجه الداعية أو يربى أو يهيأ في مجال معين أو رؤية واحدة فهذا بلا شك سيهيئ نفسه في إطار معين غافل عن بقية الإطارات والاتجاهات. الدعوة للوحدة الشيخ أحمد عباس المتوكل امام وخطيب جامع معاذ بن جبل بمحافظة الحديدة والمدرس بجامعة العلوم الشرعية لم يختلف رأيه كثيراً عن سابقيه وقال: للخطاب الديني معايير أساسية لا بد أن لا يتجاوزها الخطيب أو الداعية وهي أن يكون الخطاب الديني للتجميع لا للتفريق، وأن يكون الخطاب شاملاً للكل وغير متحيز لفئة معينة وأن يكون الخطاب الديني متسماً بالوسطية والاعتدال التي رسخها لنا النبي صلى الله عليه وسلم.. مؤكداً أن دين النبي محمد عليه الصلاة والسلام جاء بالوسطية والاعتدال.. فالخطاب الديني الذي يأتي باللين وبطريقة تدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة هو الذي يستطيع أن يجذب القلوب وهو الذي يستطيع أن يعيد الناس إلى جادة الحق. إنصاف الآخر وشدد المتوكل على أهمية عدم ظلم الخطباء جميعاً فمنهم الخطيب المجيد المبدع الملتزم بتلك المعايير وهناك الكثير منهم من أضاع هذه المعايير ولم يجعل لها ميزاناً، فجعلوا من المنبر موقعاً للشتم والسب والتفرقة بين الناس، وجعلوا منه أداة لخدمة طرف معين أو طائفة معينة ولم يجعله لعامة الناس، ورسخ فكر المسجد ورسالته لكي يضم الناس إلى حزب معين مع أن المساجد ينبغي أن تكون لله، فمثل أولئك الخطباء يتصارعون فيما بينهم مع خطباء في مساجد أخرى فهذا يقيم محاضرة يسفه بها أحلام هذا و ذاك يقيم محاضرة يرد بها على ما سفه به، وكان المفترض ألاّ يصلوا إلى مثل تلك المرحلة فالخطباء هم أمل الأمة وموحدوها، فإذا كان التخلخل والتفرق بينهم فكيف نرجو للأمة وحدة وسلاماً