أحلام قاسم ثمة ضرورة ملحة تدفعنا للحديث عن واقع الشباب والكتاب، وهذه الضرورة تكمن في أن الشاب بلا كتاب = الفراغ الفكري والثقافي، مما يجعله عرضةً للارتواء من أي نبعٍ كان!! لذا نحن نميل للرأي القائل: بضرورة الاحتماء بالكتاب، لمواجهة أي عائق، ولتجاوز أي نوعٍ من السدود، وهذا التأكيد ناشئ من الواقع الذي نعيشه يوميًا من خلال ما نلمسه من سلوكيات سلبية تصدر من فئة جيل الشباب. ومن الأمور المسلَّم بها أن الشاب القارئ، هو شابٌ قادرٌ على أن يعيش عصره، ليبقى منتجاً فعَّالاً، وقبل ذلك نجده ذا شخصية قوية، فالقراءة وكما هو ملاحظ، تُساهم بدرجة كبيرة في صقل شخصية الإنسان، والارتقاء بطريقة تفكيره، ورسم واقعه الاجتماعي، كما أنها تساهم في تنمية الاتجاهات والقيم المرغوب فيها لدى الشباب. وعندما نود الحديث عن العلاقة المتبادلة بين الشباب والكتاب؛ فأظن بأننا سنخلص إلى كونها علاقة سلبية، تتمثل في رفض الشاب للركون إلى الكتاب الذي عُدَّ يوماً ما كخيرِ جليسٍ للإنسان، ومن أراد أن يتأكد من صحة هذا الادعاء؛ فليسأل أقرب طالبٍ إليه، من الطلبة الذين لا يزالون يدرسون في المرحلة الثانوية أو الجامعية؛ ليسمع الحقيقة المرة بنفسه. وبلغة الأرقام تقول إحصائية قديمة منشورة في جريدة الحياة، جاء ضمنها أن معدل إنفاق بعض الشباب الجامعي في بلدٍ عربي على الكتب لا يتجاوز (%10)!! ولا أدري كم هي نسبة إنفاقه على مختلف الأمور الكمالية؟ أجد أن الحديث حول هذا الموضوع حديث مهم وضروري، فما دمنا نقول بأن العلاقة سلبية، فهذا الأمر، يُحتِّم علينا البحث في جذور المشكلة لوضع العلاج المناسب والملائم لها. علماً بأن مسألة العزوف عن القراءة ليست مشكلة تخص الشباب، بل هي مشكلة المجتمع بأسره، وربما كان تركيزنا على هذه الشريحة بالذات، باعتبار أنها الجهة المعوَّل عليها لتغيير واقعها والمجتمع معها عبر تمسكها بالكتاب. وماذا عن: ثقافة الكتاب وثقافة الإنترنت؟ نظل بحاجة إليهما معاً، إذ لا يمكن أن يدعي إنسان بأنه قادرٌ على الاستغناء عن أحدهما دون الآخر؛ فلكل وعاء فائدته، ولكل وردٍ رائحته!! مع تأكيدنا على الفرق الواضح والجلي بين من يأخذ زاده الثقافي والمعرفي عبر الكتاب، عمن يقتصر على الإنترنت لوحده، نعم، الإنترنت هو الوسيلة الأسرع والأسهل للحصول على أي معلومة يحتاجها الباحث والمتابع، ومع ذلك -على ما أظن- فإنه لا يُعد الوسيلة المثلى للبناء الثقافي الرصين والجاد. ولا يخفى أن الباحث عادة ما يستخدم الإنترنت كوسيلة للبحث عن معلومة معينة، وقد يضطر لقراءتها مطبوعة على الورق، إن كانت تتسم بالطول. ولتوضيح الفكرة بشكلٍ آخر، أقول: هل بإمكان الفرد منَّا أن يقرأ رواية من (500) صفحة بواسطة الإنترنت، وبشكلٍ مركزٍ؟ أظن بأن ذلك -وإن كابر البعض- ليس بالإمكان، ولك أن تسأل من شئت. إذاً، يحق لنا الادعاء بأن الإنترنت ليس بقادرٍ على إزاحة الكتاب من يد قارئه، كما أنه ليس بالإمكان التخلي عن الإنترنت في عصر ثورة المعلومات وانفجار المعرفة، بالاكتفاء بقراءتنا لكتاب!! وربما يصح لنا القول: بأن شبكة الإنترنت قد ساعدت في ترويج الكتاب ونشره، ولم تستطع أن تحل محله، إذ بقي كل واحدٍ منهما محافظاً على موقعه، كما هو شأن المعركة بين الصحافة والإذاعة، أو السينما والتلفزيون قديماً. ومن الطريف أن المفكر اللبناني (علي حرب) كتب عرضاً لكتاب: (العمل بسرعة الفكر)، وهو من مؤلفات (بيل جيتس) -صاحب شركة مايكروسوفت وأحد نجوم العالم المُعَوْلم- وقد خلص علي حرب إلى أن “تجربة جيتس، مؤلف الكتب، تشهد على أن الكتب الورقية لن تموت مع الحاسوب والثقافة السمعية والبصرية، فإذا كان جيتس، الذي يُعدّ من أبرز رجالات الثورة الإعلامية، التي يخشى منها الناس على الكتاب، يلجأ إلى تأليف الكتب من أجل أن يتحدث عن معنى تجربته وآفاق مشروعاته، فإن ذلك يعني أن الكتاب المطبوع باقٍ، ولن يحل محله الكتاب الإلكتروني”. ربما أشرنا لهذا المعنى في السطور السالفة، ويمكنني التأكيد هنا على مسألة السرعة والسهولة -التي تتاح عبر الإنترنت- أثناء تلقي المعلومة المطلوبة، وكذلك أثناء نشرها.. ولا أضيف جديداً لو قلت بأن الإنترنت يوفر المعلومة الحديثة، ولا يستطيع الكتاب منافسته في هذا الأمر؛ إذ بمجرد أن ينتهي الباحث من إعداده لبحثه، وبالسرعة نفسها يستطيع إتاحته للقارئ، بعكس الكتاب الذي يمشي زاحفاً على بطنه بحركة أبطأ من مشي السلحفاة! فالكاتب - في مجتمعاتنا- يكتب الكتاب، وقد يعمل على صفه وإخراجه بنفسه، ثم يسلمه لدور النشر -أو كما أسماها أحدهم (دور النشل!!)- لتستلمه المطبعة، ليرقد فيها لفترة قد لا يعلمها إلاَّ الله والراسخون في العلم، وما يكاد أن يصل لأيدي جلسائه -هذا إن وصل- حتى تتقادم معلوماته. فشبكة الإنترنت أتاحت للإنسانية فرصة كبيرة للتقدم والنمو والارتقاء: معنوياً ومادياً، لذا علينا أن نستثمر هذه الوسيلة من أجل: نشر العلوم النافعة، والقيم الحقة، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. كيف ننمي الحس المعرفي والإطلاعي لدى شبابنا؟ بتوفير الأجواء المساعدة والتي من شأنها اجتذاب الشباب لمختلف مصادر المعرفة المتاحة. والمسؤولية في ذلك تقع على كاهل كل من: الأسرة، والمدرسة، والمجتمع، ووسائل الإعلام، والدولة. كيف نستثمر واقع المدرسة ثقافياً؟ قد لا نجانب الحقيقة لو قلنا بأن المدرسة تُعد من أهم الأركان المعول عليها للنهوض بالجانب الثقافي والمعرفي، من أجل تخريج الطالب المثقف، وإنسان المستقبل الفاعل. لكن، هل المدرسة -وفي هذا الزمان- تقوم بهذا الدور؟ هذا هو السؤال.. ولسنا بحاجة لبذل جهدٍ كبير للكشف عن الحقيقة المؤلمة المتمثلة في إخفاق المدرسة في هذه الجنبة، وخريجو المدارس -بل والجامعات- خير شاهدٍ على ما نقول، فلك أن تجلس مع خريج مدرسة ثانوية لتدير معه حواراً ثقافياً في أبسط الأمور، لتلمس بنفسك ثقافته الضحلة رغم أننا نعايش عصر ثورة المعلومات وانفجار المعرفة!! فتقصير المدرسة أمرٌ واضح لكل من دخلها أو تخرج منها. الطالب ما بين ثقافة الكتاب والمنهج الكتاب المدرسي، أو ما يُعبَّر عنه بالمنهج، يُعد من المكونات الرئيسة أثناء تأدية العملية التعليمية؛ بل هو المحور الذي ينبغي الانطلاق من خلاله إلى تعزيز جانب التحصيل العلمي والمعرفي، فهو حلقة الوصل بين المعلم والطالب، وبين الطالب والعملية التعليمية ككل. ومن المسلمات أن ذاك الزمن الذي كان المعلم فيه يلقِّن طلابه العلوم والمعارف متصوراً أنهم (آلة تسجيل) تعيد ما سجل فيها، قد انتهى من غير رجعة، كما أن الأبحاث والتجارب الميدانية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأن الدروس التي تأخذ عن طريق التلقين لا تستقر في الذهن طويلاً، بعكس المعلومات التي يسعى الإنسان من أجل تحصيلها عن طريق القراءة الخارجية عبر التعلم الذاتي. حول ذلك يتحدث الكاتب (عبد التواب يوسف)، في كتابه المعنون ب(أطفالنا وعصر العلم والمعرفة) ص75-76، قائلاً: “لقد مرت بالعالم كله مرحلة التلقين.. كانوا في أميركا يشكون منها، ويقولون: إن الكبار -آباءً ومعلمين- يظنون أنفسهم إبريق شاي، ويتصورون الأطفال أكواباً فارغة، ويروحون يسكبون فيها مما لديهم.. وسمعتها في الصين.. الكبار يحسبون الأطفال “بطاً بكينياً، يقومون بعملية (تزغيطه)”. إذاً، لا مندوحة لمن يرغب في تطوير ثقافته -سواءً كان طالباً أو متخرجاً- من أن يقبل إقبالاً كبيراً وواسعاً على ممارسة عادة القراءة وتنمية التعلم الذاتي، ولو نظرنا في سيرة العلماء المتميزين، وقرأنا سيرة القادة العظام لرأينا أن الواحد منهم ما انفك عن مصاحبة الكتاب يوماً ما، إن لم نقل لحظة ما. إذاً فالكتاب المدرسي المقرر، والكتاب الثقافي غير المقرر، كلاهما وجهان لعملة واحدة، وليس بالإمكان الاكتفاء باحدهما دون الآخر، ومما يؤسف له أننا نجد انكباباً من قبل الطلبة -المهتمين منهم- على الكتب المقررة فقط، وانصرافهم عن الكتب الخارجية، وذلك في مختلف المراحل الدراسية، من الابتدائية وحتى الجامعية ، بل نجد أن بعض الآباء قد يأمر أبناءه بعدم الركون لقراءة أي كتاب خارجي، بحجة ضرورة التفرغ للكتب الدراسية!! ولعمري إن تفكيراً كهذا يمثل صورة جلية تحكي الجهل بالأسس السليمة للبناء العلمي.