-5- ليس صغيراً هذا الكائن الذي خلق الإله على مثال صورته، ليس قليلاً وقد بز الكائنات كلها قشرة دماغية، ووعياً أرقى، وتحليلاً واستنتاجاً وارتساماً لمسارات توصله حتماً إلى منصة الخلاص الأرضية. بعدما يئس، أو تجاوز، أو تعالى على (حبال العرمط ) السماوية التي لم تحتمل كل طلباته أو أوهامه أو ذنوبه. هذه الحتمية التي لم تتوقف على تنظيرات الماركسية، بل ربما كانت تلك خلاصتها، أو أكثرها وضوحا،ً أو غروراً، وربما فجاجة. لكن الكائن (الأرقى) مشى على الأرض مختالاً، وصعر خده، بعد ما ابتنى المنشآت العملاقة، ووفر الخدمات وسبل الرفاهية، وحيّد الله والدين، وقعد يمجد حواسه وغرائزه، ويبالغ في تحليلاته، ويوغل في الاكتشافات التخصصية. فنسي أو تناسى المتعة، وأضاع لذة البحث والاكتشاف، وأضحى كل ما في الكائن مادة بحثية؛ ليس إلا. وهو في طريقه أو طرقه تلك أضاع الهوية؛ لم يحسب حساب الحدود والأسئلة الجديدة القديمة، بعدما ظن أن الأرض، بيدراً لأهوائه صارت، والأمداء ميادين لجموحه الذي لا يحد أضحت. لكن أشياء كثيرة بدأت تبرز في انفراغات هائلة حدثت بين الحاجة والوفرة؛ فالمعلومات كنز هائل قد يضيع المحتاج عمره دون إشباع، لأنه لا يهتدي إلى الجهات التي فيها تلك الحاجات، أو نوعيتها. وانفرجت وديان سحيقة بين الذروة والذروة، فعاد الكائن إلى دوامة أشد وطأة، رغم تزايد القدرات، وتضاعف الامكانيات. فعاد إلى دفاتره العتيقة مفتشاً عما يعيد حضوره المعنوي، وعمن يساعده على التعرف إلى بعض ما هيته، حتى لو كانت كائنات طالما احتقرها كلاباً وقططاً، أعطاها الحرية والغذاء والدفء لتعطيه الالفة والقرب والمشاركة، أو كائنات تطير احتبسها في أقفاص لتغرد له، أو تنوح عنه، ليس صغيراً هذا الكائن، لكنه تصاغر حين صارت الكرة الأرضية لعبة، أو ألهية، أو مطية. فانثقب الأوزون، وازدادت حرارة الأرض بما يهدد بارتفاع منسوب المحيطات، نتيجة ذوبانات مطردة في ثلوج تراكمت عبر القرون. لتغيب -ربما- مدن وشواطئ ومنشآت وأوقات مسرات وأحلام، لكأني أرى ذلك الكائن راكباً على غصن كبير من شجرة مهمة لا شرقية ولا غربية، وبيده آلة حادة توالي حزها على الجذع المتفرع من الشجرة. وتحته من ينتظرون الثمار، وتهتز رؤوسهم مع حركات الحز وأصدائه. هذا المشهد لا يكاد يغرب عن بالي في كل مرة أرى - أو أفكر ب – تلك الانجازات الهائلة في مختلف الميادين. وربما يقبع وراء العديد من النصوص التي كتبت. أستشعر الخطر الذي يهددنا جميعاً نتيجة هذا الفعل غير المسؤول. والأنكى أنه- الكائن ذاك- يظن نفسه فاعلاً خيراً، وماضياً في طريق السعادة دونما رجعة. وأحاول تمثل حال الذين هم تحت الشجرة ينتظرون ما يطفئ جوعهم، بعدما امتلأت أدمغتهم بأوهام الشبع المزمنة، وربما تدشؤوا تخمة.. فهل ستفوتهم السقطة الوشيكة قبل أن أنتهي من الكتابة عنهم، أو بعد ذلك؟! لكني لست ظالماً إلى الحد الذي أحمله فيه كل المسؤولية. فما أعتقده أنه لم يتحمل الأمانة راضياً كل الرضا، ولم ينبر للراية من تلقاء نفسه؛ بل إنه، وقد وجد نفسه في خضم معركة غامضة، لم يتهرب، ولم ينكفئ على نفسه؛ تلك فضيلة لا تنسى. وسعى إلى خلاص، وهو المحاصر بالفناء القريب الذي يمكن أن يفاجئه خلف كل أكمة، أو تحت أية حجرة، أو في غضون أي عتم. وللمجتهد أجر حتى إن أخطأ. وتمنى أن يساوي بين أبناء جلدته، حاول؛ حتى أنه في كثير من الأوقات عاش الحلم الذي ابتناه، دونما إحساس أو قدرة على التذوق. أتراني أحاول تلمس تلك الفضائل ولو كانت فضْلات بين تلابيبه؟! ربما تعيد تلك اللحظات الإنسانية إليه/ إلي بعض الثقة بالنفس، وبعض الإحساس المجدي بالوجود. ما زلت أؤمن أن في كل منا، ومهما تضاغطت الظروف، ومهما اشتدت العواصف، إنسانية تنوس وتتوهج وفق حالات ومواقف وأفكار ومشاعر بتأثيرات معقدة. ما أزال أومن بإمكانية إحيائها بلمسة حنونه أو بسمة خجولة.. وربما كان هذا أكثر فائدة من الصدام العنيف الذي يتكاثر في أيامنا هذه. دون أن أنسى أن بعض الشر كامن أيضاً، وينتظر فرصة أو قوة أو غفلة ليثور. والكائن العاقل حين يستبعد العقل، ويستوحش، يبز الوحوش فظاعة، ما زلت أذكر تلك القصة التي تتحدث عن مبارزة بين الشمس والريح لإثبات ادعاءات القوة؛ إذ تراهنا على خلع عباءة أعرابي يسير في الصحراء. بدأت الريح أولاً، وغابت الشمس خلف الغيوم. تمسك الرجل بعباءته حين اشتدت الريح، وازداد تشبثه بها مع ازدياد هياجها، حتى يئست فتراخت. وبرزت الشمس من جديد. ترك الرجل أطراف عباءته حين بدأت أشعة الشمس بالنفاذ إليه مستعرة باطراد، ثم خلع العباءة ورماها على كتفيه، وهو يعجب من تقلبات المناخ في حيز ضيق. -6- تهمني وتشغلني وتؤسيني نماذج البشر المهمشين الذين لم يقصروا؛ وما أكثرهم! بذلوا جهداً مهماً في التعلم، رغم الظروف البائسة على الغالب. حصل الكثيرون منهم على شهادات، وحافظوا على قيم، ولم يرتهنوا لكل دعوات الشذوذ، وإغراءات الحظوظ. فوجدوا أنفسهم في النهاية، أو على مقربة منها، مركونين مصلوبين باستقامات تحاصرهم، هم الذين حسبوا أن الاستقامة هي أقرب الطرق إلى الغايات والأحلام. ووصلوا إلى نتيجة تقول: إن الطبيعة لا تؤمن بالاستقامة. فلا شيئ فيها مستقيم، وكل الاستقامات هي من صنع الإنسان أو توهمه. وفي ذلك عودة مرة أخرى إلى عدم تحميل الكائن كل المسؤولية؛ ربما كان ذلك من مسؤوليات العقل لكن العقل أيضاً يحتاج ظروفاً وشروطاً كي يسود. ربما كان النافذة –أو الكوة - التي منها ينظر إلى العالم. لكن هذه النظرة تختلف؛ قد تصبح النافذة واسعة جداً، فترى الأشياء بكلياتها، فتضيع التفاصيل، ويتعثر المسار؛ وتصغر أحياناً إلى أن تصبح التفاصيل هي الأساس، فيضيع الهدف الأكبر. وربما تنغلق الكوة، فيضيع الهدف والتفاصيل ويسود الظلام. -7- يخطر ببالي أحياناً، أن التجربة الإنسانية برمتها غير مقنعة. وأحس بأن المآل كارثي حتماً. فأنشدّ إلى مفازات ..أو دوارات.. تغيبني حتى عن رؤية ظلي، أو صدى أنفاسي، أو أنفاس سواي. وأشغل، أو بعثر اللحظات –أحاول- في التبرم، أو التساؤل، أو التنكر، أو التغافل عن معنى الحركات، وجدوى العبور، ومبرر الذي يجري. أفكر بالكائنات التي كانت عاقلة، والأخرى التي لم تعقل بعد، الغافلة منها، والنادمة، والمتأملة. وأشفق عليها، علي. وأكتب. هل هي غربة الذات التي تحدثت عنها “ما بعد الحداثة”؟! لم أكن أقصد.. -8- كنت مقتنعاً وما أزال بأن الأديب لا يختار، وهو بكامل وعيه وإحساساته، شكل نصه، أو طريقة عرضه؛ بل الأمر يتعلق بمجموعة من العوامل؛ أساسها: موهبة الكاتب. إضافة إلى ثقافته، ومهارته، وخبرته في هذا المضمار، وجرأته أيضاً. قبل ذلك، وبعده، تتدخل قدرة الكاتب على تمثل الحالة أو التماهي معها، والتفاعل مع تفاصيلها وأصدائها، من دون اعتبار المتلقي أو التفكير به، والكتابة من أجله. مع احترامه له، باعتباره ذكياً، وفهيماً، وقادراً على التقاط مفاتيح العمل الإبداعي المنجز، ومن الأمور التي أفكر فيها، أو أقتنع، أن الإنجاز الناجح للعمل الإبداعي لا يشمل بالضرورة كل أعمال الكاتب، ولا يتصاعد إيجابياً مع ازدياد العمر أو التجربة، بالضرورة أيضاً. بل إن الكثير من نصوص مبدعين لهم باع طويل ومثمر في الإبداع، تمنينا بعد الاطلاع عليها، أن يكون هذا المبدع ذو التاريخ العريق قد توقف عن الكتابة قبلها. ومن النصوص ما لا يكون مكتمل الأعضاء جنينياً؛ بل يحتاج إلى حاضنة. لأن الولادة كانت قبل أوانها، أو في شروط غير مناسبة، أقول هذا الكلام مع تقديري لأهمية عمق التجربة واقعياً ونفسياً، هذا الذي يمكن أن يتأخر. كما يمكن أن تبرزه الموهبة الخاصة مبكراً، إذن؛ هل يأخذ شكل الكتابة شكل العصر أو السوق الأدبية؟! وهل يتعلق النص بالأفكار النقدية الرائجة أدبياً وفكرياً وثقافياً بشكل عام ؟! وإذا ما كان النص منطقي التتابع الزمني حدثياً، يكون تقليدياً؟! وإذا ما تخلخلت تراتبية الزمن، ووهى الحدث، وتشظت الفكرة، وتجرأت اللغة على تراكيب واشتقاقات غير محفوظة أو مألوفة، كان النص حديثاً؟! أما إذا ما ترافق ذلك أو استتبع بعودة إلى استلهام التراث أو الماضي شخصيات ولغة، وربما تسطحت الأفكار وتبعثرت الرؤيا، كان ذلك ينتمي إلى ما بعد الحداثة؟! من جهتي لم أفكر، ولا أفكر بشكل النص الإبداعي الذي أكتب. لدي ميل إلى تقطيع النص إلى فقرات تقل أو تكثر؛ فوجئت ذات مهرجان بناقد صديق يقول بحق:إن إحدى قصصي تتألف من ثلاثة عشر مقطعاً؛ لم أكن أدري، أو أقصد؛ ربما تساعدني هذه الطريقة للانتقال من حال إلى حال، أو من ظرف إلى ظرف، أو من قول أو مشهد.. بأيسر السبل، دون الاضطرار إلى جسور قد تبدو واهنة أو مفتعلة، وما زلت أميل إلى التقاط ملامح أو إشارات أو شزرات يؤدي تجميعها في نص إلى لوحة قصصية، دون أن يكون الأمر مقصوداً. ويرى الكثيرون من نقاد “ ما بعد الحداثة” أن اللوحة لا تكتمل إلا بمعرفة أو تصور أو تخيل ما بين السطور أيضاً. وأجد مهماً بث جرعات معرفية ضمن السطور والمقاطع كيما يصبح النص أغنى. وتختلف مقاديرها ومستوياتها حسب قدرة النص على احتمالها، وإمكانية الشخصية أو الحالة، والتوفيق ما بين العناصر الأدبية التي تحتمل المعارف العلمية أو الفلسفية أو النفسية أو سواها، من دون أن يبدو تعالماً أو استعراضاً أو إقحاماً يسرق من النص هويته، أو يحور ألوانه. إذا وفقت في ذلك. قد يختلف راصدو هذه المساهمات؛ يقلون أو يكثرون. وتتباين درجات استقبالهم لها قبولاً أو رفضاً. لكن مثل هذه الإضافات تحفز المتلقي – كما أرى – على البحث عن الفكرة الأساس، سواء لتأكيدها، أو لمعارضتها. وفي كلا الحالين ربح للمتلقي وللمبدع أيضا. ومن النصوص لدي ما يحتوي على أسئلة دون إجابات، أو أن إجاباتها ما تزال إشكالية. وقد تكون الغاية من النص إثارة تلك التساؤلات، وإطلاقها. وخاصة تلك النصوص التي تتناول موضوعات تتعلق بالكينونة والوجود والكائنات والمصائر. وقد يتقطع الزمن وينتثر، أو يتواصل دائراً أو متطاولاً، شاملاً بذلك أزمنة المراحل الحضارية الأساس. أقصد المرحلة الشفاهية؛ حيث الزمن دائري مرتبط بالعودة الأبدية؛ فلماذا يتخلف الزمن عن تلك المرحلة التي درست ليبقى في النص الأدبي حتى هذا العصر، أو ما يمكن أن يتلوه؟! أليست المصائر ما تزال غامضة أو على كف عفريت؟! أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الكتابة، حيث الزمن طولي نابع من وسائل الكتابة التقنية، وإيقاعاتها التدوينية والأرشيفية والنقشية، هذا الذي يناسب مرحلة الحداثة. أما المرحلة الثالثة،فهي مرحلة المعلوماتية التسجيلية بأشرطة إلكترونية، ببنوك هائلة للمعلومات، وباتصالية معرفية ذات إمكانيات خيالية، هذه المرحلة أرست قواعد ما بعد الحداثة، وما بعد الفلسفة، وما بعد الحضارة، وما بعد الإنسان. وقد تميزت هذه المرحلة بزمان ذي إيقاع جديد يخضع للمعرفة الجديدة، يلغي الطولية، وإيقاعية التاريخ البطيئة: (التاريخانية). ويفتح التسارعية الاتصالية، ويأذن بانبثاق إنسان مختلف. حيث لا انعكاس للزمن ولا حتمية. فهل هو زمن ما بعد الحداثة هذا؟! وقد تتعدد الأزمنة في النص الواحد. كل ذلك من غير احتساب، أو تخطيط، ودون أن أقصد.. -9- أذكر كلاماً لناقد يتعلق بجدلية الغموض والوضوح في النص الأدبي. فيتحدث عن إثارة هفهفة أطراف تنورة فتاة تمشي؛ الحال ستكون مختلفة لو تطاول الثوب حتى أصابع القدم، أو تقاصر حتى ينكشف المستور. هو الغموض الشفيف الموحي المثير المحفز للبحث والمتابعة والتفكير إذن. لماذا غموض الإبداع إذن في الحداثة؟! وهل هو غموض حقاً؟! “إن الحداثة العليا ( في الستينيات من القرن الماضي)، أو “ما بعد الحداثة”، قد ولدت دفعة واحدة مع الثقافة السلعية المعممة. وهذا ناتج بسبب تكوينها الداخلي، وليس مجرد تاريخها الخارجي. إن العمل الفني يقاوم إسباغ طابع السلعة عليه، ويعض بالنواجذ ضد تلك القوى الاجتماعية التي تنحط به إلى مرتبة شيئ قابل للتبادل إلى هذا المدى. فمن أجل صد الاعتزال إلى وضع السلعة، يضع العمل الحداثي المرجع أو العالم التاريخي الواقع بين أقواس، ويكثف أنسجته ويشوش أشكاله ليجهض قابلية الاستهلاك الفورية، ويلف نفسه بلغته الخاصة بصورة واقعية ليصبح شيئاً هو غاية نفسه على نحو غامض، متحرراً من كل تعامل ملوث مع الواقع، ومستغرقاً في تأمل ذاتي في وجوده ذاته.” كما تقول فريدة النقاش. ليس هذا فحسب، بل إن الإعلام بسطوته المتزايدة أثر ويؤثر في الأدب شكلاً ومضموناً، فهو من ناحية يغذي الخيال بالصور، ومن جهة أخرى يفقره في تحليق الخيال، ويسلبه قدراته الإبداعية. فالكثير من الانتاج النقدي والأدبي في زمن الحداثة العليا ( المتأخرة)غامض، مقلق، مكتف بذاته، سعيد بتقطع كل أواصر العلاقات بينه وبين المتلقي. كأنما هو حالة دفاع عن النفس، وانتقام لها في الوقت نفسه؛ حيث تنزعه الصورة من عرشه، فيوغل في تعقيد الشفرات، حتى ليعجز المرسل إليه عن قراءتها في عالم يشعر فيه الإنسان أنه أصغر من أي وقت، وأكثر عجزاً مما كان في زمان سطوة العقل وتفاؤله. ولكن هل هذا يبرر أو يفسر قضية الانغلاق في النص الأدبي عموماً، وفي سبعينيات القرن الماضي خصوصاً، أو في أية فترات لاحقة؟! وماذا سيكون / كان ويكون /عليه الحال إذن في ما بعد الحداثة؟! حيث شركات متعددة الجنسية، ورأسمالية تابعة تلحق الخراب، وتهشم الإنسان وتسحقه، وتدخل البنوك الكبرى حتى إلى القرى. لو كان العمل الفني سلعة حقاً، سيسلم بذلك، وسيحاول أن يجعل الجمالي اقتصادياً. أي أن ثقافة “ما بعد الحداثة” ستذيب حدودها الخاصة، وتصبح متشاركة في الامتداد مع نفس الحياة العادية المصطبغة بالطابع السلعي. وفي هذا السياق، تأتي نماذج كثيرة من الكتابة الأدبية في القصة، والشعر، والرواية وسواها، من حيث البساطة المدهشة، والوضوح الخالص، مقترنين أحياناً بفجاجة تكاد تؤلم ذاتها، في نوع من عدمية جمالية. إن التوتر الداخلي في النصوص ينم عن الصدمة الهائلة التي تعرضت لها البشرية، قبل أن تفيق من صدمة الحداثة، فتفقد كل اطمئنان؛ إذ أصبح الوعي العلمي /رهان الفكر التقدمي موضعَ تساؤل إن كان بمقدوره أن يكون بديلاً عن التعيين الديني. -10- لم أكن أقصد.. ولا أظن أن أحداً يكتب من فراغ. أو أن باستطاعة أي منا أن ينبتَّ عن عصره الثقافي، بيئته الثقافية، وفضائه المعرفي. ولكن هذا لا يعني أن يسرد أحدنا نصه القصصي كما تقتضيه “الحداثة”، أو ما تريده “ما بعد الحداثة”، أو تفرضه. ولا أن يجعل النص غامضاً منكمشاً معزولاً كما في أدب “الحداثة”، أو منتثراً مبتسراً كما في “ما بعد الحداثة”. وأقول: احترقت فكتبت، وكتبت فاحترقت. وليس منطقياً الوقوف طويلاً / على الأقل من قبلي/ عند الطريقة التي تم فيها الاحتراق أو التوجع، أو شكل الشعلة وألوان اتقادها. ربما يكون هذا من عمل من أصابعهم بعيدة عن الجمر، رغم أن ذلك قد يقلل من قدرتهم على التقويم..! أقول: أعيش طالما أكتب، وأرجو أن أكتب طالما أعيش. وأذرف روحي على الخطا والأنفاس، وأرنو إلى الآخرين لأقرأ أناتهم، وأتقرى دخان احتراقهم وصدى آهاتهم حتى تلك الكامنة منها، وإن كانوا في أي موقع من هذه الدوارة اللعوب.. وإن كانوا لا يعلمون..! ترى هل هذه الدوارة تقصد؟! ترى ألم أكن أقصد..؟!! “استقامة” و “الكوة”: عنوانا قصتين للكاتب. “مفازات” و “دوار الصدى”: عنوانا مجموعتين وقصتين للكاتب.