لعبت المرأة اليمنية دوراً مشرفاً في مراحل الكفاح الوطني المسلح ضد الاحتلال البريطاني الذي شهده جزء غالٍ من الوطن، وبفضل نضالها الدؤوب والمضني استطاعت الانسلاخ تدريجياً من عباءة الأعراف والتركة المتخلفة الموروثة من قبل الاستعمار المستبد، لتكون إلى جانب أخيها الرجل في مراحل الكفاح المختلفة ضد هذا الاحتلال. فالمرأة اليمنية عاشت ردحاً طويلاً من الزمن تعاني أعتى أشكال وأصناف الاضطهاد والاستبداد والظلم حيال واقع اقتصادي واجتماعي مغلوب على أمره بسبب ممارسات قوى الاحتلال الغاصبة لخيرات البلاد وثروات أراضيه، كان نتاجه ثورة الشعب الغاضبة على تلك الانتهاكات والضغوط التي كانت بمثابة سوط للاستغلال والاضطهاد للشعب اليمني في جنوبه الذي سجل من خلالها الشعب منطلقاً من قوة إرادته وتصميمه أروع صفحات النضال المسلح الوطني وأقدسها. لقد شاركت المرأة اليمنية بكل ما تمتلك من طاقات وإبداع جنباً إلى جنب مع أخيها الرجل وقدمت نماذج لذلك الوفاء والإخلاص لقضيتها في عدة مواقف وأحداث، كانت بداية طريق قطعته المرأة لتحقيق طموحها ورغبتها في الحصول على الحرية ونيلالاستقلال. وقد اتخذ العمل السياسي للمرأة في الأحزاب أشكالاً مختلفة، منها تواجدها في منظمات مع الرجال، أو تواجدها في منظمات نسائية حزبية بالكامل ضمن الحزب، أو تواجدها في منظمة نسائية حول الحزب. فكانت المرأة ممثلة بالقطاع النسوي التابع للجبهة القومية وجبهات التحرير والتنظيم الشعبي لها دور ملموس في الدفاع عن أراضيها التي جثم المحتل البريطاني البغيض عليها طوال (129) عاماً، حملت فيها السلاح وقادة المسيرات والمظاهرات، كما عملت على نقل المؤن العسكرية والفدائية وتوزيع المنشورات وإيواء الفدائيين والقيام بأعمال فدائية متعددة أججتها مشاعرها الوطنية وولاؤها لأراضيها الطاهرة. إن قائمة المشاركات في المسيرة الكفاحية ضد الاستعمار طويلة جداً، وإذا عُدنا لصحفات تاريخ العمل الوطني لأفضى صوراً ونماذج لشخصيات نسوية تركن بصمة واضحة، وسجلن حضوراً وطنياً في كل المعارك وعلى مختلف الجبهات والأشكال من مسيرة حياتهن النضالية في سلسلة مراحل الثورة اليمنية لذكرى الواحد والأربعين من نيل الاستقلال في ثلاثين نوفمبر عام 1967م، تبيض صفحات وضاءة من مسيرة مناضلات ومؤسسات الحركة النسائية آنذاك. نجوى مكاوي كانت نجوى مكاوي قيادية وتنظيمية كبيرة في الجبهة القومية، سجلها حافل بالمنجزات والتضحيات التي قامت بها كان لنشأتها وتربيتها في كنف عائلة معروفة من أبرز العائلات في عدن المشهود لها بالعمل الوطني والنضالي الأثر البالغ في تشكيل الوعي والحس الثوري ضد قوات الاحتلال. كانت مكاوي عضوة فاعلة في تنظيم الرابطة التابعة للجبهة القومية مع عدد محدود من زميلاتها، وشهدت مواقف ولحظات صعبة مرت بها خلال مسيرتها، اعتقلت على أيدي قوات الاحتلال في أثناء توزيع المنشورات، وتعرضت للضرب والمطاردات من قبل المخابرات البريطانية، كانت تُسند لها مهمة تنظيم الاجتماعات الموسعة للجبهة في أثناء مرحلة الكفاح المسلح، كما قامت بقيادة إحدى الدبابات البريطانية عند سقوط مدينة كريتر في أيدي الفدائيين والأحرار في 20 يونيو 67م. زهرة هبة الله تعد زهرة هبة الله من المؤسسات الأوائل لتنظيم القطاع النسائي بالجبهة القومية، عُرفت بالانضباط والالتزام وتحمل المسؤولية والجدية بالعمل والاطلاع الثقافي والمعرفي... وكانت عضوة في الشعبة التي تتولى مسؤولية الرابطة في توزيع المهام المناطة بها، وأوكلت إليها مهمات سرية في إطارها التنظمي للقطاع النسوي، وكانت تقوم بتوزيع المنشورات وإذاعة البيانات العسكرية من المساجد في عدن. أما أنيسة الصائغ وهي إحدى الوطنيات البارزات، فقد برزت مشاركتها بين صفوف طالبات المدراس في المظاهرات المنددة ضد السياسة التعليمية البريطانية والممارسات التعسفية ضد الشعب، أظهرت اهتمامات وتحديات كبيرة في أثناء انخراطها في الجبهة القومية التنظيم السري للتحرر من براثن المحتل، وتجلّى ذلك من خلال تدرجها في العمل التنظيمي من عضو حلقة ثم خلية فخلية قيادية إلى عضوة رابطة التي تتحمل مسؤولية العمل التنظيمي في جميع المناطق الداخلية بمدينة عدن. شاركت الصائغ في المظاهرات الشعبية التي تنطلق في الشوارع ضد الوجود الأجنبي، إلى جانب عقد الاجتماعات السرية في البيوت لقراءة التعميمات والقرارات، وحُوصرت في أحد المساجد برفقة زميلتين في أثناء إذاعة منشور بالعمليات الفدائية، لكنها تمكنت من الفرار بمساعدة المصلين في المسجد. ولم تتوقف الحركة النسائية المناضلة ضد المحتل عند عدد محدود من النساء، بل كان هناك عدد كبير منهن في مختلف الميادين، فهذه رضية إحسان الله، وهي إحدى المناضلات اللائي عرفها سجل المنظمات والمشاركات بالمسيرات العمالية التي شهدتها مدينة عدن إبان الحقبة الاستعمارية، وأسست رضية جمعية المرأة العربية في العام 1956م ولعبت من خلالها دوراً سياسياً مشهوداً في فترة النضال الذي خاضه الشعب اليمني ضد المحتل البريطاني مع التنظيم الطلابي والعمالي.. وقد تمكنت الجمعية بعد إنشائها من إقامة علاقات ثنائية مشتركة مع اتحاد نساء مصر العربية العام 1958م، وشاركت في عدد من الفعاليات النسوية العربية وكان لها دور كبير في حث النساء على المطالبة عن حقوقهن التعليمية والعملية وتوعية المرأة والمجتمع بأهمية التحرر والاستقلال ودفعها للانخرط في صفوف للتعليم والعمل. وسجلت رقية محمد ناصر، كواحدة من الرعيل الأول التي سخَّرت حياتها لخدمة قضية المرأة في الخمسينيات، وتعتبر أول رائدات الحركة النسوية في عدن.. حيث قامت بتأسيس أول جمعية خاصة بشؤون وقضايا المرأة، عرفت باسم (جمعية المرأة العدانية) بمساعدة عدد من النساء اللواتي قُدن نشاط وعمل الجمعية وفق معطيات الواقع آنذاك. كسرت الجمعية من خلال نشاطها هذا طوق العزلة، ووضعت معالم لنشاطها الاجتماعي في محو أمية المرأة وفتح صفوف التعليم لتقوية الطالبات والتدبير المنزلي والتطريز والأشغال اليدوية، وكانت تمثل متنفساً للعديد من الشابات اللواتي أخذت أماكنهن وطموحاتهن تتشكل في ظل معطيات المد الثوري والتحرري، وتبلور الحس الوطني. الفدائية نورية طيب لم تكن الفدائية نورية الطيب، امراة عادية، بل كانت مناضلة، صنعت الكثير من العجائب، لعبت دوراً هاماً في الستينيات، حيث سهَّلت عمل الفدائيين، ونقلت الذخائر، وأخفت المنشورات، وكان لها يدٌ بيضاء في خدمة الثورة من خلال نشاطها الفدائي المتمثل بإخفاء الذخائر وتسليمها للفدائيين المرابطين على خطوط التماس خلال أحداث تحرير عدن في20 يونيو. يبدو مما سبق أن الحركة النسائية شكلت آنذاك إطاراً واضح المعالم والأبعاد في مسيرة النضال من خلال الأدوار البارزة والملموسة التي لعبتها في تفعيل الحركة السياسية والوطنية التي خاضها الشعب اليمني ضد المحتل البريطاني، كما كانت لها أدوار مشهودة في الدفاع عن أهداف ومبادئ الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر، ومكاسب وإنجازات الوحدة اليمنية، وأثبتت قدرتها وطموحها للإطلالة على العالم والانفتاح نحو مظاهر الحياة المختلفة.