لماذا يتميز البعض عن غيرهم من حيث القدرة على النجاح والتفوق والرقي في سلم الإبداع والتحصيل الدراسي والتفوق الأكاديمي؟ ولماذا تمتلئ أدراج البعض بشهادات التقدير والتفوق الأكاديمي؟ فيما لا يحصل البعض الآخر على أي منها على مدار سنواته الدراسية..أسئلة جميعها تصب في حقيقة واحدة وهي أنه يوجد متميزون وآخرون عكس ذلك ويبقى السؤال الأهم هو: هل هم متميزون بالفطرة والطبيعة أم أن المناخ الأسري والمدرسي منذ الطفولة يلعب دوراً في هذا التميز؟! الدراسات العلمية تناقضت فيما بينها حول أسباب تفوق البعض على أقرانهم،ففي حين أكدت بعضها أن المناخ الأسري المناسب والذي يقوم على رعاية الأطفال دون سن الثالثة من عمرهم رعاية خاصة مليئة بالحب والتفاهم تشكل سبباً رئيساً في تميزهم وقدرتهم على التأقلم السريع مع محيط المدرسة ثم تستمر هذه الحالة عندما يكبرون. وتضيف الدراسات نفسها: إن هؤلاء المتفقون ومنذ نعومة أظافرهم ينقلون خبراتهم وتجاربهم الإيجابية بما فيها علاقتهم الحميمة مع والديهم إلى المدرسة، بل ويكون لديهم قدرات خاصة على التعامل مع مدرسيهم وأصدقائهم. أسباب الفشل وعلى الصعيد نفسه، يؤكد الطبيب النفسي العالمي بروفيسور هانس إينك أن كل طفل يولد بشخصيته المنفردة والمختلفة عن الآخرين ولكن النوعين الأكثر شيوعا ًهما: الشخصية الاجتماعية ونقيضها فالطفل الاجتماعي بالفطرة غالباً ما يكون أكثر تميزاً من الانطوائي، حيث يكون لديه قدرة أكبر على التأقلم مع أي محيط خارجي يقابله فهو شخص متكلم، يستطيع التعبير عن نفسه بسهولة وصدق ولكنه أيضاً يميل إلى السلوك العدواني وكثرة الحركة. أما الطفل الانطوائي فيقول هانس: إنه غير اجتماعي وليس لديه القدرة على التعامل مع اصدقائه ومدرسيه ويعاني من عدم القدرة على التعبير عن ذاته. ويضيف: إن هذا النوع غالباً ما يكون سلبياً وتحصيله الدراسي أضعف من غيره مما يولد لديه شعوراً بالتشاؤم وبالتالي يكون مهيأًأكثر من الطفل الأول لأن يكون فاشلاً!! ورغم أهمية نظرية د.هانس إلا أن هناك آراء أخرى تناقضها، فعدد من العلماء ومراكز الأبحاث أكدوا أن تصرفات وردود الأفعال ليست واحدة في كل المواقف التي يواجهونها،فهي تختلف باختلاف البيئة المحيطة بهم فلكل طفل عبقريته الشخصية التي تميزه عن غيره من باقي أقرانه، كل طفل لديه قدرات تنبع من إحساسه بذاته..هذه العبقرية الشخصية هي التي تسمح لكل طفل بالقيام بأقصى ما يمكن أن يقوم به وفقاً لقدراته الخاصة التي يعرفها جيداً ويجيد استخدامها.وإذا كانت النظريات العلمية تؤكد أن البيئة المنزلية تلعب دوراً أساسياً في القدرة على التحصيل الدراسي،فإن دور المدرس والمدرسة لا يقل أهمية عن دور المنزل. أسباب النجاح وفي ذلك تؤكد منى مصطفى والدة إحدى الطالبات المتفوقات أنها لم تركز فقط على الجانب الدراسي حيث قالت: كنت أتابع هوايات ابنتي وأحاول بكل ماأملك أن أنميها فهي متفوقة في لعب البيانو والتنس والباليه، كما أنها متفوقة أيضاً دراسياً «وتضيف»:لم أعان أبداً مع ابنتي رغم تعدد هواياهما..كانت دائماً متفوقة وقادرة على توزيع وقتها بين الدراسة والهواية..وفي ذلك تقول نادين مقبل وهي مدرسة بالمرحلة الابتدائية بإحدى المدارس الأهلية: إن مشاكل الطلبة غير القادرين على التحصيل الدراسي عادة ما تبدأ في المنزل فالإهمال وعدم إعطاء الطفل جزءاً من وقت الأبوين يجعله غير قادر على التأقلم وفاقداً للثقة بنفسه.. وتضيف: إن «الثقة بالنفس للاطفال هي المفتاح الرئيس للنجاح الأكاديمي» كنت أدرس طالبة في الصف الثاني الابتدائي..كانت لا تفقه شيئاً في الرياضيات وغالباً ماكانت تنظر إلى الشباك طوال حصة الحساب، كلما سألتها عن شيء يكون الرد هو«أنا حمارة ما أفهم شيء» طبعاً هذا الرد يوضح طريقة تعاطي أبويها معها أثناء الدراسة.. وتستطرد نادين أنها قررت أن تساعد الفتاة على اجتياز هذه الأزمة حيث كانت تستقطع جزءاً من وقتها يومياً أثناء الاستراحة وتقوم باعطائها مفاتيح المادة الرئيسة لتفهمها، وكانت المفاجأة على حد تعبيرها«بعد أقل من خمسة أسابيع تفوقت الصغيرة وأصبحت تدخل في تحد مع باقي زميلاتها».. وتضيف: «إنها الثقة بالنفس..كل ماقمت به هو تنمية ثقتها بنفسها وبقدرتها على التحصيل كباقي الطلبة. القدرةعلى التركيز أما المفتاح الثاني لنجاح الطالب الأكاديمي فهو «التركيز» حسب ماقالته المدرسة «ليلى اليوسفي» الباحثة النفسية والاجتماعية في إحدى المدارس الأهلية أنه لاشيء أصعب على المدرس أو المدرسة من ملل الطلبة وفقدانهم التركيز فيما يدرس بعد دقائق بسيطة من بدء الحصة. و«تضيف»: ما شعورك عندما تكون منهمكاً في التدريس وتعطي كل ما لديك ثم تفاجأ بأن أغلب الطلبة فاقدو التركيز «إن تدريب الأطفال على الاستماع هو بداية الطريق نحو تنمية قدرتهم على التركيز.. وتستطرد ليلى قائلة: إن قدرة الطفل على التركيز تزيد بنسبة دقيقة واحدة على سنة،فإذا عمر الطالب سبع سنوات فقط فإن قدرته على التركيز لن تزيد على ثماني دقائق فقط ثم يقل تدريجياً بعد ذلك إلى أن ينعدم. المشاركة وإذا كانت الثقة والتركيز سببين رئيسين من أسباب التميز الدراسي، فإن القدرة على المشاركة الإيجابية داخل الصف وخارجه سبب ثالث لا يقل أهمية عنهما، فمشاركة الطفل مع أصدقائه وتعاطفه معهم ومحاولته مساعدة من يحتاج إلى ذلك تعد من الأسباب المهمة في نجاح الشخص أكاديمياً وعملياً فهي تعوده على عدم الأنانية والاهتمام بالذات فقط.. ومن هذا المنطلق تنصح ليلى الأهالي بالتحدث مع أطفالهم لمعرفة مدى مشاركتهم لغيرهم في الصف وخارجه وقدرته على المساعدة الإيجابية. كيف تصنع ناجحاً؟؟ وتضيف الباحثة النفسانية عدداً من التوجيهات والنصائح لتجنب صناعة أطفال فاشلين في الحياة وبالتالي ضمان أن يكون شخصاً ناجحاً...وهي كالتالي: علم طفلك أن الدراسة ليست عملاً فردياً فقط بل هي عمل جماعي قائم على فكرة المشاركة. استقطع جزءاً من وقتك لتقرأ مع طفلك وتشاركه ألعابه وعلمه وكيف يعبر عن كل ما يريد بالكلمات. الأهم من ذلك دعه يعبر عن فرحه أو حزنه أثناء اللعب بالنبرة الصوتية التي يختارها، فاللعب والهدوء لا يجتمعان. اصطحب طفلك إلى المتاحف والمعارض الفنية ليكون منفتحاً على عالم جديد خارج عالمه المنزلي والمدرسي. حاول تنمية قدراته ومواهبه بالتوازي مع تحصيله العلمي. تابع في المنزل مايدرسه طفلك في المدرسة وحاول أن تساعده بمعلومات أخرى سواء بالذهاب إلى المكتبات أو عن طريق الانترنت..حولي المذاكرة إلى متعة. كل طفل له قدراته الخاصة ولذلك يجب أن تجنبي تماماً المقارنة بين طفلك وباقياً أخوته أو أصحابه. دع طفلك يناقش أصدقاؤك فيما يرغب أن يتحدث فيه واتركه يسأل وتجنب تماماً توبيخه إذا أخطأ...وحاول إعطاءه إجابات صحيحة قدر الإمكان ولكن بالطريقة التي تتناسب مع عقليته وسنه، فإن الطفل عندما يسأل عن شيء فهو مهيأ لتلقي الإجابة.