أمسِ، في وادي الضباب .. تركتُك وحيدةً للغيلِ، واكتفيتُ بالجلوس معك. كنتِ تطمحين لرؤية الراعيات في الوادي، والإبل على الشجر.. وتنزعجين ، نحوا ًما، إذا قلتُ لك : حتى الراعيات في بلدي منتقبات. تريدينها هكذا : الراعيات ، فقط ، في بلدي منتقبات. استفز كونيّتك ب«حتى» ، وتردمين بداوتي ب «فقط ». كعادتنا، يا ليال ؛ حين نمزجُ غربتنا باللغة. أحدُهم جرح اسمك أمامي ( ربما أراد أن يحمّلهُ مجازاً عاميّاً ) . إحداهنّ عرّضت بورد جبليّ ( خيّل لها أنه يشبهك ) . . مجذوب ترك نكتة سياسيّة ( في محاولة لإيقاف تسلل لهجتك إلى قصائدي) أمي ( المرأة التي أقامتها السماءُ نيابةً عن الكتب المقدّسة ) استمعت لكل ذلك ، وشعرت بالخجل العميق بدلاً عنهُم. أكثر الباحثين عن معانيك هم عمّال الحرَاج (غالبية أبناء بلدتي العظماء). أقل المتحمّسين لنا هم أصحاب الموبايلات الجديدة ( القومُ المهمّون جدّاً ، بالمصادفة). وباستثناء أنا، [ ذلك المريض الذي يتوسل إليك لتنامي ، هوناً ما ، كي تفتح الراعيات الجبليّات أفواههن] كلهم يتحدّثون عن صوتك الذي أوقفته الأشجار الطويلةُ في الوادي. أنا، فعلاً ، رجل بدائي. أشبه وادي الضباب ( بالتحديد : منتصفَ كل شهر هجري ) وبينما تتباهين بأشجار الأرْزِ ( التي تطير في قريتك) أزاحمك ، أنا البدائي جدّاً ، بالقاتِ (ذلك التنين المسؤول عن احتلام الفقراء بشكل جماعي). البارحة، يا ليال، رصصتُ أحجاراً جوار الغيلِ «على هيئة اسمك» فجلس عليها الرعاة ، قبل صلاة المغرب. أيضاً : صففتُ نباتات الغيل ، لتشبه أوراقَ الأرْز، فأكلتها الأغنام في الظهيرة. رأيتُ وردةً تشبهُ صوتَك، أزلتُ الحشائش من جوارِها، فغطتها راعيةٌ مجهدة بقبّعتها الشمسيّة. يالله .. لستُ الوحيد الذي يختلسُ طريقَهُ الدافئ من معناك الكوني. كائنات الحزن صادق القاضي الحزن نزف في جذور القلب ،قلب في جذور النزف ،شيء في دمي لا في القصيدة والدخول إليّ من رحم الأغاني كالتنصت بالعيون الحول هل ادركت حجم الفرق ؟! قد تبكي لغير مواجعي أحتاج معجزة لأمنحك المهارة في اكتناه الغصة العذراء والألم الحصور الحزن أن تغدو حصاداً للأسى ،أن تستشف النفس عما خلفها تطفو الصخور مؤقتاً في السطح ،ترسب لجة الألفاظ ،تكتشف التناقض بين ما تهوى وبين معارج تكبو وراحلة تخور للحزن جلد الشيخ معروقاً وأوردة الجنين له انبثاق البرق ،فلسفة الرقي، مقل من الرمدالمعتق , عالم ثان من البارود والإسفلت ,تبتعد المدامع كلما اقترب البكاء وتصبح الأصداء أعلى بالتتابع , تنتفي قيم الحضور الروح أجندة الأسى ،ومواجع العمر القديمة تكسر المألوف من سنن التقادم حين تنسل من توابيت التلاشي فجأة كالصور , تحتشد المباضع كلها في النفس،تغرق في طواحين الهواء وفي مرايا البؤس واليأس الصبور في كل يوم يزحف الإنسان مسلوخاً على حفر الهزائم, يرتديه الملح يشربه المرارة ،كل شيء مؤلم ،حتى انثيال الضوء يغدو طعنة كالنهد كالعصفور كالحدس الغيور الحزن أن ننسى التناسي حين تدهمنا الحقيقة كلها ,,من نحن؟ ترتجل الإجابة دورها في الطحن ،نحن العابرون على الفداحة ،كل شيء فادح حتى التعزي باحتلاب الغيب والأمل الغرور ما قيل لا يعدو كلاماً فارغاً حتى وإن أوحى بقرب الركب من أهل الحمى هل بعد تقترح التمادي في افتضاض الظل أم تستغور الأغوار من أغوار قلبك أم تغور !!!