تدفع الحاجة الناس لابتكار وسائل فريدة لمعالجة مشاكلهم ، وهي وسائل لا تحتاج في بعض الأحيان إلى تكاليف ونفقات مادية ، ولكنها تحتاج إلى قليل من التعاطف ، وهو ما لجأ إليه أبناء مدينة تعز القديمة عبر تنظيم ما يشبه جمعية أو رابطة خيرية تكافلية للتبرع بالدم قدمت خدمات إنسانية مهمة استفاد منها كثيرون وساهمت في إنقاذ حياة عدد كبير من الناس ، منذ بدايتها في عام 2003م ، لتشكل بنك دم متنقلاً قوامه (230) متطوعاً وهم في ازدياد مستمر هناك أمل الطفلة أسماء حيدر علي سعيد كانت أحد المستفيدين من الرابطة الخيرية للتبرع بالدم ، حيث أصيبت بمرض تكسر الدم وهي في الثانية من العمر وهو مرض يستدعي نقل الدم كل ستة أشهر ، وقد عانى والدها حيدر (37) عاماً الأمرين بسبب مرض طفلته خصوصاً أنه سبق وأن فقد إحدى طفلاته بسبب تطور نفس المرض ، ولا يريد أن يفقد أخرى لنفس السبب ، وقد تضاعفت معاناة الطفلة أسماء وأسرتها بسبب ندرة فصيلة دمها (-B) التي قال عنها الوالد إنها جعلته يلجأ لمن يعرفهم ومن لا يعرفهم من أجل التبرع بالدم لابنته ، كما جعلته عرضة للابتزاز ممن وصفهم «بعديمي الإنسانية الذين يتاجرون بدمائهم» حيث كانوا يرفضون التبرع لابنته بالدم إلاّ بمقابل مالي وكانوا يضاعفون عليه مبلغ التبرع في كل مرة وصلت لحد المطالبة بعشرة آلاف ريال، بينما هو رجل محدود الدخل ولايوجد لديه ما يكفي لتلبية طلبات وشروط المتبرعين المستغلين وقد اكتشف مصادفة اثناء زيارة أحد أقاربه في حي «المعتبية» أن هناك شبكة تكافلية في مستشفى المظفر العام تساعد الحالات المحتاجة للتبرع بالدم ، ومنذ ذلك الحين تخلص الوالد حيدر من أهم مشكلة واجهته أثناء مرض طفلته والمتمثلة في الحصول على متبرعين إلى أن شفيت ابنته من المرض تماماً. الظرف المناسب بدأت الفكرة عندما لاحظ عدد من الشبان تكرار الحالات التي تتخبط بحثاً عن متبرعين بالدم تتخذ في بعض الأحياء شكلاً مأساوياً حيث يتعبون كثيراً قبل أن يجدوا من ينجدهم وقد رأوا أن الظروف مهيأة لإنشاء شبكة تكافلية ، للتبرع بالدم بين أبناء المدينة القديمة ، حيث تجمع الناس هناك روابط عميقة فهم جيران منذ زمن طويل وليسوا مجرد سكان عابرين يستأجرون المسكن اليوم في مكان وغداً في مكان آخر ، وقد تجاوزت علاقتهم الجيرة لتصبح أكثر ترابطاً عبر التشابك بالصهر والنسب. استغلال العاطفة وقد أدى هذا المناخ الذي يتوافر فيه أهم شرط للتبرع بالدم والذي يتمثل بالتعاطف الذي جعل الشباب يفكرون في استغلال ميزة التعاطف فلايوجد من هو قادر على مساعدة قريب أو صديق ويقف دون أن يبادر لتقديم المساعدة. يقول الأخ هاني الجماعي (28) عاماً: مسألة الاحتياج للدم تجعل الناس يقفون في مواقف صعبة رغم وجود الكثير من الخيرين والذين لايترددون لتقديم المساعدة دون مقابل .. ومن منظور أن الجميع عرضة للوقوع بنفس الموقف والإحتياج للدم.ومن هذا المنطلق تم تشكيل الرابطة». مجرد إنسانية الرابطة لا تتجاوز كونها كشفاً تم فيه تدوين أسماء المتبرعين ونوعية فصيلة الدم وآخر تاريخ للتبرع أمام كل اسم ، والذين يحصلون على الدم المتبرع به ، غير ملتزمين بأي شيء ، وهم حتى غير ملزمين بأن يصبحوا أعضاء في الرابطة حتى يفيدوا غيرهم مثلما استفادوا من الغير. يقول الأخ شرف علي ناجي (32) عاماً وهو أحد الشباب الذين يتولون مسألة التواصل مع المتبرعين عند الحاجة: إن المسألة طوعية محضة لمن يريدون الانضمام لمجموعة المتبرعين. ولا يترتب على الحالات المستفيدة أي التزامات سواء كانت أخلاقية كالشعور بالجميل والانتماء لمجموعة المتبرعين ، أو التزامات مالية ، فالمتبرعون انضموا للمجموعة وشرطهم أن ما يقومون به هو عمل إنساني لا أقل ولا أكثر. التبرع تكافلي الممرض علي الخطيب (46) عاماً يعمل ممرضاً في مستشفى المظفر العام يقول : تنقلت خلال فترة عملي في مستشفيات ومراكز صحية كثيرة في المدينة والأرياف ولم أشاهد تكافلاً في مسألة التبرع بالدم مثلما شاهدته بين المواطنين في هذا المستشفى ، فهم يمتازون بالشهامة والتضحية في مساعدة الحالات التي تحتاج للتبرع بالدم. من جعبة المجتمع يمتلك المجتمع الكثير من الأفكار والمقدرات التي يمكن أن تسهم في تقديم خدمات نافعة للأفراد ، ونموذج رابطة المتبرعين بالدم في المدينة القديمة بتعز ماهي إلا نموذج لشكل من أشكال الأفكار التي رأت النور ، وهناك الكثير من الأفكار التي تحتاج فقط إلى المبادرة الجادة حتى تولد من رحم الاحتياج إلى الواقع الملموس.