إن من نعم الله على الإنسان انه مخلوق قاصر ومحدود، ولكنه بوعيه بهذا القصور وهذا الحدود يحاول أن يتجاوزهما إلى وضع أفضل، فالإنسان مجبول على الرغبة في التحسن وتجاوز القصور ويسعى في رحلة مستحيلة، إلى بلوغ الكمال، فهو في سعي دائم إلى الأفضل، مع ادراكه التام بأن لا إدراك لهذا الكمال، فالكمال لله وحده، وهكذا تستمر رحلة الحياة والبشرية كلها في سعي محموم نحو هدف لتحقيق ماهو أفضل، هدف يكمن وراء وجه الأيام فإما أن يكون هدفاً نبيلاً عظيماً، سامياً يستفيد منه الفرد والمجتمع والبشرية بأسرها ويترك أثراً وبصمة خالدة على رمال الزمن، وإما أن يكون هدفاً دنيئاً منحطاً ينشر سمومه على الفرد ذاته وعلى كل من حوله وهنا تكمن روعة القصة البشرية ومأساتها. إن الحياة ماهي إلا هروب مستمر إلى الأمام نحو أهداف متحركة، نتخطى عقبات ونتجاوزها لنكتشف عقبات أخرى بعضها من صنعنا وأخطائنا وجزء منها نتيجة لنجاحنا وتستمر المسرحية بلا فصل ختامي، إن الشعور بالسعادة يرتفع ويزداد مع الوقت بوجود المحرض فكلما حققنا شيئاً أردنا الآخر ولعل في تلك الحكمة سر دفع عجلة الحياة عند الناس، فلو أن السعادة ستستمر حين الوصول للهدف لوقفنا، ولكن نقصانها يحرض على البحث عن أهداف أخرى تدر عن النفس الرضا، إن العالم الذي يصبو إليه الإنسان ويحلم به لن يكون إلا هذا العالم فكل راحة نجد متاعبها منها وفيها ، وهيهات أن تجد عالماً بلا شرور ودواهٍ، تصور انساناً لايطمح ولاينافس، ويرضى بالحالة التي هو فيها، فأي تقدم يدرك وماذا تجني الإنسانية من وجوده؟ فلابد من الشر والألم والمسئوليات والحاجة والشدة لأنه من مقومات الحياة ولن يصل الإنسان إلى سموة الكامل إلا بهذه العناصر السامية.. إن أعظم الرجال ليسوا الخالقين للمستقبل ولكنهم وسطاء في تحقيق هذا المستقبل ومايقومون بفعله ليس سوى تحقيق لما ترسمه روح العصر.