في قريتي اصطبلُ خيلٍ جامحة تبعثُ في صهيلِها رسائلَ الرياح … تحرُثَ الهواءَ كي يزرعَ صوتاً للبلابل التي تلجأُ كلَّ موسمٍ إلى الغصونِ والغناءْ..
سَلّمَني السائسُ يوماً مهرةً وقالَ لي: الآن … أنتِ فارسة وصاغَ لي من قلبِهِ لجِاما حَذَّرَني من الجموحِ فوقَ أوراقِ الشجر فإنَّها - يقولُ لي - مسكونةٌ بالريحِ والخريف حَذّرَني من التسلُّقِ الشقيّ فوقَ أسوارِ القمر فخلفهُ تكمنُ في وداعةٍ محرقةُ المداهماتِ المعتِمَة وينزوي النهارُ في مخابئ القتامة يفاجئُ الشوارعَ التي ترقدُ في مظلّةِ البيوتِ والمطر حذّرني أن ألمسَ الغمامة … وبعدَ أنْ حذّرني ناوَلَني لِجامَه…
أطلقتُ مهرَتي وقَلْبُ سائسِ الخيولِ في يَدي يركضُ من حولي قطيعٌ من قَنَاديلْ تُرهِفُ سمعَها الى ترنيمةِ الرحيلْ لمَّا رآني أُفْقُنا المطليُّ بالغروب أمتطي صداقةَ القناديل دعاني للدخولِ في الكتابةِ المضيئة من قبل ان تُغْلَقَ أبوابُ الشَفَق رأيتها … كالدرجِ الأخضرِ يرقُصُ النسيمُ في ارتقائهِ وتَسحَبُ الزهورُ فوقهُ ثياباً ملكية العطور والألق مسكونة بنفحة المساء والربيع تسلّقتها مهرتي والضوءُ تلوَ الضوءِ جسرٌ يحترق وفي تمامِ الساعةِ المعلّقة على الوجوهِ المرهَقَة كان الدُجى يرسمُ لوحةَ القمر في حائطِ السماء بريشةِ اشتياقهِ الى اغتسالٍ في جداولِ الضياء أطلَلْتُ من وراءِ سُورِهِ أميرةٌ تنامُ في وداعةٍ تنتظرُ الصباحَ يطبعُ الحياةَ في جبينها الملائكيّ دخلت قريتي كانت على وسادةِ المساءِ تتّكئ وسائسٌ مضطربٌ يرمُقُني مُعاتباً … ويبكي كُتِبَتْ في دمعتهِ الرسالةُ الاخيرة ألبسني النهار صيفه … فسافَرَت فصولُهُ معي إلى الورودِ والقمر وها أنا … إلى شتائِكَ الجميلِ من جديد أنكَسِر…