إن العدل هو أهم الدعائم التي يقوم عليها كل مجتمع صالح، والمجتمع الذي لا يقوم على أساس متين من العدل والإنصاف هو مجتمع فاسد مصيره إلى الانحلال والزوال، ولقد دعا الإسلام إلى عدالة اجتماعية شاملة ترسيخاً لفكرة العدل كمبدأ. والمراد بالعدل: إعطاء كل ذي حق حقه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، من غير تفرقة بين المستحقين. والعدل في الإسلام لا يتأثر بحب أو بغض، فلا يفرق بين مسلم وغير مسلم، كما لا يفرق بين حسب ونسب، ولا بين جاه ومال، بل يتمتع به جميع المقيمين على أرضه من المسلمين وغير المسلمين مهما كان بين هؤلاء وأولئك من مودة أو شنآن. يقول الله تعالى: «يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون». فالعدل في الإسلام ميزان الله على الأرض به يؤخذ للضعيف حقه، وينصف المظلمون ممن ظلمه، وفي الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا» وأبواب السماء مفتوحة أمام الإمام العادل وأمام المظلوم على السواء، يقول عليه الصلاة والسلام: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم» فالله سبحانه يجيب دعوته وينصف من يستغيث به ويدفع عنه مظلمته، وللعدل مظاهر كثيرة يتجلى فيها، منها: العدل مع الله تعالى: وذلك بألا يشرك معه في عبادته وصفاته غيره وأن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر. العدل مع النفس: لا يصح للإنسان أن يعرض نفسه للظلم وللمخاطر فظلم النفس مهلكة، فقد قال الله تعالى: «من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد». فظلم النفس تعريضها للعذاب وحرمانها من نعيم الجنة وعدم تزكيتها وتطهيرها قال الله تعالى: « قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها» فمن طهر نفسه من الذنوب وسلمها من العيوب.. وأوردها موارد الطاعة وجنبها موارد التهلكة كان عادلاً معها. العدل في الحكم: العدل هو قوام نظام الحكم في الإسلام، والقاضي يجب أن يراعي العدل بين الخصمين، بإعطاء كل ذي حق حقه، وإلزام من عليه الحق أن يدفعه لمستحقه قال تعالى: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»، والإمام العادل أحد السبعة الذين يظلمهم الله في ظله. وقد أهلك الله أمما كثيرة بسبب التظالم بينهم، ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الظلم وعدم العدل بين الناس، فقال عليه الصلاة والسلام: «أربعة يبغضهم الله: البياع الحلاف، والفتى المختال، والشيخ الزاني، والإمام الجائر». روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به». العدل بين الزوجات: العدل واجب في أمور الحياة كلها، ومن ذلك العدل بين الزوجات، يقول تعالى: «وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة» والزوج كذلك عليه أن يعامل زوجته أو زوجاته بالعدل، ويعطي كل واحدة منهن حقها المشروع من النفقة والسكن، والمبيت وحسن المعاشرة، والطعام واللباس ونحوه. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه ساقط»، ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقسم بين نسائه فيعدل ويقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك». العدل بين الأبناء: يأمرنا الإسلام بالعدل بين الأبناء وإعطاء كل منهم حقه دون تمييز ومحاباة، وهناك بعض الأسر من يحابي الذكر على الأنثى، فيعطي الذكر أكثر من حقه في الميراث الشرعي أو في التعليم أو حتى مجرد إبداء رأيها في موضوع ما. فلا تتاح الفرصة لها للتعبير عن نفسها وإبداء رأيها. والأبوان مطالبان بالعدل بين الأبناء، في التربية والتعليم، والصحة، والمنع والعطاء، وألا يفضل أحد على آخر إلا بحقه، وقد ثبت كل ذلك بنصوص. وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير أنه قال: أعطاني أبي عطية فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، قال: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا، قال: فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم قال فرجع فرد عطيته».