لعل اهم ما يجب ان يتصف به كاتب السيناريو السينمائي هو قوة الخيال و استخدامه بشكل خلاق يتناسب مع لغة السينما، الخيال ملكة و موهبة و يمكن ايضا تطويرها بالتدريب و الممارسة، مثلاً الممثل الذي لا يطور قدراته عبر التدريبات و الاستفادة من التجارب يصبح مكرر و ممل و لا يطيقه الجمهور.هناك تدريبات يمكن ممارستها بشكل يومي مثلا التأمل في وجوه الناس و حركاتهم، لكل وجه انساني جماليات خاصة، احيانا قد تاتي فكرة قوية من حدث يومي او من وجه معين، هناك اشياء و تفاصيل صغيرة نحن لا نعيرها اي اهتمام في السينما العربية، الاشياء الصغيرة قادرة احياناً على قول و احداث تأثير اكبر من تصوير مشهد يعتمد على المؤثرات الصورية او ينفذ بتكاليف باهضة. فوز فيلم الزمن الباقي للمخرج الفلسطيني ايليا سليمان في مهرجان الشرق الاوسط بالامارات يعطينا امل في اننا كعرب اصبح لدينا احساس بسحر و بلاغة السينما، في هذا الفيلم اشتغل المخرج بذكاء على الكثير من الاشياء البسيطة ذات الدلالات المتعددة مثلاً العامل البسيط المدمن على الكحول كلما شرب و وصل لحد الثماله يصب على نفسه بنزين و يهدد بالانتحار ثم اخيراً يستسلم و يذهب لفراشة و في بعض الاحيان يعلن عن فكرة معينه بها نوع من الفنتازيا، تكرر مثل هذا عدة مرات بمراحل تاريخية متعددة و يظل الحلم يحاول تجاوز الواقع او التخيف من قسوته و عنفه. عندما تصبح مقتنع بالفكرة فانت بحاجة الى شخصيات لتعبر عن فكرتك، الاعتماد على ممثل نجم و عدم بناء الشخصية تكون النتيجة الفشل الذريع، لناخذ فيلم “مرجان احمد مرجان” تاليف يوسف معاطي و اخراج علي ادريس، يظهر ان السيناريو لهذا الفيلم تم تفصيله لعادل امام و للاسف اصبح النجم او الممثل المشهور يتدخل في اغلب التفاصيل من بداية السيناريو الى مونتاج اخر لقطة، في هذا الفيلم لا جديد سوى الافكار او الاداء لعادل امام بل هناك افلام قديمة ظهر فيها افضل من هذا الفيلم، ان نقول ان الشخصية هي حاملة الافكار فلا يعني ان يكون نقل الافكار عبر الحوار و الاحداث فقط، النموذج السينمائي المدهش هو ذلك الذي يحمل في تكوينه السحر و الدهشة و الغموض، تقديم الشخصية في الافلام العربية لا يختلف كثيراً عن الاسلوب المسرحي او على نمط الافلام الهندية الكلاسيكية، بناء شخصية سينمائية لا ياتي عبر كمية المعلومات و الابعاد النفسية و الاجتماعية و الفيزيائية و غيرها، احياناً قد تنجح في فعل و صناعة شخصية درامية لكنها ليست سينمائية او لا يتم تقديمها و عرضها بلغة سينمائية. فيلم المليونير المتشرد حصد اكثر من خمسين جائزة دولية من ضمنها ثمان اوسكار، شخصيات هذا الفيلم هي من الواقع لكن تقديمها لم يكن مباشراً، ظلت هناك امور غامضة علينا الاحساس و البحث عنها، المسالة ليس سرد تاريخي او اجتماعي للشخصية عليك ان تخلق شخصية بروح و ليس مجرد جسد فيزيائي او جذور اجتماعية، اذا كان بناء الشخصية ضعيفاً فهي ستعجز عن ايصال اي فكرة قوية، قوة شخصية لا يقاس بعدد المرات التي تظهر فيه بالفيلم، هناك شخصيات قد تظهر بشكل محدود لكن تاثيرها يكون كبيراً، في فيلمي “ الرتاج المبهور” كان لوجود الطفل و الطفلة تاثير كبير، في العديد من المهرجانات التي عرضت فيه الفيلم دارت نقاشات متعددة حول مشاهد الطفولة كونها لم يكن بها تكلف و اعطت بعداً اسطوري لكن الاهم في اي شخصية ان تتمتع بعمق فلسفي وفكري انساني و الاكثر من ذلك خلق فضاء ميتافيزيقي، في فيلم” ميديا” للمخرج الايطالي بير باولو بازوليني، حدث اشبه بتلاحم و حوار بين الماضي و الحاضر، الاسطورة و الواقع، هذا الفيلم ليس سرد او تصوير لاسطورة يونانية، هو بمثابة قراءة مليئة بالقلق للحاضر و المستقبل، شخصية الرجل الحصان الاسطورية تحمل افكار المخرج و تتحدث عنه و تفتح الحوار بافاق لا محدودة، شخصية جازون هي دلالة للواقع المادي الميكافيلي، شخصية ميديا هي دلالة للروحانية و القداسة للماضي الزراعي و البدئي، الفيلم كان فضاء رحب لهذه الشخصيات لكي تعبر عن قلقها الروحي و الانساني، لم يختر بازوليني من الاسطورة الا ما يخدم افكاره و اشتغل بكل حرية مستخدماً الدلالات و ليس السرد الحكائي، الحوار بالفيلم مقتضب و بسيط لكنه معبر و ايحائي، حركات و تعابير الوجه كان لها دور كبير في خلق نوع من الرعب في نفس المتفرج. ان البناء التقليدي للشخصية و التركيز على الظاهر دون تصوير الباطن و الروح لا يخلق عملاً ابداعياً او سينما، من يشاهد مثلا افلام الان رينيه سيجد ان المخرج يعمل بكل وسيلة لاضفاء نوع من الغموض و تدمير المعاني المفهومة و المحدودة، هذا يجعل المتفرج يركض محاولاً الامساك بالشخصية لكنها تُفلت منه، فتتحول كل شخصية الي نوع من السحر و هذا ما نجده في الافلام الشعرية، نجد ايضاً ان المخرج السينمائي يمرر العديد من سماته و افكارة و ذكرياته ليس عبر شخصية واحد بل عبر كل الشخصيات، ان تخلق شخصية يعني الا يكون لها حدود، كلما تجاوزت الشخصية الحدود و الانماط التقليدية و السطحية هذا سيمنحها القوة و السحر كي تظل راسخة في ذهن المتفرج و ليس مجرد عابر سبيل. يمكننا ان نختم حلقة هذا الاسبوع بعدة تمارين يمكنكم الاشتغال عليها و مناقشتها مع زملائكم و ليس شرط ارسال الحلول لي، فعل تمرين او اكثر بالاسبوع يمكنه تنشيط و اثارة الخيال، الكتابة للسينما ليست مهنة بسيطة و عادية. التمرين الثاني: في مكان مرتفع على سفح جبل، الضباب يجعل الرؤية صعبة قليلا، يظهر شخص، يحمل لوحة تشكيلية، ينظر اليها، ينزع نظارته، يلصق النظارة باللوحة، ثم يضع اللوحة على صخرة، يرمي بنفسه من سفح الجبل. نحن اذن امام شخصية لا نعرف عنها شيئاً، يمكن ان يكون المشهد بداية او نهاية، حاول ان تقوم بخلق هذه الشخصية و تكوينها، من هي، ما هي الافكار التي تحملها، لماذا انتحر، ماذا حدث لها؟ يمكنكم احداث اي تغيير مثلا يمكن لاحدهم القول بانه نزع ملابسه قبل الانتحار او قطع جزءاً من جسده و الصقه باللوحة، هل هذه شخصية شاب ام عجوز؟ هل هو فنان او متذوق للفن؟ حاول في حدود صفحة واحدة تلخيص هذه الشخصية مع ربطها بفكرة معينة و بالمكان, نحن لسنا في درس تعبير لذلك لنفترض ان هذه الشخصية قبل الانتحار تقوم بكتابة رسالة توجهها الي شخص مرتبط بهذا الحدث و هي في نفس الوقت موجهة الى المتفرج، حسناً المطلوب كتابة الرسالة بحيث تحوي تصوير للشخصية و الحدث. بالنسبة لتمرين الاسبوع الماضي احب تزويدكم بمعلومة و هي ان الوثائق لم تصل كاملة رغم ارسالها اكثر من ثلاث مرات، شكرا للصديق الدكتور حمدي البناء لاهتمامه و متابعته للاصدقاء بادارة الدراسات العليا، الجو هنا بارد جدا، لدي شوق لشمس اليمن الدافئة، اتمنى ان لا تتعقد الامور، ليس لدي وقت لعمل معاملة طويلة و عريضة، اليمن بلد المعاملات، امر بسيط قد يكلف الكثير من الوقت و الجهد,اكتب هذه الحلقة بتاريخ 22 اكتوبر، و ارجو ان تمر الامور بشكل جيد,نتمنى من اي جهة يمنية لديها اي موضوع من اي طالب يدرس بالخارج او مغترب الا تهمل مشكلته، فعلا الغُربة كُربة و قلق نفسي فضيع، خصوصاً في بلاد الغرب حيث العلاقات باردة و ليس كما في البلدان العربية، نحن الطلبة اليمنيون في هذه البلدان نستلم مساعدة مالية ضعيفة لا تكفي ايجار السكن و المواصلات و الاصعب تأخر هذه المساعدة مما يزيد مشاكلنا بدفع مزيد من الغرامات على الفواتير. نختم الحلقة بتمرين ثالث : تقف امام المرآة، فتاة في العشرينات، تأخذ مقصاً و تقص شعرها، تنهار دموعها، تنظر الى النافذة..... هنا نحن امام شخصية نسائية، من هي و ماذا يحدث لها و ماذا سيحدث ؟لنتبع نفس الاسلوب كما في التمرين الثاني، لنتخيل ان الشخصية كتبت رسالة لتتحدث فيها عن نفسها و عن هذا الحدث ماذا كتبت اذن في الرسالة؟ اكتب الرسالة بحيث لا تتجاوز صفحة واحدة؟ يمكنكم ربط التمرين الثاني بالثالث او فعل كل تمرين بشكل مستقل، هدفنا ليس فعل حكاية و حبكة خلال هذه التمارين عليكم محاولة التوغل بروح الشخصية و اعطاء هذا الروح الفرصة ليعلن عن نفسه، السينما ليس دراما او مسرحاً هي تختلف و لها وسائلها الخاصة و هي فن تعبيري قوي و قد يكون صادماً و مفزعاً.