تعيد مصادر التاريخ دخول الإسلام إلى ارخبيل اندونيسيا إلى ما بين القرن الحادي عشر والقرن الثالث عشر الميلادي عن طريق التجار العرب الذين كانوا يقصدون الأرخبيل الاندونيسي عبر رحلاتهم التجارية البحرية المنتظمة للحصول على منتجاته من التوابل والبخور والكافور ولكونه يمثل نقطة توقف في الطريق البحري التجاري القائم بين العرب والصين ، وإلى جانب التجارة عمل هؤلاء التجار العرب المسلمون على دعوة ونشر الدين الإسلامي في الأرخبيل الاندونيسي .. وبدأ دخول الإسلام إلى الأرخبيل الاندونيسي عبر جزيرة سومطرة التي مثلت أولى محطاته في اندونيسيا. وكانت سواحل سومطرة الشمالية أول جزيرة تحتفي بأنوار الإسلام ومبادئه السامية التي تجسدت في سلوك وقيم التجار اليمنيين الحضارمة الذين تؤكد وترجح كثير من مصادر التاريخ أنهم أول من دعوا شعب جزيرة سومطرة وبخاصة في إقليم آتشه الاندونيسي بشكل سلمي للدخول في الإسلام ومن ثم أخذ الإسلام ينتشر في مختلف أرجاء اندونيسيا. وكان لانتشار الإسلام واعتناق شعب اندونيسيا الدين الإسلامي جملة من العوامل أبرزها حسب تلك المصادر اخلاق الدعاة ونهجهم السلمي في الدعوة ،وزاد على ذلك إسلام الملوك هناك الذين آثروا على شعوبهم بشكل كبير بدعوتهم إلى اعتناق الدين الإسلامي طبعاً إلى جانب زواج التجار العرب المسلمين بالنساءالاندونيسيات ،وعلى ذلك فقد تمكن المسلمون من تأسيس عدة ممالك في ارجاء الأرخبيل الاندونيسي منها مملكة آتشه ومملكة برلاك وكذا مملكة بالمانغ في سومطرة وأيضاً مملكتا بنتام وديماك ومملكة متارام في جاوه.. تأثير الإسلام فكان لدخول الإسلام أثره الكبير في إحداث تغييرات جذرية في حياة الاندونيسيين اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً ولغوياً وأدبياً ،وكان للإسلام دور في توحيدكثير من المناطق والجزر على الاخوة والمحبة والوحدة ،واضاء شعاع الإسلام طريق الحياة لسكان اندونيسيا ليعيشوا حياتهم على أساس العدل والمساواة. الكتابة الجاوية ونتيجة للتعليم الإسلامي في الأرخبيل الاندونيسي دخلت الحروف العربية في اللغة الملايوية وهي اللغة الأصيلة للأرخبيل ،وتم ابتكار طريقة لكتابة اللغة الملايوية بواسطة الحروف العربية والتي عرفت بالكتابة «الجاوية» وشكل ذلك أول مساهمة ثقافية عربية في ثقافة الأرخبيل ،وأدى انتشار تعلم الكتابة بالحروف العربية إلى انتشار المؤلفات الإسلامية والعربية في الأرخبيل من كتب التفسير والحديث والتوحيد والفقه والتصوف والآداب وغيرها ، لتنتشر بعد ذلك حركة التأليف والترجمة في الأرخبيل الاندونيسي كما كان للقصة الإسلامية والعربية أثرها بعد أن حلت محل القصة الهندية في أدب الأرخبيل ،وأطلق الاندونيسين اسماءأبطال القصص العربية والإسلامية على ابنائهم وتأثر الأدب الملايوي بالشعر الإسلامي. فبعد مجيء الإسلام ازدهر أدب الملايو أو الملايوي فاستعمل الحروف العربية التي أطلق عليها الحروف الجاوية المعروفة فيما بعد باسم عرب ملايو من هذا شعر المجتمع الملايوي بأن هذه الكتابات قد أصبحت ملكهم وبها تحدد هويتهم ،وقد عرفت الحروف الجاوية عن طريق الدعاة المسلمين لغرض قراءة القرآن وشرح الكتب العلمية الأخرى ،وأصبح ازدهار هذه الكتابات في غاية الأهمية خاصة أن الإسلام سمح للناس بالكتابة في مختلف الميادين. بيت الرحمن في الماضي كانت آتشه دار السلام هي بوابة سومطرة وبقية الأرخبيل من جهة الغرب ، ومنذ وصول الإسلام إليها في القرن 11 أو ال13 الميلادي أصبحت آتشه مملكة إسلامية يتمسك أهاليها بالتعاليم الإسلامية وتفتخر بالتقاليد والثقافات والقيم الإسلامية. في عاصمة باندا آتشه أصبح جامع «بيت الرحمن» التاريخي صاحب القبة السوداء والرخام الأبيض واحداً من البنايات القليلة المتبقية التي بقيت قائمة شامخة وراسية بشكل عجيب أمام كارثة السونامي الناسفة والهزة الأرضية العاتية التي ضربت هذه المحافظة في نهاية عام 2004م. مسجد الاستقلال ومن ابرز معالم مدينة كارتا عاصمة اندونيسيا مسجد الاستقلال وهو أكبر مسجد ليس في اندونيسيا فحسب ،ولكنه أيضاً يعتبر أكبر مسجد في جنوب شرق آسيا ،وبني مسجد الاستقلال في عهد الرئيس سوكارنو أول رئيس لجمهورية اندونيسيا وذلك في عام 1949م ويتسع المسجد لعدد مئة وعشرين ألفاً من المصلين ، وله مئذنة وقبتان .. ويحظى المسجد باهتمام ورعاية خاصة واخبرنا حيدر اوغستيان أن المسجد يملتئ بالمصلين في أيام الجمعة وعيدي الفطر والأضحى وخلال شهر رمضان الكريم.. كما أن ائمة المساجد يستخدمون اللغة العربية في الشئون الدينية ،فعقب اداء صلاة الظهر بدأ إمام المسجد بالدعاء باللغة العربية ولم ينصرف احد من المصلين إلا بعد أن انهى الإمام الدعاء ،أيضاً كان هناك تواجد للنساءاللاتي أدين الصلاة في المكان المخصص لهن الواقع في الجانب الأيسر للمسجد ، أما المتأخرون عن صلاة الجمعة فقد ادوا الصلاة في جماعة صغيرة واصطفت بعض النساءلأداء الصلاة خلف الرجال مباشرة. حفاوة بالمسلمين في تعامل الاندونيسيين معك تحس اللطف والترحيب والحب للعرب والمسلمين.. الترحيب والاحترام الذي تلقاه من ابناء جاكرتا يزيح عنك الشعور بأنك غريب عن هذا البلد بل يتملكك الإحساس بأنك في بلدك، هذا الإحساس يزداد حدة عندما تخبرهم أنك من اليمن إذ تجد حفاوة وترحيباً حاراً كونهم مايزالون يتذكرون العلاقة التاريخية الأخوية التي تربطهم باليمنيين بشكل عام وحضرموت بصفة خاصة وذلك منذ أن ساهم التجار الحضارمة اليمنيون في نشر الإسلام في اندونيسيا ، إضافة إلى استقرار بعض هؤلاء التجار المسلمين في اندونيسيا وفي هذا السياق لابد من التنويه إلى وجود نحو خمسة ملايين مواطن اندونيسي من اصول حضرمية يمنية كما أن هناك أربعة وزراء في الحكومة الاندونيسية الحالية أصولهم من اليمن أيضاً ،فاسم اليمن مازال محفوراً في ذاكرة ووجدان الشعب الاندونيسي.