جمال جميل. سياسي , ثائر قائد عسكري تاريخ الميلاد1330 ه / 1912 م تاريخ الوفاة 1367 ه / 1948 م مئوية باكثير في ندوة بمهرجان صنعاء الثقافي الثاني ولد ونشأ في مدينة الموصل شمال العراق، وتوفي قتلاً في مدينة صنعاء. درس الابتدائية والإعدادية والثانوية، ثم التحق بالكلية الحربية في بغداد، وتخرج منها، وتدرج في الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبة (نقيب). تعين مرافقا لرئيس أركان الجيش العراقي (بكر صدقي)، وشارك في الحركة التي تزعّمها الأخير ضد (نوري السعيد)رئيس الوزراء العراقي التي انتهت بمقتل (بكر صدقي)، واعتقال أتباعه والحكم عليهم بالإعدام، ومنهم صاحب الترجمة، غير أنّ هذا الحكم أُلغي لاعتبارات عشائرية. تعيّن بعد خروجه من السجن في القوات النهرية، التي كانت تجوب نهري دجلة والفرات، ولما عقدت المعاهدة اليمنيةالعراقية سنة 1349ه/1930م، واتفق الجانبان على التعاون العسكري بينهما، أرسلت الحكومة العراقية أول بعثة عسكرية إلى اليمن، مكونة من أربعة أعضاء، وهم : العميد الركن (إسماعيل صفوت) رئيسًا، وعضوية كلٍّ من: (محمد المحاويلي)، و(عبدالقادر الكاظمي)، وصاحب الترجمة الذي كان الغرض من إرساله إلى اليمن إبعاده عن الجيش العراقي، وقد وصلت هذه البعثة إلى اليمن يوم 25/2/1359ه، 3/4/1940م، وأدركت التخلف الرهيب الذي يعيشه اليمن. عمل صاحب الترجمة من خلال موقعه على إدخال المدفعية في الجيش اليمني، وفتح دورات للضباط، وتحديث أساليب التدريب، حتى تشكّل فوج مدفعي نموذجي، كما عمل على زيادة مرتبات أفراد وضباط الجيش؛ محاولة منه للقضاء على ظاهرة الرشوة التي انتشرت في أوساط الجيش آنذاك. وفي عام 1363ه/1943م عادت البعثة العراقية إلى العراق إلا أنَّ صاحب الترجمة تخلف عن العودة، وفضّل البقاء في اليمن، وأقام علاقات واسعة في المجتمع من حوله سواء داخل الجيش أو لدى الأسر الكبيرة، وكان يشارك الناس أفراحهم وأتراحهم. أسند إليه بعد عودة البعثة العراقية الإشراف على الجيش (المظفّر)، وعلى الكلية الحربية، فأتاح له ذلك التعرف على العديد من الضباط والجنود اليمنيين، وبدأ يفتح أعينهم على الواقع المزري الذي تعيشه اليمن، وكان صريحًا في ذلك حتى في المجالس العامة والاحتفالات الرسمية، ومن ذلك ما قاله في خطبته التي ألقاها في الحفلة التي أقيمت بمناسبة عودة الأمير (عبدالله بن الإمام يحيى بن محمد حميد الدين) من أمريكا، إذ وجّه خطابه للأمير قائلاً: »منذ عامين وسموكم تزورون دولا كبيرة وصغيرة، غنية وفقيرة، فأسألكم بالله: هل رأيتم جيشًا أسوأ حالا من جيشكم؟ أنا أجيب عنكم: كلا، لقد قدّمت عدة اقتراحات، ولم أحظ بجواب، وهأنذا أتقدّم مخلصًا لسموّكم باسم هذا الجيش طالبًا زيادة المعاشات، ووضع نظام تقاعدي يكفل شيخوخة منتسبي الجيش وعوائلهم، فهذا الجيش وحده هو الذي سيقف معكم ساعة المحنة«. وقد بلغ الإمام يحيى مقولة صاحب الترجمة هذه، فأرسل إليه: »إلى الرئيس جمال جميل عافاه الله، لقد ساءنا جدًّا ما بلغنا من خطبتك أمسِ في الجيش، فإنها لم تكن في صالح الأمة، ولا الحكومة، ولا الجيش«. ولم يكف صاحب الترجمة من تقديم النصح للإمام راجيًا منه انتشال اليمن من حالة التخلف التي يعيشها، غير أنّ تلك النصائح لم تكن تلقى قبولاً لدى الإمام، فزاد ذلك من حماس صاحب الترجمة، خاصة بعد وصول الأستاذ (الفضيل الورتلاني) الذي جاء إلى اليمن لأمر ظاهره التجارة، وباطنه بث الوعي بأهمية الثورة على الحكم الإمامي، وانتشال اليمن من واقعه المتخلف، فاتفقت ميوله مع ميول صاحب الترجمة، وميول كثير من المعارضين للحكم الإمامي الملكي، واتصل الأستاذ (الفضيل الورتلاني) بصاحب الترجمة عبر العلامة (حسين الكبسي)، وبدأ الإعداد للثورة الدستورية التي قادها الأمير (عبدالله بن أحمد الوزير) عام 1367ه/1948م، وانتهت بمقتل الإمام (يحيى بن محمد حميد الدين) في منطقة (سواد حزْيز) جنوبي مدينة صنعاء، وتنصيب ابنه ولي العهد (أحمد) نفسه إمامًا خلفًا لأبيه، وسقوط مدينة صنعاء بيد القبائل المناصرة لهذا الإمام، فاعتقل رجالات الثورة، وحكم على عدد كبير منهم بالإعدام، ومنهم صاحب الترجمة. تزوّج صاحب الترجمة من فتاة يمنية بعد وصوله إلى اليمن؛ فأنجبت له عدداً من الأبناء منهم الدكتور (محمد جمال)، والدكتورة (سميرة جمال)، والسفير (جميل جمال)، وقد تعرّضت أسرته بعد مقتله لكثير من المضايقات أثناء اجتياح القبائل لمدينة صنعاء عقب فشل الثورة الدستورية، فهاجرت إلى العراق، وظلت هناك حتى عهد الرئيس (عبدالله السلال)، فعادت إلى اليمن. كان صاحب الترجمة قويَّ التأثير، شديد الإقناع، محسنًا إلى الفقراء والمساكين، يدفع جزءًا كبيرًا من راتبه في الصدقة وفعل الخير، ومما يحكى عنه أنه ذات مرّة رأى طفلاً عاريًا يلعب بجوار أحد أبنائه، فما كان منه إلا أنْ نزع الثوب عن ابنه، وألبسه ذلك الطفل الفقير.