لم يعد الذهاب إلى المدرسة اليوم مقصوراً على تلقي العلوم والمعارف فقط فالطلاب أصبحوا مطالبين بأعمال أخرى لايمكن الفرار منها وإلا تعرضوا للعقوبة من قبل الإدارات المدرسية تنظيف حمامات المدارس والقيام بجمع مخلفات المدرسة عند بعض الإدارات المدرسية والمعلمين أهم من جلوس الطالب على كرسي الدراسة لتلقي العلوم.. وبمعنى أكثر وضوحاً.. الطلاب أصبحوا مطالبين بالقيام بمهام عمال النظافة في مدارسهم على مدار أيام العام الدراسي ولايهم إن كانوا في مراحلهم الدراسية الأولى أو الأخيرة، ولايهم أيضاً إن كانوا بنين أو بنات والكل متساوون في المهام.. وإذا ما اعترض الطلاب تواجههم إدارة المدرسة بعقوبة الضرب والتهديد بالفصل. إكراه الطلاب برزت إلى السطح في الفترة الماضية العديد من المدارس التي تفضل الاعتماد على طلابها أو طالباتها في القيام بمهام عمال النظافة، ووصل الحد بهذه الإدارات إلى قيامها في إجبار طلاب وطالبات المراحل الأولى على تنظيف حمامات المدارس الخاصة بالمدرسين، وبما يتطلبه ذلك من استخدام المنظفات التي تترك آثاراً مرضية على صغار الطلاب ناهيك عن الآثار النفسية التي لابد أن تلازم الطلاب في ظل بقائهم أداة للتوظيف غير الصحيح. ففي إحدى مدارس مدينة إب يجبر طلاب الفترتين الصباحية والمسائية على تنظيف حمامات المدرسين بشكل يومي وحسب جدول يقوم بإعداده مربي الصف وتشرف عليه إدارة المدرسة، وإذا ما اعترض الطلاب على هذا الجدول تواجههم إدارة المدرسة بعقوبة الحرمان من الدراسة ليوم أو يومين هذا بالنسبة للكبار أما الطلاب في المراحل الأولى فإن الإدارة تتخذ معهم عقوبة الضرب. هذه المدرسة المشهود لها سابقاً بأنها من المدارس النموذجية الأولى في المحافظة وكان معروفاً عنها حسن الإدارة.. اليوم أصبحت لاتستخدم هذه الإجراءات كعقوبة ضد الطلاب بسبب التأخير عن موعد الطابور أو كعقوبة للتغيب أو للمشاغبة أو.. أو .. بل أصبحت استراتيجية متبعة تتم بشكل يومي وبحسب جدول زمني على الفصول الدراسية، وبذلك يتم تناوب الطلاب على أداء مهمة تنظيف حمامات المدرسين وقد يتساءل أحد القراء لماذا حمامات المدرسين فقط وهناك حمامات خاصة بالطلاب أيضاً؟ الحقيقة أن هناك العديد من المدارس النموذجية تقوم بإغلاق الحمامات الخاصة بالطلاب تحت مبررات عديدة، منها عدم التزام الطلاب بنظافة الحمامات وخروج رائحة تؤذي الإداريين والمدرسين وغيرها من الأسباب، لذلك تضطر هذه الإدارات إلى إغلاق هذه الحمامات والاكتفاء بالحمامات الخاصة بالمدرسين والتي يستخدمها الطلاب في الحالات الحرجة. ولايقتصر جدول النظافة لهذه المدرسة على تنظيف الحمامات بل يقوم البعض الآخر من الطلاب بتنظيف ساحة المدرسة والفصول بشكل يومي.. وحجة إدارة المدرسة عدم وجود عمال نظافة في المدرسة، مما يضطرهم إلى القيام بغرض النظافة على الطلاب. الحقيقة أن أولياء أمور الطلاب بهذه المدرسة «والتي تجنبت عدم ذكرها بالاسم لأن هناك مدارس كثيرة تمارس نفس الأسلوب» منزعجون من إجبار أبنائهم على أداء مهمات خارج المنظومة التعليمية. عقوبات الحقيقة وبحكم عملي كموجه في العديد من مدارس مدينة إب قمت في الفترة السابقة بزيارة العديد من المدارس وقد لاحظت أن هناك العديد من الإدارات المدرسية تقوم بإجبار الطلاب على القيام بعمل النظافة غير أن بعضها تفرض ذلك كعقوبة للطلاب والطالبات على حدٍ سواء بسبب التأخير عن الطابور الصباحي أو المشاجرة مع زميل آخر أو قلع الاشجار أو القيام بسلوك غير مناسب تربوياً وهكذا تقصد الأسباب. ففي إحدى مدارس مديرية الظهار بمدينة إب هناك مدرسة تجبر طلابها المتأخرين على تنظيف ساحة المدرسة والممرات والسلالم ومن ثم نقل المخلفات إلى البراميل المخصصة لها، ولايمكن السماح لهم بالدخول إلى الفصول قبل إنهاء المهمة. مديرة المدرسة تلك نفت أن إدارتها تفرض ذلك على الطالبات خارج إطار العقوبة.. ونفت أيضاً تسخير الطالبات لتنظيف حمامات المدرسة لأن لدى المدرسة عاملة نظافة خاصة بذلك على حد قولها رغم أن طالبات وأولياء أمور أكدوا قيام الإدارة بفرض عقوبات على الطالبات المتأخرات تتمثل بتنظيف الحمامات الخاصة بالمدرسات إلى جانب تنظيف المدرسة بكل محتوياتها. وقد سبق لي في فترات سابقة مشاهدة صور من هذا النوع من المدارس التي زرتها في مديريات الظهار والمشنة والعدين وحبيش. ففي إحدى هذه المدارس شاهدت خمسة طلاب في المراحل الأساسية ينظفون ساحة المدرسة والأتربة تتصاعد وعند خروجهم كان يبدو عليهم الإرهاق والتعب وقيامهم بإصدار أصوات «كحة» بفعل الأتربة، أضف إلى ذلك أنني شاهدت مجموعة أخرى تقوم بتنظيف إدارة المدرسة قبل دخولهم إلى الحصة الأولى وأخبرني أحدهم أن اليوم كان دورهم في ذلك، الأمر لم يكن بسبب التأخير بل كان فرضاً من قبل إدارة المدرسة. مدير المدرسة الذي طالبني بعدم ذكر اسمه قال إنه مجبر في طلبه من المربين توجيه الطلاب بالقيام بالتنظيف لعدم وجود عمال نظافة في المدرسة وإن الأمر لايتم عن طريق الإجبار بل برضى الطالب، حيث يقوم المربي داخل الصف الدراسي بالسؤال عمن يريد أن يقوم بالتنظيف فالطلاب الراغبون بذلك يقومون برفع أيديهم، فيتم اختيار البعض منهم. الطلاب عموماً يقبلون بالقيام بعملية التنظيف بالمدرسة خوفاً من قسوة بعض المدرسين في الحصة أو عدم رغبة الطلاب بالتعلم أو خوفاً من عقاب أشد كالتهديد بالرسوب، أو الحرمان من اختبار مادة ما، وإذا كان البعض منهم مقتنعاً عندما يكون ذلك عقوبة للتأخير عن الطابور إلا أنهم يرفضون ذلك خارج إطار العقوبة، وفي الحالتين يخبرون أولياء أمورهم بالإجراءات التي تتخذها إدارات المدارس في هذا الشأن، ويرفض البعض منهم الذهاب إلى المدرسة إلا بعد أن يضع ولي الأمر حداً لذلك. نطلب علماً لا تنظيف حمامات أولياء الأمور لايجدون مخرجاً من سوء تصرف بعض الإدارات المدرسية غير التوجه إلى الإدارات التعليمية في مناطقهم لعلهم يجدون من ينصفهم. ولعل تلك الإدارات تفعل شيئاً ما تجاه هذه المدارس. غير أن أولياء الأمور وبالاجماع يؤكدون أن شكواهم لاتجد طريقها إلى الخلاص من معاناة الطلاب اليومية. يقول الأخ عبدالله أحمد يحيى أحد أولياء الأمور.. نحن نذهب بأبنائنا من أجل أن يتعلموا لا لينظفوا حمامات المدارس.. ويناشد عبدالله وزارة التربية والتعليم بوضع حد لأبنائنا. أما أم أنور «ربة بيت ولديها طفلان بالمدرسة» فتقول: لقد قررت مع زوجي المغترب أن ندرس أبناءنا العام القادم في إحدى المدارس الأهلية بدلاً عن المدارس الحكومية، قبل أن نخسر «محمد،هناء» اللذين يعودان محملين بالأتربة ويكحان بفعل قيامهم بتنظيف ساحة المدرسة وتنظيفهما للحمامات وبشكل أسبوعي دون انقطاع.. ضوابط وهنا كان لزاماً علينا التوجه إلى الجهات المختصة لطرح الموضوع عليهم فتوجهنا صوب الأستاذة وفاء الدعيس مساعد مدير مكتب التربية بإب والتي قالت: في الحقيقة لقد وصلتنا في الفترة الماضية شكاوى كثيرة من أولياء الأمور بهذا الخصوص وتعاملنا معها بحزم في إطار ماهو مسموح لنا وفق القانون.. وتضيف الدعيس : نافية الشكاوى على أن قيام بعض الإدارات المدرسية بإجبار الطلاب والطالبات على تنظيف حمامات المدرسين أو ساحة المدرسية كعقوبة على قيام الطالب أو الطالبة بعمل مخالف كتأخره عن الطابور أو غيابه يوماً كاملاً عن المدرسة أو .. أو.. إلخ. وفاء الدعيس تقول: أرفض تصرفات إدارة المدارس مع الطلاب والطالبات بهذه الطريقة.. لأن هناك عقوبات أخرى يجب أن تستخدمها إدارات المدارس لمنع تكرار التأخير عن الوقت المحدد لبدء الطابور أو غياب الطالب عن المدرسة أو قيامه بارتكاب أي مخالفة داخل الحرم المدرسي غير أن إدارات المدارس تجد في ذلك فرصة طالما لايوجد لديها عمال نظافة، وتفضل تلك الإدارات الاستفادة من طلابها في القيام بدور عمال النظافة والاستفادة من إيجارات المقاصف المدرسية المخصصة في الأساس لعمل النظافة عن طريق التعاقد، ومهما يكن تعلل القائمين على الإدارات المدرسية بقلة إيجارات المقاصف إلا أن ذلك لايبرر استغلال الإيجار بشكل شخصي وهذا مناف لتوجيهات المعنيين بوزارة التربية والتعليم الذين وجدوا في المقاصف مخرجاً لمطالبة بعض الإدارات المدرسية بتوظيف عمال وعاملات نظافة، سواءً كان ذلك للمدارس التي تفتقد للعمال أو المدارس التي لم يعد عمال النظافة فيها قادرين على أداء مهامهم بسبب الشيخوخة أو لقلتهم في هذه المدارس أو تلك. فكان التعاقد مع عمال نظافة على حساب إيجارات المقاصف هو الحل بنظرهم.. غير أن ذلك لم يتم لأن الإدارات المدرسية لا تريد ذلك وتفضل استغلال الطلبة على التعاقد مع عمال النظافة..!؟ عمال النظافة والتوظيف وزارة التربية والتعليم ليست قادرة على توظيف عمال أو عاملات نظافة لأن ذلك لم يعد بيدها والسلطة المحلية المعنية بالتوظيف. يقول الأستاذ عبدالكريم السماوي نائب مدير مكتب التربية بمحافظة إب: السلطة المحلية هي المعنية بتوظيف عاملات أو عمال النظافة، والكثير من المدارس لايوجد بها عمال نظافة، والبعض منها لايكفي عامل نظافة واحد.. لذلك فإن توظيف عمال النظافة حالياً يعد صعباً جداً لأن المعنيين سواء في السلطة المحلية أو الخدمة المدنية يعتقدون أن دورهم يقتصر على توفير درجات وظيفية لحراس المدارس فقط. النظافة .. حصة العديد من المحافظات ترفض حتى الآن إنزال درجات وظيفية لعمال وعاملات النظافة للمدارس المحتاجة لهذا النوع من الدرجات وترى أن الطلبة هم المعنيون بتنظيف المخلفات في المدارس. اتجهنا إلى الطلبة لأخذ آرائهم حول النظافة بالمدارس وهل هم ملزمون بالقيام بالنظافة بمدارسهم..؟ الطالب حسام أحمد الأحمدي « أول ثانوي» يقول: لا نمانع كطلبة أن تكون النظافة حصة بيئة لتكريس سلوك لدينا بأهمية النظافة والحفاظ على المدرسة لأنها تمثل جزءاً من حياتنا كطلاب.. فيما تقول هيفاء أحمد الحاج «طالبة في الثاني ثانوي علمي»: لايجب أن تكون نظافة المدرسة من قبل الطلاب بإصدار الأوامر من قبل الإدارات المدرسية لأن ذلك سيخلق شيئاً من الاستياء والتذمر عند الطالب أو الطالبة مما يؤثر على تحصيله العلمي والمعرفي.. لذلك لابد أن يكون هناك بديل للطالب بالقيام بعملية النظافة سواء كان البديل في عمال وعاملات النظافة أو كان دفع أجور المتعاقدين من مقاصف المدارس والتي يكثر الازدحام عليها كما تلاحظ وقد تضاعف إيجاراتها بشكل كبير ولايقل احدها عن عشرين ألف ريال كحد أدنى وهذا ما لايجعل فرض التنظيف على الطلاب مقبولاً. يتفق مع الطلاب حميد الخولاني مدرس لأن استخدام الطلبة في ذلك بعيد عن المسألة البيئية، مجحف بحق الطلبة والطالبات ويلحق الأذى بالطلبة الصغار. أما أمين الطاهري مدير مدرسة لايخالف ذلك لأن الجانب البيئي وتدريب النشء على احترام بيئة المدرسة والبيئة عموماً هو الأهم، وسيجد استجابة من الطلاب والطالبات، ومع ذلك سيحرص الطالب والطالبة على حد سواء على نظافة المدرسة ونظافة الشارع، ويقول الطاهري: لعلي أتذكر الحصة الأسبوعية في يوم الخميس ما كنا نقوم به من يوم نظافة لساحة المدرسة والفصول وكنا نقوم بذلك حفاظاً على نظافة المدرسة وننتظر الخميس للقيام بعمل كهذا لأنه لم يكن مفروضاً علينا بسبب عقوبة ما أو لسبب في نفس الإدارة، أما اليوم لم يعد الأمر قائماً على ذلك الحال بل أخذ مغزى آخر ليس مقبولاً لا من الطالب ولا من ولي أمره.