مشتق من الحَوْر, وهو الرجوع، فالحوار هو: مراجعة الكلام، والمحاورة: المجاوبة والتحاور والتجاوب، وللحوار في اصطلاح علماء اللغة معانٍ كثيرة وإن استوت في الإجمال، على سياق واحد. فالمحاورة هي المجاوبة، أو مراجعة النطق والكلام في المخاطبة والتحاور والتجاوب، لذلك كان لا بد في الحوار من وجود طرفين متكلِّم ومخاطب يتبادلان الدور في أجواء هادئة بعيدة عن العنف والتعصب فحيناً يكون المتكلم مرسلاً للكلام وحيناً متلقياً له، أي يكون المتكلم مخاطبَاً حين يصمت ليسمع كلام نظيره، وهكذا يدور الكلام بين طرفين في إطار حلقة تبادلية يكشف كل منهما عما لديه من أفكار، فيتشكَّل جرّاء ذلك ما يمكن أن نسميه بالخطاب المشترك الذي تولده القضية المتحاوَر فيها. تفعيل الحوار الوطني كخارطة طريق نحو استرداد الوطن اليمني لعافيته يعد ضرورة وطنية إستراتيجية مرحلية ملحة عن طريق التفعيل الصحيح والعملي الملزم للأطراف التي يؤلف أداءها السياسي التوصيف العام للمشهد السياسي اليمني وكوصفة علاج للخروج من الأزمة اليمنية التي توصف بالراهنة وهي ليست راهنة بالمعنى الزمني الفيزيائي المجرد [كمرحلة راهنة]، وبالوصف التاريخي السطحي والمجرد إذ لا بد من دراسة المسألة اليمنية من كافة جوانبها للتوصل إلى علاج فعال وناجع، خصوصاً بعد أن برزت الكثير من الدلائل على وجود المخاطر المحدقة والنوايا المبيتة لإلحاق الأذى بالوطن الغالي....ومن هذا المنطلق جاءت الدعوة الرئاسية لإجراء حوار جاد تشارك فيه كافة القوى الفاعلة في الوطن تحت قبة مجلس الشورى للخروج برؤية وطنية موحدة لمعالجة كافة المشكلات والقضايا التي تموج بها أرض الوطن. توقيت هام للغاية الدكتور عارف الرعوي نائب عميد كلية الآداب بجامعة إب تحدث عن أهمية الدعوة الرئاسية للحوار الوطني فقال: تأتي هذه الدعوة من فخامة الرئيس علي عبدالله صالح أولاً ترسيخاً لمسيرة النضال السياسي الذي بدأ منذ أولى لحظاته بقضية الحوار كمسألة جوهرية وأساسية في تسيير الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية....إلخ، كما أن مجيء هذه الدعوة الرئاسية للحوار السياسي بين القوى السياسية والاجتماعية في المجتمع بشكل عام في هذا التوقيت على وجه التحديد مهمة، لأن هذا التوقيت في غاية الأهمية فاليمن يمر بمنعطف مهم وخطير في حياته والتي يمكن أن تترك آثاراً كبيرة على مستقبل الحياة برمتها، ومن هنا كان لابد من توجيه هذه الدعوة إلى كل القوى داخل الساحة اليمنية المتنوعة، وهذا التنوع الذي وجه فخامة الرئيس الدعوة إليه ممثلاً بأعضاء مجلس النواب والشورى والأحزاب السياسية والعلماء وكل القوى الفاعلة في المجتمع إنما يعكس إدراك فخامته أن المرحلة بحاجة إلى إثراء وإيجاد وجهة نظر يتفق عليها الجميع فيما يتعلق بما هو حاصل اليوم وكيف يمكن أن تكون عليه الأوضاع في المستقبل القريب أو البعيد، وكذلك التهديدات المختلفة سواء أكانت داخلية أو خارجية. مسؤولية تاريخية وأضاف الدكتور الرعوي قائلاً: إن هذه القوى الممثلة للمجتمع برمته والواعية لواجباتها عليها مسؤولية تاريخية في هذا الظرف الذي تمر به البلاد بشكل خاص، هذه المسؤولية هي التي سوف تظهر صورة الانتماء الحقيقي والعطاء والصدق والتفاعل مع كل ما هو حاصل في اليمن بأوضاعه المختلفة، وفي نفس الوقت فإن فخامة الرئيس يحمل المسؤولية للذين سوف يتقاعسون عن أداء مثل هذه المهمة ذات المسؤولية التي تعد بالفعل نقطة فاصلة بين ما هو حاصل، الذي لا يمكن إخراجه بأي حال من الأحوال عن قضية الصراع الموجودة داخل المجتمع وبين عدم الإيمان بأهمية الوطن وإدراك المخاطر التي تحدق وتبيت له، ومن هنا فإن الضرورة تقتضي وجود فكر موحد حتى يدرك الجميع أن التوجه نحو المستقبل لا يمكن أن يتأتى من خلال فصيل دون الآخر، وإنما لابد أن يتم من خلال الجميع. الإطار الحضاري وحث الدكتور الرعوي كافة القوى السياسية على المشاركة الفاعلة حيث قال: ولا يصح التأخر أو الوقوف السلبي لأي من القوى السياسية التي اعتدنا أنها تقف دوماً موقف الرافض لكل فعل أو حركة، وينبغي أن ينخرط الجميع في الممارسة السياسية الديمقراطية في سياق الحوار الذي يمثل الإطار الديمقراطي الحضاري القيمي والديني والذي يحتم على كافة القوى السياسية أن تتحمل مسؤولياتها في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة بالالتفات إلى قضية الوحدة وتكثيف الجهود واستشعار المخاطر التي تخلفها حالات الفرقة وتضارب وجهات النظر والتي تؤدي إلى خدمة المصالح الأجنبية والقوى الساعية إلى تدمير كل ما هو جميل وقيِّم في حياتنا. المخرج العملي د. محمد أحمد عبدالله الزهيري رئيس قسم اللغة العربية بالجامعه أشار إلى معنى الدعوة للحوار بقوله: دعوة الحوار التي أطلقها الأخ الرئيس علي عبدالله صالح هي المخرج الوحيد الناجح والعملي لحل كل مشكلات الوطن الداخلية وهي تعكس وعياً متقدماً بأهمية الحوار في الوصول إلى الحق والصواب كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:”لا تجتمع أمتي على ضلالة”، ومصلحة البلاد مرهونة باللقاء والحوار والتفاهم والوحدة والألفة، ولذلك كانت الأخوة نعمة والألفة بعد العداوة نعمة أمر الله بتذكرها فقال:”واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً”، لأن في اللقاء ذهاباً للشكوك والجفاء وسوء الظن التي لا يقوم بها خير، وتأسيساً للثقة والألفة وحسن الظن التي هي سبب النجاح وقيام كل خير وسبب قوة الدول والبلدان والأمم بينما التقاطع والتدابر والتناجش والتنازع سبب للفشل والضعف والوهن “ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم” فما بُنيت الحضارات وقويت الدول وتحققت الانتصارات العسكرية والإنجازات العلمية إلاّ في حال الحوار والتفاهم والنصح والتواصي وما حصل الضعف والهوان وتسلط الأعداء وهزيمة الأمم وتوقف البناء وتراجع العلم والثقافة إلاّ في حال الفرقة والاختلاف والفتنة ومآسي اليمن وعزلته وتأخره تاريخياً جاءت بسبب الفتن والقلاقل المستمرة بسبب مبدأ الخروج الجارودي الفاني الذي ما إن يموت إمام حتى يخرج عدد من الخارجين كلهم يدعي أحقيته بالإمامة حتى بلغوا عند موت الإمام المنصور خمسة وعشرين خارجياً، وبسبب من تسلل أفكار غير إسلامية، لاسيما أفكار الفرق الشاذة التي تسببت في قيام فتنة الحوثي التي كادت تودي بكل منجزات الشعب اليمني في ظل الجمهورية والوحدة وتكرر النموذج اللبناني والعراقي في اليمن. لا مزيد من المكايدات وأكد الدكتور الزهيري أن الدعوة تمثل اختباراً حقيقياً في العمل الوطني حيث قال: إن دعوة الحوار التي أطلقها الأخ الرئيس رمت الكرة في ملعب المعارضة وقوى الشعب الحية وهي مدعوة إلى قبول المبادرة والاستعداد لحوار جاد وهادف يقدم المصالح العامة للشعب اليمني على المصالح الخاصة والضيقة فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تجاور مع اليهود والمنافقين والمشركين وقال بعد فتح مكة: “ لقد شهدت حلفاً في دار عبدالله بن جدعان لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت” والبلاد لا تحتمل الكثير من المكايدات والفتن والإشاعات التي هي مدخل الشيطان في بلاد الحكمة والإيمان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم”. إصلاح الأرض الدكتور فوزي علي صويلح أستاذ البلاغة والنقد المساعد تحدث عن فضيلة الحوار فقال: ينصرف الحديث عن الحوار إلى كلمة سواء بين طرفين متنازعين ينشدان الفضيلة وإصلاح الأرض، برؤى وتصورات يراها كل طرف من جهة توجهاً خلاقاً في سياق الشورى والحكمة والقول الشديد، وبناءً على هذه القيم يمكن للحوار أن يرى النور ويبلغ أنصاره مستوى من الوعي والتقدم والنهوض، فإذا تجاوز هذه الرؤى فإنه ضرب من الفساد وصورة من الاستبداد، وهو يمكن تلمسه في حوار الخالق مع الملائكة وحواره مع إبليس إذ يغدو التسليم بالحجة وقوة البرهان شروعاً في البناء والإعجاز والخروج عنه ينأى بصاحبه عن جادة الصواب، وتلتصق هذه الصورة بالملائكة وإبليس، إذ يمثل الطرف الأول وجه الحق وناصية الرضى ويمثل إبليس سوءة الرأي وفساد الوعي، ومن ثم غدا إبليس رمز الرذيلة وصورة الباطل. إضاءة الدرب الوطني وأضاف الدكتور صويلح متحدثاً عن أهمية الحوار في الواقع اليمني الحالي بقوله: وعلى هذا الأساس فإن قراءة المشهد السياسي في اليمن والتأمل في الواقع الوطني، يرسم مسارات الوعي ويضيء دروب المسلك، إذ لا مناص من الحوار في وقت تأزمت الأوضاع فيه وتفاقمت المشكلات، غير أن ذلك لا يعني إشاعة الفوضى في الحوار أو القبول بمبدأ التقية لإسقاط واجب المواطنة، أو دخول الشياطين، والموبوئين بالعمالة ودعاة التمزق والانفصال، وإنما لابد من اصطفاء العقلاء والدماء الوطنية فما أكثرهم في هذا البلاد من السلطة والمعارضة، ذلك أن الحاجة تقتضي تفعيل هذا المبدأ وبما يحقق الشفافية ومعالجة الاختلالات وكبح الفساد الذي غدا في سرعة انتشاره كالسرطان وأوبئة المناعة، إن المرحلة القادمة والنهوض بالبلاد والخروج من عنق الزجاجة يتطلب دعم كافة القوى الوطنية والوقوف صفاً أمام المتآمرين والمتربصين بهذا الوطن كل ذلك مرهون بالحوار الخلاق باشتراطات الوحدة الوطنية وتعزيز الهوية والانتماء عبر أفق الحق وإرادة البناء والإعمار وصفاء الرؤية ونقاء الثوب من سفك الدماء. تحقيق الاصطفاف الوطني الدكتور فؤاد البعداني أستاذ الفكر الإسلامي المشارك ينظر إلى دعوة الحوار باعتبارها مدخلاً لتحقيق الاصطفاف الوطني الشامل فيقول: إن دعوة الأخ رئيس الجمهورية لحوار وطني دعوة لها أهيمتها، لكونها جاءت من الرجل الأول في البلاد، ولأنها جاءت في وقت يتطلب بالفعل مثل هذا الموقف، ومرحلة تستدعي الحوار الوطني لتحقيق الاصطفاف الوطني الشامل من أجل اليمن أولاً وأخيراً. وجدير بكافة القوى السياسية والاجتماعية التمعن بهذه الدعوة الكريمة واستشعار مدى حاجة البلاد لها في هذه المرحلة العصيبة على أن الحوار الوطني هو الطريق الأسلم والحل الأنجح للتعامل مع هذه المرحلة، ولمواجهة كافة الأحداث والمشكلات والأزمات التي تمر بها البلاد، لاسيما إذا استشعر الجميع أهمية الحوار الوطني وضرورته مع التحلي بالشفافية والمصداقية والجدية وتغليب المصالح الوطنية على المصالح الشخصية. وأرى أن هذه الدعوة يمكن أن تكون نافعة إذا تم نقلها من الجانب النظري إلى الجانب العملي، وتغذيتها بالخطط والبرامج والخطوات الإجرائية، والتزام كافة الأطراف بمقررات الحوار ونتائجه، ليكون الحوار مجدياً ومحققاً للاصطفاف الوطني، وبدون ذلك فإنه سيُفرغ من مضمونه. ونأمل من الأخ الرئيس إدارة هذا الحوار والإشراف عليه بشكل مباشر لكي يكون مضمون النجاح.