تأتي قصة “كثير عزة” لتنضم لغيرها من قصص العشاق من الشعراء الذين ألمهم عشقهم فجعلهم يبدعون أروع القصائد في وصف الحبيب والشوق إليه، وكان كثير هو أحد أبطال العشق الذين نسبت أسمائهم إلى أسماء معشوقاتهم، وكثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن مليح من خزاعة، هو شاعر متيم من شعراء العصر الأموي، من أهل المدينة، توفى والده وهو لا يزال صغيراً فكفله عمه، وأوكل له مهمة رعاية قطيع من الإبل. أما الحبيبة فهي عزة بنت حُميل بن حفص من بني حاجب بن غفار كنانية النسب كناها كثير في شعره بأم عمرو ويسميها تارة الضميريّة وابنة الضمري نسبة إلى بني ضمرة. رَأَيتُ اِبنَةَ الضَمريِّ عَزّةَ أَصبَحَت كَمُحتَطبٍ ما يَلقَ بِالَيلِ يَحطِبِ وَكانَت تُمَنّينا وَتزعُمُ أَنّها كَبَيضِ الأَنوقِ في الصَفا المُتَنَصِّبِ ويقال عن قصة حبه مع عزة أنه في إحدى المرات التي كان يرعى فيها كثير إبله وغنمه وجد بعض النسوة من بني ضمرة، فسألهن عن أقرب ماء يورد إليه غنمه، فقامت إحدى الفتيات بإرشاده إلى مكان الماء وكانت هذه الفتاة التي دلته على مكان الماء هي عزة والتي اشتعل حبها في قلبه منذ هذه اللحظة وانطلق ينشد بها الشعر، وكتب بها أجمل ما قال من غزل. إِنَّ المُحِبَّ إِذا أَحَبَّ حَبيبَهُ صَدَقَ الصَفاءَ وَأَنجَزَ الموعودا الله يَعلَمُ لو أَرَدتُ زِيادَةً في حُبِّ عَزَّةَ ما وَجَدتُ مَزيدا رُهبانُ مَديَنَ وَالَّذينَ عَهِدتُهُم يَبكونَ مِن حَذَرِ العَذابِ قُعودا لو يَسمَعونَ كَما سَمِعتُ كَلامَها خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعًا وَسُجودا وَالمَيتُ يُنشَرُ أَن تَمَسَّ عِظامَهُ مَسًّا وَيَخلُدُ أَن يِرَاكِ خُلودا عرفت عزة بجمالها وفصاحتها فهام بها كثير عشقاً ونظم الأشعار في حبه لها مما أغضب أهلها وسارعوا بتزويجها من آخر ورحلت مع زوجها إلى مصر، فانفطر قلب كثير وانطلقت مشاعره ملتهبة متأججة ولم يجد سوى الشعر ليفرغ به ألامه وأحزانه في فراق الحبيب. وَلَمّا وَقَفنا والقُلوبُ عَلى الغَضا وَلِلدَّمعِ سَحٌّ وَالفَرائِصُ تُرعَدُ وَبَينَ التَراقي وَاللَهاةِ حَرارَةٌ مَكانَ الشَجا ما إِن تَبوحُ فَتُبرَدُ أَقولُ لِماءِ العينِ أَمعِن لَعَلَّه بِما لا يُرى مِن غائِبِ الوَجدِ يَشهَدُ فَلَم أَدرِ أَنَّ العَين قَبلَ فِراقِها غَداةَ الشَبا مِن لاعِجِ الوَجدِ تَجمدُ وَلَم أَرَ مِثلَ العَينِ ضَنَّت بِمائِها عَليَّ وَلا مِثلي عَلى الدَمعِ يَحسُدُ وَساوى عَليَّ البَينُ أَن لَم يَرينَني بَكيتُ وَلَم يُترَك لِذي الشَجوِ مَقعَدُ وَلَمَا تَدانى الصُبحُ نادوا بِرحلَةٍ فَقُمنَ كَسالى مَشيُهُنَّ تأَوُّدُ سافر كثير إلى مصر حيث دار عزة بعد زواجها وفيها صديقه عبد العزيز بن مروان الذي وجد عنده المكانة ويسر العيش، وجاءت وفاته في الحجاز هو وعكرمة مولى ابن عباس في نفس اليوم فقيل: مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس.