تجلس متشبثةً ببعض كرامةٍ وبقايا عنفوان يعكسهما بريق عينيها المتحدي وقد استوطن القهر والألم مجرى الدماء منها وهاهي تتمعن في أنقاض بيتهم المتهاوي أمام ناظريها. رأيتها داخل خيمةٍ جادت بها وكالة غوث اللاجئين بعدما أصبحوا في العراء ، لكنها خيمة عصرية ليست ككل الخيام ، بها من أسباب الرفاهية والتطور التقني ما لا يُتوقع. في زاويةٍ منها تشرئب ثلاجة 20 قدماً بها كل ما تهفو إليه البطون ، وفي زاوية أخرى يقع جهاز (تلفزيون) ملون 30 بوصة يبث مئات القنوات خاصة الفضائيات العربية المواكبة لكل متطلبات العُري والخلاعة إلا مَن رحم ربي. أما الركن الثالث ففيه مكتب زينب وبقربه مكتب أخيها أحمد وعليه زهرية حمراء منقوش عليها (كوكا كولا) فيها وردة بيضاء ، وبيد زينب زهرة بنفسجية قطفتها من حديقة خيمتهم ، تنتظر أن تأتي أمها بزهرية أجمل من تلك التي على مكتب أحمد ، فقد ذهبت الوالدة تمارس هواية ال (shopping) في أحد المراكز القريبة من خيمتهم ، ربما تحضرها لها من (جنين سنتر) أو (رفح مول). وضعت زينب زهرتها البنفسجية وقامت تتراقص فوق السجاد الشيرازي على أنغام (كليب آه ونص) هي تعيش مستمتعة بحياتها في ظل ما يحويه القرن الواحد والعشرون من رفاهية العولمة والديمقراطية وحريات الشعوب خصوصاً حرية الإنسان العربي. عادت الوالدة بسلة الأمنيات ذات الثقوب الكثيرة فمال النسيم بأفراح زينب جذلاً ونامت على متكأ الأحلام. في الصباح أشرقت شمس الشمّوسة فتبخرتْ قطرات الندى المنثورة على أزهار الحديقة وكأنها لؤلؤٌ من اللجيَن ، كذلك مَرّ شعاع رقيق على وجوه النائمين فاستيقظت زينب ونهضت عن سريرها ، طوَتْ لحافها الوثير ورتبت مفرشه ثم راحت تغسل وجهها. وعادت تقول : أحمد : استيقظ يا أحمد بسرعة : هيا يا أخي لا أريد أن أتأخر عن المدرسة فاليوم لدي حصة اضافية أيقظته واتجهت إلى مكتبها وإذا بها تصيح بهلع : يا إلهي لقد نسيت أن أستخرج حقيبة كتبي من تحت الركام. وعادت تمسح بقايا غبار الأمس وتسكب كؤوس الواقع في مجرى المحال.