ازمة الانتقالي الشراكة مع الأعداء التاريخيين للجنوب العربي الأرض والإنسان    الانتقالي الجنوبي ثمرة نضالات طويلة وعنوان قضية شعب    فخامة الرئيس بن مبارك صاحب القدرة العنكبوتية على تحديد الضحية والالتفاف    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    كرة القدم تُلهم الجنون: اقتحامات نهائي دوري أبطال أوروبا تُظهر شغف المُشجعين    كشف هوية القاضي الذي أثار موجة غضب بعد إصداره أحكام الإعدام اليوم في صنعاء    تجدد مواجهة مصيرية بين سكان صنعاء و الحوثيين    ما خطورة قرارات مركزي عدن بإلغاء العملة القديمة على مناطق سيطرة الحوثيين؟.. باحث اقتصادي يجيب    "إنهم خطرون".. مسؤول أمريكي يكشف نقاط القوة لدى الحوثيين ومصير العمليات بالبحر الأحمر    "لماذا اليمن في شقاء وتخلف"...ضاحي خلفان يُطلق النار على الحوثيين    غدر به الحوثيون بعدما كاد أن ينهي حرب اليمن.. من هو ولي العهد الكويتي الجديد؟    عيدروس الزُبيدي يصدر قراراً بتعيينات جديدة في الانتقالي    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    المرصد اليمني: أكثر من 150 مدنياً سقطوا ضحايا جراء الألغام منذ يناير الماضي    كيف أفشل البنك المركزي اليمني أكبر مخططات الحوثيين للسيطرة على البلاد؟    ضربة موجعة للحوثيين على حدود تعز والحديدة بفضل بسالة القوات المشتركة    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    جريمة مروعة تهز المنصورة بعدن.. طفلة تودع الحياة خنقًا في منزلها.. من حرمها من حق الحياة؟    مشهد رونالدو مع الأمير محمد بن سلمان يشعل منصات التواصل بالسعودية    تنديد حقوقي بأوامر الإعدام الحوثية بحق 44 مدنياً    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    سلم منه نسخة لمكتب ممثل الامم المتحدة لليمن في الاردن ومكتب العليمي    صندق النقد الدولي يعلن التوصل لاتفاق مع اوكرانيا لتقديم مساعدة مالية بقيمة 2.2 مليار دولار    استشهاد 95 فلسطينياً وإصابة 350 في مجازر جديدة للاحتلال في غزة    بوروسيا دورتموند الطموح في مواجهة نارية مع ريال مدريد    المنتخب الوطني يواصل تدريباته المكثفة بمعسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا للشباب    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    بنك سويسري يتعرّض للعقوبة لقيامه بغسيل أموال مسروقة للهالك عفاش    موني جرام تعلن التزامها بقرار البنك المركزي في عدن وتبلغ فروعها بذلك    مجلس القيادة يؤكد دعمه لقرارات البنك المركزي ويحث على مواصلة الحزم الاقتصادي    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    شاهد: مقتل 10 أشخاص في حادث تصادم مروع بالحديدة    تسجيل ثاني حالة وفاة إثر موجة الحر التي تعيشها عدن بالتزامن مع انقطاع الكهرباء    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    براندت: لا احد يفتقد لجود بيلينغهام    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    بسبب خلافات على حسابات مالية.. اختطاف مواطن على يد خصمه وتحرك عاجل للأجهزة الأمنية    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    قتلى في غارات امريكية على صنعاء والحديدة    الامتحانات.. وبوابة العبور    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة حياته الثقافية والسياسية
مذكرات أحمد محمد نعمان
نشر في الجمهورية يوم 18 - 02 - 2010


هذه ذكريات الطفولة .. خرافة وخلاص من طغيان الأسرة
عبدالناصر والنعمان
المكاشفة
من وضعه؟
بالترتيب ،صدفة القدر، وكان إلى يساره بومدين ،وإلى جانب بومدين السلال، وأنور السادات في البعيد،جلسنا وإذا بعبد الناصر عن يساري فقلت له :الآن سنحت فرصة ألقينا فيها القبض عليك اليوم “ضحك وقال لبومدين :نعمان يقول إنه ألقى القبض علي في الجزائر” قلت له: هل نقل لك البيان أو سمعت من الإذاعات؟لم يكن في حديثي كلمة واحدة فاسقة،ولم أتحدث إلا بما تحدثت به الصحف، كيف التقينا وكيف تحدثنا، “كلا، حتى المثل الذي ذكرته قلته لهم”.
قلت له: كنت في معرض دفاعي عن المصريين، نحن ندين أنفسنا نحن اليمنيين بأننا لا نقاتل، فمما يتهكمون به على السلال قولهم إنه سيقاتل إلى آخر قطرة من دماء المصريين، ليس إلى آخر قطرة من دمه وإنما إلى آخر قطرة من دم المصريين، لهذا أردت الدفاع عنكم، كما إني أرجوك يا سيادة الرئيس، بما أن الصدفة جمعتنا بك ، عندي شعر أريد أن أسمعك أبيات منه تدل على وجود نوع من التجاوب بينك وبين هذه الأبيات قال:” قم وألق الشعر” فقلت :
وقد صار قلبي قابلاً كل صورة
وليل لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف
وإنجيل داود ومصحف قرآن
يعني قد ذابت في نفسك المذاهب والخلافات، فأصبحت للحكم وما جلبنا لك إلا الدعوة للحكم،فستنتصر على أعدائك بهذا الأسلوب، وأؤكد لك أنه ليس عندنا أي سوء نية نحو مصر، وإني أعتبر نفسي ابن مصر، فقد تخرجت فيها ودرست فيها،وأعتبر نفسي أن لها دين في عنقي، والآن الحمد لله وقد تمت هذه الاتفاقية بينكم وبين إخوانكم السعوديين، أريد أن أخذ رأيك: هل نقابلهم وندخل معهم في المؤتمرات ؟قال: “قابلوهم وبادلوهم المعاملة، لا يوجد أي مانع”قلت له :” وأنا أعاهدك بعد الآن، إذا سمعت عني شيئاً فاطردني حتى لو كنت في اليمن”قال:” أنا أعرف أن الناس تنقل الأشياء السيئة عن الإنسان قال : أكمل الأكل، قلت : لا أريد وإنما أريد أن أتحدث، ولاحظت أنور السادات يبحلق فينا بعينيه من آخر المكان، وأخيراً انتهت الجلسة والتقينا في مؤتمر القمة نحن والسعوديين، ولكن لا يوجد حقد بيننا، عدنا نحن والسلال إلى اليمن من أجل التحضير لمؤتمر حرض الثاني، وكان السلال يعرف أنه ثمن أي اتفاق معنا، فظل يثير المشاكل.
عود على بدئ ذكريات الطفولة
رشيدة، كانت من بنات الأسر ولها مركز اجتماعي متميز بحيث أنها تهيمن على الجميع، ففي إحدى البيوت حدث أن وضعت امرأة ولداً غير شرعي، إذ لم يكن لها زوج، فلما علمت رشيدة بهذا الحادث ذهبت إلى المرأة التي كانت قد أغلقت على نفسها ووضعت الطفل بطريقة بدائية دون أية مساعدة، ثم خنقته لتدفنه ولتخفي العار عن نفسها، ولكن الناس والجيران أسرعوا في الحضور فذهبوا يصرخو أن المرأة وضعت «زنوة» وهذا يسبب عاراً كبيراً للبلد الذي ولدت فيه، فخرجت رشيدة إلى المرأة لتسألها : لمن هذا الولد؟
ومن أبوه ؟ فألصقت المرأة هذا الفعل بشخص كان بريئاً في نظر رشيدة ومقدساً، فهوت عليها بإناء الطعام الخشبي ضرباً على رأسها، وأرادوا في تلك الأثناء أن يخرجوها من المنزل وهي على تلك الحالة، يعني دون علاج، بلاد بدائية ليس فيها شيء من هذا ، وأنا في سن صغير.. كنت واقفاً أشهد وأرتعد وهي تضرب.
كم كان عمرك تقريباً؟
كنت في الثامنة تقريباً، أخرجت من المنزل، وكان الوقت في آخر النهار، تجري في الشوارع وهي على هذا الحال،ولها ولد من زوج سابق، أحس بالعار وأخذ يرميها بالحجارة وهي تهرب لتلوذ بنفسها، غابت عن الأنظار، وأنا أنظر إلى المشهد، كيف أن أبنها الكبير يصرخ ويبكي ويرميها بالأحجار، إلى أن أوت إلى احدى القرى، ظل هذا الانطباع مؤثراً على نفسي دائماً، على اعتبار أن في الشريعة الإسلامية إذا زنت المرأة ترمى بالحجارة حتى تموت، هذا إذا كانت متزوجة، أما إذا كانت بكراً، فيكتفى بالجلد، تجلد مائة جلدة.
والرجل ماذا يفعلون به؟
والرجل كذلك، إذا كان بكراً يجلد مائة ويغرب عن البلد عاماً كاملاً حتى تطمس جريمته من ذاكرة الناس، ثم يعود بعد عام، هذا أصل الشريعة، وإن كان محصناً يرمى بالحجارة حتى يموت، مثله مثل المرأة، وفي القرآن سورة كاملة عن هذا ، يعاني المسلمون عذاباً كثيراً:” الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة”، هذا إذا كان بكراً، أثرت في مشاهدة هذا المنظر تأثيراً كبيراً، وكنت دائماً أتذكره، وأتذكر طبيعة المجتمع، مع أن في الأحاديث “من ستر مسلماً ستره الله” حتى أنهم كانوا يأتون إلى النبي، كما يروى في الأحاديث، يعترفون بسيئة فيحملهم على الإنكار، مثلاً يأتي الرجل فيقول له أني زنيت يا رسول الله ،فيقول لعلك قبلت، لعلك لامست، لماذا ؟
أدرأوا الحدود بالشبهات، ولو بأقل شبهة، يكفي أن تدرأ عنها الحالة، كان أساس التشريع رحيما،ولكن جاء الفقهاء المتشددون الجامدون، الذين ما فقهوا سرّ التشريع ، فاكتفوا بالنص وعاملوا الناس على هذا الأساس حتى وجدت نفرة من الدين عند الكثيرين وتركوا دينهم كله نفوراً من إرهاب الجامدين،ولهذا يقال إن الإسلام ضاع بين الجامد والجاحد، الذي ينبذه نهائياً والذي يتشدد فيه إلى النهاية، بهذا ضاع الأساس، فكان هذا من الأشياء المؤثرة التي تعطي صورة عن المجتمع كيف يصنع بالإنسان إذا زل أو أخطأ، لا يرق الابن لأبيه ولا لأمه، فتحدث هذه المعاملة، على الرغم من أن المرأة التي شاهدتها كانت تستحق الإسعاف والعلاج، دخلوا مباشرة عقب الولادة وإذا هي مغسولة بالدماء والأرض كذلك، وهم يستنطقونها فقط عمن أتاها، فكانت هذه إحدى القصص التي أثرت في نفسي.
حدث هذا بعد جلاء الأتراك عن اليمن وتولي الإمام السلطة، وكان المفروض أن الإمام إمام الزيدية، وقد كان الشافعية خاضعين للأتراك،وبعد انسحاب الأتراك تعرضوا للسخط الشديد من الإمام، بإعتبار أنهم كانوا موالين لدولة عدوة وأجنبية، فكان يبعث إليهم الجنود “ سبق أن تحدثنا عنهم” ، وكان هؤلاء الجنود يقتحمون المنازل، فتكون المرأة مغلقة للباب ولكنهم يقرعونه بأعقاب بنادقهم ليدخلوا على النساء، فمن جملة البيوت بيت محمد حجاب، جاء هذا الرجل والعسكر قد دخلوا بيته وكاد يغمى عليه، فهرب وترك البيت والبلد إلى عدن، هاجر من كثرة عبث الجنود، وهذا المشهد كنت أشهده أنا أيضاً، وأنا أقرأ في المعلامة عند الفقيه، كانت هذه العملية تحدث في نفس القرية التي كنا نقرأ فيها، كان الجنود يوزعون على القرى، إذ ليس عندهم سكن، يخرجون النساء من البيوت ويأوون في بيوت الفلاحين ويعتدون على المواشي ويقترفون غير ذلك من الأعمال، كثيراً ما كانت تحدث في القرى مثل هذه الأحداث، فيهجر الناس القرى ويتركون النساء تحت رحمة الجنود لخدمتهم، ولهذا ازدادت هجرة اليمنيين إلى عدن وإلى الحبشة والسودان من آثار هذه العمليات.
أما قصة عمي عبدالوهاب فقد كان من أيام الأتراك حاكماً على منطقة الحجرية، المنطقة التي نعيش فيها نحن، فلما جاء الإمام ليقضي على كل الرؤوس التي كانت موجودة في تعز وفي الحجرية وفي العدين منذ عهد الأتراك، استدعوا هؤلاء جميعاً إلى مركز اللواء في تعز، إلى نائب الإمام الذي كان علي الوزير استدعاهم جميعهم إليه على أساس أن يتفاهم معهم حول الضرائب التي ستدفع من الأهالي، وفي طريقة توزيع الجيش،ليأخذ كل مسؤول مجموعة من الجيش معه وأخيراً أشاع أنهم تآمروا لقتله، فألقى القبض عليهم وهم في البيوت في مركز لواء تعز “ في مدينة تعز”،وكانوا كلهم وجوه البلد، وبعد أن ألقى القبض عليهم وكبلهم بالقيود،أرسلوا إلى صنعاء إلى الإمام، على اعتبار أن هؤلاء يريدون أن يقوموا بانقلاب لاغتياله لكي يستولوا على البلاد مرة أخرى ويأتون بالأتراك، مع أن حكم الأتراك قد زال، وأرسل بعد هذه العملية من يصادر كل ما في بيوتهم.
فجاء مجموعة من الجنود إلى قريتنا وكان والدي موجوداً،وكان الإرهاب شديداً فلما وصلت مجموعة الجنود جاءوا ببعض الفلاحين وبعض الخدم الذين كانوا تابعين للعم، ليدخلوا معهم إلى البيوت لأخذ ما فيها، ماذا يفعل الناس ؟
أخرجوهم من البيوت لكي تبقى مركزاً ومسكناً للجنود، ثم أخذوا كل ما في البيوت من أثاث حتى الحصير، وأخرجوا النساء جميعاً ،ونقل هذا الأثاث كله على الجمال، فبقيت هذه العائلة طيلة سنين تعاني، الأب معتقل في صنعاء والنساء دون أية نفقة، وكل أموالهم مصادرة، فكانت هذه أيضاً من العوامل التي طبعت في الإنسان روح السخط على النظام الذي يحكم في بلادنا، والمجتمع الذي لا يوجد فيه روح التأثر ولا روح الإحساس ومجتمع متبلد الأحاسيس تبلداً عظيماً، أولاً بسبب الجهل ثم الفقر، هذا يقطع قطعة زجاج،وآخر يخلع النافذة، وذاك يأخذ حصيرة، حالة يرثى لها.
هل سمعتم بالجن؟ الجن لا يراهم الناس، توجد سورة في القران في سورة الجن وقد جاءوا إلى النبي “وهم يرونكم من حيث لا ترونهم” هم يروننا ويعيشون معنا ويتخللون البيوت ولكننا لا نراهم، لا يزال هذا المفهوم منتشراً في اليمن، حتى أن الطفل لا يزال يخاف أن يمشي لوحده خوفاً من أن يخطفه الجن، وحتى أن النساء عندما يصاب بعض أبنائهن بمرض يقلن إن الجن سكنوا رأسه، فما علاج هذا ؟
يحمل الطفل إلى قبر من القبور المشهورة للأولياء، يوجد رجال صالحون عرفوا بالتقوى، هناك يستشفى على القبور حيث يجلبوا الطفل ويجلبون معه ثوراً أو كبشاً.
إذا كان فقيراً يكتفى بكبش، وإن كان غنياً فيأخذ ثوراً، يضعون الثور والولد المصاب بالمرض على القبر ويذبح الثور،فيخرج الجني من رأس الطفل ليلحق الدم ويكون في هذا شفاؤه، يشفى الولد من هذا المرض، وأحياناً قد تصاب المرأة بشيء من هذا، مثلاً عندما تلد المرأة ما هو علاجها،يعطونها شيئاً من الأعشاب مع القهوة ويسمى الزعتر،تغلي وتشربها المرأة لتعالج نفسها، ولكن أحياناً تصاب بمرض في أعصابها من الجوع وسوء الغذاء فماذا يفعلون؟ يطوفون بالكبش على رأسها سبع مرات ثم بعد الطوفان يذبح الكبش ويغلقون الباب عليها هي والكبش حتى يخرج الجني ويلحق بدم الكبش، ثم يدخلون ويجدون أن الدم قد اختفى، فيعتقدون أن الجني قد خرج ولعقه، ولكن في الحقيقة يكون الدم قد جف على الأرض، هذه أيضاً من وسائل الطب الشعبي في اليمن، كذلك يوجد طب الكي بالنار واستعمال الإهليج،نوع من الأعشاب يغلى ويشرب، ثم توجد الشربة وغير ذلك من الطرق، إنما كلها طرق طبية بلدية لا تزال موجودة حتى الآن، عندما يصاب أحد بطلقة نارية أو برصاصة، ينتزعونها بأن يغمس الشخص في السليق، يفورون عصير الكركر ثم يوضع فيه نوع من النيل الأسود، ويغطس الشخص فيه عدة مرات، ويظلون يضغطون على هذه الدهانات حتى يسهل سقوطها، وبعد أيام يستطيعون نزع الرصاصة،هذه طريقة من طرق الطب الذي كان منتشراُ،وكذلك يوجد نوع من البخور يسمى الفارقة الذي يطرد الجن، عند الغروب، يحرقون هذا البخور لتنفير الجن،فكنا نحن نتخوف من أن نمشي وحدنا في الطريق لئلا يخطفنا الجن، أو أن ننام في الظلام حتى لا يأتي من يمسكنا أو يقبض علينا، هذه كلها تهاويل تصنع في نفس الإنسان مخاوف كثيرة، ويظل بعض الأهالي حتى الكبار منهم يستشفون على القبور إذا أصيبوا بأي مرض، أو يغتسلون بالماء الراكد حول قبر من قبور الأولياء، والذي يكون عرضة للأوساخ ولكنهم يتبركون بها،هذه من الأشياء التي لا يزال لها آثار في الكثير من القرى ولم يبق منها إلا الشيء البسيط في المدن،لأن تغييراً كبيراً قد حدث في اليمن، فبدأوا يستعملون الإبر والأدوية، بعض الناس لم يعودوا يعتقدون بها ولا يقتدون،وقد كان بعض الأشخاص يكتب آية من القرآن في فنجان ليصب عليها الماء ويشرب، وهذا من العلاج الذي يعطى للمرأة بعد الولادة، كان هذا جزء من الطب الشعبي.
وعن التعليم عندما كنت أعلّم على الأسلوب القديم، كنت أكلفهم بأن يحفظوا بعض المتون التي تحفظ وكأنها رطانة أجنبية بالنسبة للطالب، فهو لا يفهمها ولكن عليه أن يحفظها غيباً، وإذا لم يحفظها عن ظهر قلب يضرب، فمحمد ابني ممن ضرب لعدم حفظ ألفية ابن مالك، ضربته لأنني كلفته بحفظ الألفية التي تجمع قواعد نحو اللغة العربية كلها، وتقول في مقدمتها:
واستعين الله في الألفية
مقاصد النحو بها محوية
إنها سهلة لتعليم الإنسان نحو اللغة العربية لكن عليه أن يحفظها غيباً:
من كم بيت تتألف؟
من ألف بيت، لكل قاعدة من قواعد النحو باب، مثل باب الإعراب، وباب المبتدأ، وباب الخبر، وكلها نظم قديم ليس فيه ما يلّذ، وأسلوبها الأدبي لا يشوّق القارئ للقراءة، وإنما عبارة عن معلومات منظومة.
كم كان عمر محمد عندما فرضت عليه حفظ الألفية غيباً؟
كان عمره 11 سنة، والمفروض عليه أن يحفظ غيباً ألف بيت، هذا في النحو، وعليه أن يحفظ غيباً أيضاً مثلها في الفقه، هو مجموع متن “ الزبد” ومثلها في التوحيد في الكلام عن صفات الله، فتجتمع عنده حوالي ثمانية متون، كل متن في فن من الفنون، ولكن كنا نكتفي بالحفظ، فلا نتذوق اللغة العربية تذوقاً حقيقياً، ولا نطبق قواعد القراءة، المهم أن الطالب يدرس النحو، كذلك يجب أن يحفظ منظومة في تقسيم المواريث، وفي المعاملات وفي النكاح، في أبواب الشريعة،فلا بد من حفظ هذه الأشياء، وكلها عبارة عن متون تطبع ويغيبها الطلاب، كانت تطبع في مصر، وكان التعليم على الأسلوب القديم كله، يكتفي بمجرد الحفظ، تحشى أذن الطلاب حشوا لا يفهم معناه، لهذا كان أكثر الطلبة يهربون من التعليم، فمحمد أيضاً ممن أصابه هذا الأمر، جاءني ذات مرة زميلي الزبيري، وقال لي :” يا رجل أضحك، أبنك محمد قال والله إن ألفية ابن مالك لو قذفنا بها ألمانيا لأخضعناها قبل أن يخضعها الحلفاء “أثناء الحرب العالمية الثانية”،لذلك رفعنا عنه ألفية ابن مالك.
وكان أسلوب التعليم الضرب،كان الإنسان يرث بعض القسوة التي تعلمها من المعلامة، وبدوافع مخلصة، فمن الموروث قولهم “لولا المربي ما عرفت ربي”،و”العصا لمن عصى المعلم”.
كان أبي كثير الحرص على أداء الشعائر الدينية، يقوم لأداء صلاة الفجر في منتصف الليل، وكان يهوي على من لا يقوم من الأخوة لأدائها معه بالعصا وهم نائمون، ثم يصب عليهم الماء البارد، كنت أنا أصغرهم سناً وأخاف من هذه المناظر فأنام مذعوراً، وأقوم قبلهم فيعجب والدي بوجودي إلى جانبه، أما أنا فلا أفهم شيئاً،وإنما أصلي بدافع الخوف منه، وأحضر المسجد معه، ويكلفني بالذهاب لإيقاظهم ،أذهب وهم مستغرقون في النوم،البعض منهم كانوا قد تزوجوا وأنا صغير.
متزوجون ويعيشون سوية؟
نعم، كان المتزوج يسكن في إحدى غرف البيت، كل واحد مع زوجته وأولاده إذا كان عنده أولاد،كنا نعيش في دار واحد تحت رحمة الأب، ولا يجرؤ الولد أن يخرج عن سلطة أبيه، فيظلون كأنهم أطفالاً تحت رعاية الأب كما ترون محمد مع أولاده، فكان يحدث في نفوس الأخوة شيء ضدي فأرهبهم، كنت أرهبهم لأني أصغرهم،فكنت أظل بجانب والدي في الليل ليوقظني، أحمل له السراج خوفاً وليس محبة ولا رغبة، إنما بدوافع الخوف، فكان أكثر الإخوة مسلّطين علي لأنني أصغرهم كما قلت والصغير في اليمن يجب أن يخضع للكبير ولو كان أكبر منه بسنة واحدة، الكبير يؤدب الصغير، وليس للصغير الحق في الكلام،وحتى لو ذهب إلى الأب ليشتكي، يرد عليه أبوه بالقول: “أخوك أكبر منك،يجب أن لا تشتكيه”.
وكانت هذه عوامل تدفعني للخلاص من هذا الطغيان الكبير، طغيان الأسرة، لا قيمة للحياة مع الزوجة ،كان الإنسان منصرفاً للعلم.
مالذة الخمر والحلوى ولا الطراب
ولا عناق الغواني
كلذتي في اتخاذ العلم أجمعه
من المحابر والأقلام، في الكتب
ما قيمة المرأة، ما قيمة الولد، ما قيمة الدنيا دون أن تأخذ الكتاب وتلقى الله تعالى.
إن طالب العلم أفضل عند الله من ألف عابد، حتى أن الملائكة تفرش أجنحتها له وهو يمشي على الأرض، فطالب علم الدين يرضي الله كثيراً، ومن سخرية بعض الناس أنه رأى بعض الطلاب يجرون ذات يوم فقال لهم إحذروا أن تكسروا أجنحة الملائكة،على اعتبار أنهم طلبة العلم، فكانت الزوجة محبة وحريصة وعندها تقدير بأن رجل الدين يصبح له قداسة، فكنا لا نقيم للزوجة أي اعتبا على أساس أنهم جاءوا بها لتخدم، يقول الأب للولد: “نريد أن نزوجك حتى تأتي زوجتك لتساعد أمك”،فكنت مع الانشغال بطلب العلم وحلقات التدريس، لا أدخل إلا للنوم، وعلي أن استيقظ في منتصف الليل وأوقظها لتقوم وتعد القهوة والطعام للذين يتعلمون عندي، وكانت تتحمل هذا وتخرج إلى باب المسجد لتعطينا ما أعدّت، وذات يوم وأنا أقرأ الحديث وأقول:” حدثنا أبو هريرة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :رأيت النار فإذا أكثر أهلها النساء”،قيل:لم يا رسول الله ؟ قال:”يكفرن”.
قيل:”أيكفرن بالله؟” قال:”كلا، يكفرن العشير، أي الزوج لو أحسنت إلى إحداهن مدى الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت ما رأيت منك قط” فسمعت الزوجة الحديث”.
وأخذت تعاتبني،قلت لها: “هذا حديث الرسول،وليس أنا الذي قلته”.
وكانت كلما طلبنا شيئاً قالت ما حدثنا رسول الله عن أبي هريرة؟ هكذا كانت حياة الزوجة، الرجل نائم في البيت وهي تعمل وتتعب وعليها أن تتحمل كل شيء.
كم كان سنك عندما تزوجت؟
تزوجت ابن اربعة عشر سنة ولكنني ذهبت لطلب العلم، وعندما رجعت كنت في سن العشرين حينما تزوجت الزواج الحقيقي، وكانت هي أيضاً صغيرة السن، فالعادة في اليمن أن يختار الأب أية بنت لابنه ثم يتفق مع والدها وتبقى عند أهلها .
هل ابنك محمد أكبر أولادك؟
له أخت اكبر منه ولكنها لم تعش طويلاً.
“ملاحظة: الصفحات الثمان السابقة التي تتحدث عن ذكريات الطفولة تقطع نص الحديث عن مرحلة الإعداد لمؤتمر حرض والخلافات في العهد الجمهوري، وحرصاً على ترك الأصل كما هو تركت في محلها، ويمكن لمن يقرأ أن يقفز ليواصل قراءة النص”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.