كاتب صحفي: هذه الدولة الخليجية هي الراعي والداعم العسكري لمليشيات الحوثي في اليمن!    انفجار مخزن أسلحة في #مأرب يودي بحياة رجل وفتاة..    حقيقة ما يجري في المنطقة الحرة عدن اليوم    اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة في مستشفى الشفاء بغزة وانتشال جثامين 49 شهيدا    "هدية أمريكية" تُسعف اليمنيين في ظل فشل اجتماع المانحين    دورتموند الألماني يتأهل لنهائي أبطال أوروبا على حساب باريس سان جرمان الفرنسي    تراجع احتياطيات النقد الأجنبي بالصين في أبريل الماضي    فريق شبام (أ) يتوج ببطولة الفقيد أحمد السقاف 3×3 لكرة السلة لأندية وادي حضرموت    الاتحاد الدولي للصحفيين يدين محاولة اغتيال نقيب الصحفيين اليمنيين مميز    الولايات المتحدة تخصص 220 مليون دولار للتمويل الإنساني في اليمن مميز    الوزير البكري: قرار مجلس الوزراء بشأن المدينة الرياضية تأكيد على الاهتمام الحكومي بالرياضة    جماهير البايرن تحمل راية الدعم في شوارع مدريد    هجوم حوثي جديد في خليج عدن بعد إطلاق "الجولة الرابعة" وإعلان أمريكي بشأنه    مدير عام تنمية الشباب يلتقي مؤسسة مظلة    قمة حاسمة بين ريال مدريد وبايرن ميونخ فى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    مورينيو: لقد أخطات برفض البرتغال مقابل البقاء في روما    تستوردها المليشيات.. مبيدات إسرائيلية تفتك بأرواح اليمنيين    الاشتراكي اليمني يدين محاولة اغتيال أمين عام نقابة الصحفيين اليمنيين ويدعو لإجراء تحقيق شفاف مميز    عصابة معين لجان قهر الموظفين    لماذا تقمع الحكومة الأمريكية مظاهرات الطلبة ضد إسرائيل؟    مقتل مواطن برصاص عصابة حوثية في إب    الحكومة الشرعية توجه ضربة موجعة لقطاع الاتصالات الخاضع للحوثيين.. وأنباء عن انقطاع كابل الإنترنت في البحر الأحمر    استشهاد وإصابة 160 فلسطينيا جراء قصف مكثف على رفح خلال 24 ساعة    سيتم اقتلاعكم عما قريب.. مسؤول محلي يكشف عن الرد القادم على انتهاكات الحوثيين في تهامة    تحديث جديد لأسعار صرف العملات الأجنبية في اليمن    رغم إصابته بالزهايمر.. الزعيم ''عادل إمام'' يعود إلى الواجهة بقوة ويظهر في السعودية    إغلاق مركز تجاري بالعاصمة صنعاء بعد انتحار أحد موظفيه بظروف غامضة    محاولة اغتيال لشيخ حضرمي داعم للقضية الجنوبية والمجلس الانتقالي    الحزب الاشتراكي اليمني سيجر الجنوبيين للعداء مرة أخرى مع المحور العربي    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    ذمار: أهالي المدينة يعانون من طفح المجاري وتكدس القمامة وانتشار الأوبئة    نيمار يساهم في اغاثة المتضررين من الفيضانات في البرازيل    زنجبار أبين تُودّع أربعة مجرمين... درس قاسٍ لمن تسول له نفسه المساس بأمن المجتمع    اتفاق قبلي يخمد نيران الفتنة في الحد بيافع(وثيقة)    قصة غريبة وعجيبة...باع محله الذي يساوي الملايين ب15 الف ريال لشراء سيارة للقيام بهذا الامر بقلب صنعاء    شبكة تزوير "مائة دولار" تُثير الذعر بين التجار والصرافين... الأجهزة الأمنية تُنقذ الموقف في المهرة    وداعاً صديقي المناضل محسن بن فريد    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    أبو زرعه المحرّمي يلتقي قيادة وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل    فرقاطة إيطالية تصد هجوماً للحوثيين وتسقط طائرة مسيرة في خليج عدن مميز    هل السلام ضرورة سعودية أم إسرائيلية؟    طلاب تعز.. والامتحان الصعب    الهلال يهزم الأهلي ويقترب من التتويج بطلا للدوري السعودي    دار الأوبرا القطرية تستضيف حفلة ''نغم يمني في الدوحة'' (فيديو)    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    البدعة و الترفيه    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة حياته الثقافية والسياسية
مذكرات أحمد محمد نعمان
نشر في الجمهورية يوم 06 - 03 - 2010

روح التعصب المذهبي كانت مسيطرة على الكثيرين ونشبت صدامات وطردت الفسيل من الجلسة
أما إبراهيم فقد كان بارعاً في التمويه، وكان ذكياً يجيد التمثيل، فأدعى المرض الشديد وتفاهم مع طبيب إيطالي على أن ينصح الإمام بأن يسارع بإرساله إلى اسمرا للعلاج، ويشعره بالخطر الذي سيلحق بولده إذا تأخر، وأياً كان الإمام يحيى قاسياً فإن قلب الأبوة يقف مع الولد،وحالاً وافق على سفره وأن يرافقه ذلك الطبيب الإيطالي وسكرتيره الخاص الأستاذ أحمد البراق الذي كان له دوراً كبيراً في إقناع الأمير، كما أن السيد أحمد المطاع وأخوه محمد المطاع، وهما القائمان بنشاط في صنعاء وصلتنا عنهما قائمة، كانا على صلة بالبراق سكرتير الأمير إبراهيم، وبالأمير إبراهيم نفسه وإخوته، وهما اللذان كتبا إلينا يستشيران في إمكان لحاق الأمير وإخوانه بنا، ويسألان عن مدى الفائدة وإمكانية الإنفاق عليهم، وقد فرحنا ورحبنا بذلك أعظم ترحيب، وتم خروج الأمير إلى أسمرا وكتب لنا وهو هناك وأكمل بذكائه دور التمثيل، وأراد الاحتياط لنفسه قبل أن يعلن انضمامه للأحرار، فقرر مجرد المرور بعدن حيث كانت مركزاً للأحرار، واتصل بسلطان لحج يشعره بالمرور إلى عدن، فيسر السلطان السبيل، واتصل بالسلطات الانكليزية فاستقبل رسمياً ونزل في قصر السلطان ضيفاً مكرماً بعد أن كان قد قام بزيارة إلى أديس أبابا وقابل الإمبراطوار هيلاسلاسي، وبعد وصوله إلى عدن تشعبت آراؤنا واختلفت، وارتاب بعض إخواننا من أبناء اليمن الأسفل في نوايا الأمير، واتصلوا بي سراً وحضواً على عدم التورط أو الالتزام للأمير بشيء حتى نتعرف عليه ونعرف اتجاهه وتصميمه على البقاء معنا، فربما كان مدسوساً على الأحرار من أبيه، وقد تم التعارف واطمأنت النفس إلى صدق الأمير وسخطه على السياسة التي ينتهجها والده وإخوته ورغبته الحقيقية في تغيير الأوضاع، وعدم حرصه على السلطة وما من شك أن الباعث الأول للسخط حرمانه من حريته الشخصية، ومن تحقيق رغباته الشخصية، وربما رأى كما رأى غيره أن تحقيق الحرية الشخصية للمرء والرغبات والمطامح لا يمكن أن تتم إلا عن طريق مطالبته بالحرية لكل فرد والسعادة لكل فرد، لأنه سيجد الأنصار والتأييد والعطف إذا طالب للآخرين بالحقوق المشروعة وأعلن سخطه على ما ينزل بهم من ظلم، ويكسب في الوقت نفسه حقوقه من خلال مطالبته بحقوق الآخرين، ويمنع الظلم عن نفسه بدفاعه عن المظلومين، وبعد قضاء الأمير إبراهيم ثلاثة أيام ضيفاً إلى صفوف الأحرار وموافقته على ذلك، وجدنا من الإنصاف له والاستفادة الكبرى من انضمامه أن نجعله محل تكريم وإعزاز، وأن ننزله منزلاً كريماً بين المواطنين، وقد رحب المواطنون أعظم ترحيب، وأقاموا له حفلة تكريم في فندق “إحسان الله” وألقيت الكلمة المناسبة للترحيب به، فأعلن في نفس الحفلة انضمامه إلى صفوف الأحرار بكلمة ألقاها، وبيان صدر عنه، ونشرت الكلمة والبيان في صحيفة “صوت اليمن” وأحدث انضمامه دوياً هائلاً في الداخل والخارج، وكسبت حركة الأحرار قوة وانتصاراً وثقة، وقطعت شوطاً ما كان لها أن تقطعه خلال عشر سنوات، وتوثقت الصلة بيني وبينه إلى حد بعيد، فقد كان صريحاً واضحاً صادق اللهجة، متحرراً من روح الأنانية والاستبداد تحرراً جعل الآخرين الذين لا يعرفونه حق المعرفة يتهمونه بالضعف والجهل والغباء، وأنه مسير لا مخير، وأعظم ما جعلني أثق به أن بعض الحاقدين أرادوا أن يفسدوا العلاقة بيني وبينه ويشككوه في أمري، ويثيروا سخطه، فقالوا له: إن النعمان مستأثر بشؤون الجمعية وأموالها وأسرارها والمرتبطين بها، وأنت مجرد زعيم للجمعية لا تعرف من شؤونها شيئاً، ولا تعرف أحداً من أعضائها، فقال لهم: بالله عليكم لو لم يكن نعمان في عدن وله مكانته عند القوم أهل بلده، هل كان أحد يقوم مقامه في عدن؟ من الذي سيستقبلنا فيها أو ينزلنا بهذا الدار، ويهيئ وسائل العمل لنشر القضية في صحيفة ومطبعة ونفقة للعاملين المتفرغين؟ ولما أسكتهم بهذا المنطق، ركزوا على إقناعه بأن يكون هو وحده زعيماً للجمعية مطلعاً على كل شيء، واقترحوا عليه أن يدعوني إليه ويطلب مني المعلومات عن مالية الجمعية وأعضائها والمشتركين فيها والمراسلين والرسائل إلى غير ذلك، وأظهروا له أنهم فقط خائفون فيما لو حدث للأستاذ نعمان أي حادث وأنهم يشاركونه التقدير لنعمان والاعتراف له بالوطنية والإخلاص، ففوجئت وأنا في المطبعة كما كنت دائماً ملازماً لها أشرف عليها وعلى طبع الصحيفة وتصحيحها واستقبل في مكتبها الزائرين، فوجئت بالأستاذ الزبيري زميلي وأخي، والأستاذ البراق سكرتير الأمير يطلبان إلي أن أقابل إبراهيم، فقلت لهم: بعد الفراغ من عملي سأذهب، فقال الزبيري” دع العمل فإن الأمير غضبان، وربما يأتي بنفسه ويلبجك واللبج في اللغة العامية في اليمن معناه الضرب، فلم أتمالك نفسي من أن أرد عليه بأني لست عبداً له ولا لأبيه حتى يلبجني وأنا لم أترك اليمن وأضحي بكل عزيز علي من مال وأهل وأولاد لكي ألقى الهوان والذل على يد الأمير أو غيره، فانصرف الزبيري مع البراق دون أية كلمة، وماهي إلا لحظات حتى عاد الأستاذ الزبيري لوحده وكاشفني بما دار عند الأمير وأنه أعجب بردي عليه أمام سكرتير الأمير الذي كان ممن صدق أولئك الحاقدين وحاول التأثير على الأمير، وقال لي: لم أقل لك ما قلت إلا ليعرف البراق أني لم أكن متواطئاً معك كما اتهموني؟ وقال لي: إن الأمير تولى الدفاع عنك بما لا يمكن أن تدافع به أنت عن نفسك، ومن رأيي أن تزور الأمير وتسمع ما عنده من حديث، وقد زرت الأمير ووجدت عنده الفسيل، أحد هؤلاء الدساسين ، فقلت له: تفضل بالخروج فإن عندي حديثاً خاصاً مع الأمير، فحاول أن يبقى، ولكنني أصررت على خروجه فخرج، وبدأت الحديث مع الأمير فأثار ما دار بينه وبين أولئك وطالبني بأسماء أعضاء الجمعية وقال: لا يمكن أن أكون زعيماً في جمعية لا أعرف أعضاءها، وأنا واثق منك ولكن نخشى أن تتعرض لحادث وكل شيء مسجل بأسمك، المطبعة والصحيفة ومقر الجميعة وحتى السيارة التي أستقلها بالإضافة إلى مالية الجمعية، قلت له: إن هذه أسرار وإني مؤتمن عليها لا يمكن أن أبوح بها لأحد ولا أعرض أي مواطن لضرر أو أذى والذين يحرضون يعرفون كل شيء، قال: ولماذا لا تطلع زملاءك؟ قلت له: هؤلاء ليسوا مكافحين ولكنهم مرتزقة، قال: والأستاذ الزبيري قلت له: كذلك قال وأنا قلت وأنت وكانت هذه مني في حالة انفعال فقدت معه الصواب، فصمت رحمه الله ولم يقل سوى هذه الكلمة لا رحم الله الإمام الذي اضطرنا لمواجهة هذه المواقف وقد ندمت أشد الندم وشعرت بغلطة كبرى، وجمدت على المقعد الذي أنا فيه كأنني كنت مشدوداً إليه بحبال وثيقة، وثقل لساني ولم أنطق بكلمة من شدة الخجل والندم، ولم أرفع رأسي لأنظر بعيني في وجه الأمير، وقد حضر خادم الأمير كأنه ينقذنا من سبات عميق، وقال: إن مائدة الطعام أعدتها العائلة لكما منذ ساعة، وقد برد كل شيء فأخذ الأمير بيدي وانتقلنا إلى المائدة وجلسنا عليها لا يتكلم أحد منا، وما كان أنبله حينما قال لي: يا هذا لننس هذه الجلسة اللعينة البغيضة، ولنعد لصفائنا وثقة كل واحد بأخيه، ولعن الله المفسد وأرجو أن تعتبر كل شيء كأنه لم يكن، فتهلل وجهي وزال عني الحرج، وأقبلت عليه بكل مشاعري وهذه هي الفجوة الوحيدة التي قامت بيني وبينه رحمه الله.
أما معرفته بانتقال العرش من أسرته فقد كان قبيل الأحداث، وكنا نعتمد على سكرتيره البراق ليبلغه بما ينبغي تبليغه إياه، وكان يثق بالبراق ويجمع الناس، ولم يبد دهشة حين عرف بالأمر، فقد كان هو والكثيرون من أخوته يشعرون بالنهاية، وكان خوفهم شديداً من أخيهم ولي العهد آنذاك الإمام أحمد فيما بعد، فقد كان لقبه أحمد يا جناه، وكان يخيفهم وربما كانوا يطمعون بولاية غيره ليؤمنوا الخير لأنفسهم لم يوجد أي صدام بيني وبين الأمير إبراهيم ولا توجد عنده روح المنافسة، والصدام الوحيد الذي حدث بيننا هو ما سبق ذكره آنفاً.
هل كان للمصادمات في عدن أثر على العلاقات بالزملاء في مصر وهل كان لديهم علم بذلك؟ وكيف بدأت هذه المصادمات وكيف تطورت وإلى أي حد وصلت؟
{ كانت روح التعصب المذهبي مسيطرة على الكثيرين، وكذلك روح القبلية، وقد كان السخط مركزاً علي وحدي دون زميلي الزبيري، فالمنتمون إلى الزيدية والقبليون من الشافعية تعاونوا معاً وعملوا على استمالة الزبيري إلى صفهم، وبعثوا برسائل إلى الإخوان في القاهرة يشنون فيها حملة علي، ولقيت هذه الحملة هوى لدى بعض الذين في القاهرة، ولكن لثقتهم بالزبيري طلبوا منه أن يشرح لهم الحقيقة فشرحها لهم شرحاً مقنعاً، فلم يبق أثر في نفوس الإخوان في القاهرة، واستمرت الصلة بيننا وبينهم وثيقة، أما كيف بدأت المصادمة في عدن ثم كيف تطورت وإلى أي حد بلغت؟ فقد سبق تفصيل ذلك في الإجابة على سؤال سابق.
كيف صيغ الميثاق الوطني المقدس؟ وهل دارت مناقشات بين صنعاء وعدن حوله؟
{ صاغ الميثاق الوطني المقدس الفضيل الورتلاني وتدارسه مع السيد عبدالله الوزير وبعض الإخوة في صنعاء والقاهرة مثل الشيخ محمد صالح المسمري، وأحمد الحورش ومحيي الدين العنسي، وقد قتل هؤلاء بسيف الإمام أحمد عام 1948م وبعض جماعة الإخوان المسلمين، ونسخة القاضي عبدالسلام صبره بقلمه، وتوجد بعض الكلمات مصححة بقلم السيد عبدالله الوزير الذي كان خلفاً للإمام يحيى، وإبدال بعض الأسماء أيضاًَ، ورشح في هذا الميثاق الفضيل الورتلاني ليكون مستشاراً للدولة، وأرسل الميثاق إلى الخادم غالب ليسلمه إلي وإلى القاضي محمد محمود الزبيري فقط، وقد دعاني الخادم رحمه الله إلى منزله بمفردي، وأطلعني على الميثاق وعلى التعليمات بحصر الموضوع بيني وبينه وبين الأستاذ الزبيري، فقلت له: “من الرأي ألا يعرض على الأستاذ الزبيري لأنه لن يتمالك نفسه من الفرح بأن القوم جادون في الأمر بصنعاء وأنهم قد اتخذوا الترتيبات واعدوا العدة للقيام بحركة تطيح بالإمام يحيى ونظام حكمه ماداموا قد صاغوا هذا الميثاق وأعلنوا عن البديل وعن قيام حكم الشورى، وقلت للخادم: “أنا خبير بالزبيري سيعتبر كتمان هذا الأمر عن بقية الإخوان خيانة وطنية وجريمة لا تغتفر، إنه طيب القلب، مسرف في حسن الظن، سريع التصديق، وأنا أريد الاحتياط والحذر من أن ينتشر هذا السر فتكون الطامة على الذين رشحوا للحكم وصاغوا الميثاق وسجلت أسماؤهم فيه، لكن الخادم كان هو الآخر متزمتاً يرى أن عدم إحاطة الزبيري خيانة للأمانة التي كلف بها، وصمم على إطلاعه، قلت له: “لاتسارع في ذلك”، ولم تدر أية مناقشة في عدن لهذا الميثاق غير الاعتراف بعدم الإنصاف في توزيع المناصب بين الشافعية والزيدية، وقد قال لي الأستاذ الزبيري: “ينبغي أن لاتأتي الإشارة إلى هذا منك، دعني أقوم بذلك” وفعلاً بعث برسالة يعلن فيها معارضته لهذا التوزيع ويطلب الإنصاف، كانت النسبة ضئيلة جداً، لأنها المرة الأولى التي يشترك فيها الشوافع في السلطه، كانت السلطة كلها بيد الزيدية والشافعية عبارة عن رعية عليهم تسليم الضرائب، فاستشعروا في صنعاء أنهم لو فاجئوا الناس بهذه المساواة لانقلبت الأمور عليهم، لم يكن عدم المساواة في التوزيع عن سوء نية، وقد طلبوا من صنعاء أن لاتطبع سوى عشر نسخ من هذا الميثاق، ولكن اتفقت آراؤنا على طبع مايزيد على ثلاثة آلاف نسخة حتى يصبح العهد الجديد ملتزماً بما أعلنه للناس، وبعد الطبع احتفظنا بالمطبوعات عندنا إلى موعدها، كما أرسلنا بعض النسخ إلى القاهرة لنشرها بعد أن تتحقق الإطاحة بحكم الإمام يحيى، وفجأة سرت إشاعة موت الإمام يحيى، وانتشرت في اليوم الذي كان محدداً للانقلاب، وتلقى الخادم غالب برقية نصها هكذا: “ارسلوا الأعطال”، فهم من هذه الإشارة أن الانقلاب قام ونجح، واتصلت حكومة عدن تسأل بعد هذه الإشاعة وصدقها الجميع ما عدا شخص واحد رفض التصديق ونصح بالتريث، ولكن كان وحده والأغلبية تطالب بإعلان نهاية عهد الإمام يحيى وتوزيع الميثاق الوطني، إلا هذا الشخص، وهو أنا، الذي عارض معارضة شديدة، ولكن الجنون بلغ القمة ولم يصغ أحد لصوتي، فانسحبت إلى منزلي وتركتهم يوزعون الميثاق ويصيغون البرقيات ويبعثونها لوكالات الأنباء والصحف، لم يطلع صباح اليوم الثاني إلا وقد صدر تكذيب للإشاعة وثبت عدم صحتها، وقد نشرت صحيفة الإخوان المسلمين في القاهرة الميثاق في صفحاتها الاولى وأسماء أعضاء الحكومة الجديدة، واسم الإمام الجديد، فبهت الذين في صنعاء من هول الصدمة، وكان أول المسارعين إلى التكذيب السيد عبدالله الوزير وأصبح مركز الأحرار في عدن في خطر، أما الإخوان في القاهرة فقالوا إنها هزيمة الخمسين عاماً، ولزم المتحمسون للإشاعة ولنشر الميثاق منازلهم ولم يجرؤ على الظهور من شدة الخجل، أما الخادم غالب فغضب وأوسع شتماً وسباً، قلت له: يداك أو كلتا وفوك نفخ، إنك لم تسمع ولم تع، وهونت عليه الامر، وصغت باسمه برقية إلى السيد عبدالله الوزير وللإمام يحيى ولولي العهد، نصرف بها الخطر عمن في الداخل، ونلقب الأحرار بالسفهاء الحاقدين الذين يريدون توريط الإمام يحيى لإنزال العقوبة بالأبرياء من رجاله، وأن هؤلاء السفهاء الأوغاد عندما أحسوا بعدم جدوى معارضتهم أرادوا أن يمارسوا أسلوب الدس وإضرام نار الفتنة بين جلالة الإمام والمخلصين من رجاله، وإثارة الشكوك والشبهات، ثم عدت في نفس الوقت أهون على أولئك المتشردين وأزورهم في منازلهم وأعاتبهم عتاباً جميلاً من التسرع، ونشرنا مقالاً في “صوت اليمن” تحت عنوان “أحلام الأمس حقائق الغد” مع استطراد ذكر مثل هذه الإشاعات في التاريخ.
مع من كانت أغلب الاتصالات الهامة في صنعاء قبل الانقلاب؟
{ كان السيد أحمد المطاع همزة الوصل بيننا وبين الذين في صنعاء، كما أن الخادم غالب وهو المرتبط بالكثيرين من المسئولين والتجار في صنعاء والحديدة وتعز كان محل ثقة الجميع، والمركز الرئيسي في الاتصالات الهامة.
كيف شكلت حكومة الوزير وماهي في تقديرك أسباب فشله العاجل؟
{ أتفق على تشكيل الحكومة في صنعاء، وروعيت رغبة عبدالله الوزير في اختيار أعضائها حتى يضمنوا انضمامه وقبوله لتحمل المسئولية، فلم يقتنع إلا بعد جهد جهيد وبعد محاولة شاقة عسيرة قام بها الفضيل الورتلاني، وضمن له السلامة وتأييد العرب وسائر دول العالم.
أما أسباب الفشل العاجل فترجع في نظري إلى انهيار أعصاب السيد عبدالله الوزير بعدما علم أن ولي العهد أحمد حياً يرزق، فقد كانت الخطة التي قبل الوزير على أساسها الانضمام للحركة أن ينتهي يحيى وولي العهد أحمد في آن واحد، إذ أن سبب التعجيل بالقضاء على الإمام يحيى كان الخشية من أن تمتد به الحياة إلى أن يصبح ابنه أحمد سيد الموقف مسيطراً على جميع الأمور، غير أن هذه العجلة جاءت بالإمام أحمد وأعطته سلاحاً قوياً للقضاء على خصومه وجمع القبائل والتفافها حوله، وهكذا من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.
قد كان ماكان مما لست أذكره
فالظلم شر ولا تسأل عن الخبر
أنتهى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.