منذ فترات طويلة وحتى الآن لايزال الاعتقاد سائداً أن المياه المعدينة”أو مانسميها الصحية” مياه طبية يمكن شراؤها من الصيدليات بدلاً من البقالات وذلك لما تعارف بين الناس وفي الذات بالقرى البعيدة أن شرب مثل هذه المياه يحافظ على الصحة ومن هذا المفهوم جاءت كلمة صحيّة”أو صحّة”.. وحتى أنني أتذكر أن عجوزاً مسناً في قريتنا كان يشتري قنينة أو قارورة ويظل يشربها لفترة طويلة وكأنها قارورة دواء تشرب على جرعات في حين أن الكثير غير هذا العجوز المسن كان يتباهى بشرب المياه المعدنية بين أصدقائه ويظهر لهم أنه يقوم بفتحها أمامهم وهم في المقيل لكي يغبطونه على هذه النعمة والمكرمة الإلهية التي لاتتوفر إلا في زمزم أو في نهر الكوثر أو الكأس المقدسة عند النصارى.. لكن وللأسف الشديد وبناءً على هذه الثقة العمياء المفرطة بكل منتج مقرطس أو مغلف أو مغلق الغطاء فقد بدأ السباق المحموم على هذه التجارة الرائجة والتي لاتكلف شيئاً وبدأت تظهر المسميات المرتبطة بالماء. لكن هناك مسميات تجارية اشتهرت كمصانع كبيرة تغطي السوق اليمنية كاملة وهذه لايعرف عنها الكثير لكن مايمكن معرفته هو بعض المسميات الصغيرة والخاصة بالمدينة الواحدة والتي تمارس أنشطتها بمجموعة من الوايتات التي لايعلم مافي داخلها إلا الله ومحل أو اثنان يقعان على أي شارع عام ومجموعة من”الدباب” والقناني التي يتم طبع لاصق محلي عليها وكتابة بعض البيانات للأملاح والمعادن ونسبها وبعض العبارات الدعائية كالمعقمة بالأوزون”المخزوق” أو غيرها. الغريب في الأمر أن مثل هذه المحلات التي تبيع الموت في سائل الحياة لاندري ممن أخذت الإذن والتصريح بمزاولتها للمهنة ولاتعرف أيضاً ماهي المعايير المتوافرة والمطلوبة في من يريد أن يفتح مثل هكذا محلات أو مؤسسات لكن العلم عند الله.. أحد المنتجات حين تراه في البقالة تتخيل أنه يخرج من مصنع يشابه مصنع طائرة الإيرباص أو البوينخ ولكنك لو عرفت الحقيقة فلسوف تصاب بالصدمة!! مجموعة من الأطفال الصغار يجلسون في محل صغير ولم يتم تلبيسه ولايملك حتى نوافذ للتهوية والقوارير والدباب متناثرة حولهم وبجوارهم”برميل كبير” وكراتين من اللواصق الورقية والأغطية ثم يقومون بتعبئة المياه وإرسالها بالبريد العاجل إلى البقالات والمحال التجارية لنشربها معتقدين أنها صحية فعلاً ومعقمة بالأوزون وهي معقمة”بالأوزور”.. قد يبدو كلامي متحاملاً على مثل هذه المحال ويعلم الله أني لاأريد قطع رزق أي منهم لكنكم تلاحظون الانتشار الواسع لمثل هذه المحال كما انتشر أصحاب العربيات الذين يبيعون”الشعير” والزبيب بقوارير يتم تجميعها من براميل القمامة ويحلفون بالله أنها ليست من براميل القمامة بل من”دواوين نظيفة” ومعروفة لدى صاحب العربية..”وقلّدهم الله حمّلهم”.. حين تلاحظ هذه العربيات وكيف يتم صنع هذه المشروبات بطريقة بدوية أمامك ومزج عشرات الأنواع من المشروبات الخاصة بالطاقة كما يسمونها وعشرات الألوان والنكهات تسأل نفسك هل هذه الخلطات صحية فعلاً وليس لها تأثير؟ ثم أين طلاب الجامعات العلمية ليقوموا بدراساتهم وبحوثهم حول هذه المخاليط وفوائدها أو أضرارها على الصحة؟! لكن للأسف الشديد فقد بدأ السباق والتنافس على مثل هذه المشروبات لما تلاقيه من رواج وتطور من عربيات إلى محال خاصة وأصبح صاحبوها من أصحاب العلامات التجارية وبدأوا يكتبون أسماءهم على القوارير التي يطلبونها خصيصاً لهذه العملية وبلا مواد حافظة والحافظ الله.. إن على الجهات المعنية والجهات الرقابية الوقوف أمام الله سبحانه وتعالى للحظات ثم التأمل في تراخيص هذه المحال وتلك العربيات المتنقلة وتلك الوايتات التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب فإنا نشرب ونشتري متوكلين على الله وذلك لأنه الموجود ولأن وراءنا مسؤولون عن مثل هذه المسميات سواءٌ كانت كبيرة”كشركات” أم صغيرة كمحال تجارية والأمر سيّان فقد نكون ظلمنا المحال التجارية وغرّتنا المسميات الكبيرة والشركات وهما بنفس الحظ وشأنهما شأن القرصان الذي قبض عليه الاسكندر المقدوني وهو في عرض البحر بقاربه الصغير فسأله الاسكندر: ماالذي حملك على القيام بالقرصنة أيها اللص؟ فأجاب القرصان: أنا أسرق بقارب صغير فأسمى لصاً أما أنت فتسرق بأسطول كبير وتسمى فاتحاً وكذلك الشركات الكبيرة وأصحاب الوايتات فلا فرق بينهما فكل منهما بحاجة إلى رقابة ومعايير وشروط وفحص دوري وعشوائي.. أختم حديثي بأننا نعيش على كنف الله وسبحان الساتر الحافظ وأنصحكم تفطروا بتمرة بدون ماء.. لاصحي ولاغيره..