مذ كنا صغاراً والمعلمون في التعليم الأساسي يشحذون هممنا لتعلم الحساب المتمثل بعمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة وأنه عند جمع عددين أو ضربهما أن نتذكر كم سيبقى في أيدينا عندما ننهي عملية الجمع والضرب وظلوا يكررون علينا مصطلح(الباقي في اليد) وكذلك مصطلحاً آخر عند الطرح عندما يكون العدد الأول للرقم للمكون من أكثر من خانة أصغر من الرقم الأول للرقم الثاني حيث يكون في هذه الحالة علينا (الاستلاف) من أقرب رقم كبير وترسخ في أذهاننا مفهوم (استلاف الواحد) من أقرب رقم... وبرغم كل هذه العمليات وتلك الجهود التي بذلها آباؤنا المصريون وبعدهم اليمنيون وحفظ جدول الضرب بحجميه الصغير والكبير واستخدام القصب للعد إلا أن تلك الجهود ذهبت سدىً حيث أن مادة الرياضيات عند 90 % من طلاب اليمن كانت تستعصي على الفهم منذ مراحلها الأولى وحتى المراحل المتقدمة.. ولهذا فنادراً ما تجد دكاترة في الجامعة يحملون مؤهلات الرياضيات بشكل كبير ومتوفر مقارنة بغيرها من والمواد التربوية والإنسانية... وهذا السجل الحافل بصعوبة الرياضيات والمترسخ لدى أذهان كثير ممن اليمنيين قد انعكس بدوره على واقعنا المعاش وعلى إدارتنا لحياتنا اليومية وأثر ذلك على أسلوب حياتنا المليئة بالأرقام والحسابات.. فنادراً ما تجد شخصاً يمنياً قد وضع له خطة سير وميزانية عمل لتسيير أمور حياته من الناحية المادية وذلك استناداً إلى (إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب) أو (يومك عيدك) أو اليوم خمرُ وغداً أمر ولعلكم تلاحظون أيضاً اللخبطة في الرياضيات وعدم الدقة في الحسابات واضحة جلية في عدد المواليد لدى كثير من الآباء وذلك نضعفهم في مادة الرياضيات في مراحل حياتهم الأولى فتجد شخصاً موظفاً عادياً لديه 7 أولاد وبنت وآخر 7بنات وولد وآخر 4بنات و5عيال و...و..الخ ولا تجد شخصاً لديه رقماً مميزاً سواء كان كبيراً أم صغيراً وهذا لأننا لم نحسب حساب الحياة ومتطلباتها. وكذلك حين يأتي الراتب نهاية كل شهر تكون قائمة الطلبات أكثر من القيمة الإجمالية للراتب وبالتالي نلجأ إلى الاستلاف واحد من أقرب رقم ونسينا رد الباقي في اليد وهكذا يبدو في شتى شئون الحياة المليئة بالأرقام.. ولأن الحياة عبارة عن حسبة وأرقام فتلاحظ حياتنا تخلو من هذه المسائل فلا مواعيد مضبوطة ولا صلوات مضبوطة ولا توجد لدينا قاعدة محددة في طريقة الشراء والبيع والدليل على ذلك ما يسمى (بالمراجلة) أو (المبايعة) حيث أنك تحتار حينما تريد شراء أي شيء كم تكون قيمته الفعلية؟ لعدم وجود آلية موحدة للبيع والشراء وعدم اهتمام بالوقت الذي تأخذه عملية المبايعة.. إنني هنا أراهن إن كان يوجد بيننا رجل واحد يمر عليه العيد مثلاً ولم تفته أو تنقصه حاجة ما سواء له أم لأولاده وبالتالي فقد تكون فاتورة طلبات العيد أكبر من قوة استيعاب الراتب وما جاوره من إكراميات وإضافيات.. وعليه فينبغي أن نقتبس من أبناء التجار الذين انصرفوا للبيع والشراء وعزفوا عن التعليم لأنهم أكثر حفاظاً على الفلوس وعلى الوقت ولأن الثواني محسوبة عندهم ولأن ذاكرتهم الرياضية أنشط من أولادنا ومنا الذين لجأنا إلى التعليم الذهني وأغفلنا الجانب التطبيقي والحياة رياضيات ولو لم تكن كذلك لما جعل يوم للحساب نسأل فيه عن كل صغيرة وكبيرة، ولولا الرياضيات لما كانت كل أوامر الدين من قال كذا.. عشر مرات، مائة مرة، ثلاث وثلاثين،... من الحياة في الأرقام ..فلنعد النظر في الرياضيات وكل عام وأنت بألف ونص خير.