خصوصية المكان التي تبعث في قلبك لذة الخشوع والاطمئنان؛ والآسرة لكل جوارحك وأحاسيسك ؛ والمحرضة على الابتهال ؛ والشرود بعيداً في أعماق التاريخ ؛ ظاهرة تكتنزها الكثير من المناطق اليمنية والمعالم النابضة بالحياة والعديد من المزارات والمدن العابقة بالسكينة والروحانية .. وحيث تبرز اليمن اليوم كمركز هام وملاذ آمن في مجال السياحة، نظراً لما تمتلك من مقومات في تعدد الأنماط السياحية ؛ فإن السياحة الدينية تعد واحدة من أهم الأنماط السياحية ذات الخصوصية والتفرد والمتمثلة بمراقد الأنبياء وتعدد المدارس الدينية وبوجود الكثير من المعالم الإسلامية المعمرة والتي لا تزال حية الى اليوم كالجوامع والمساجد ؛المزارات ؛ الأضرحة ؛ المعابد والمدن المقدسة .. مدارس المعرفة و الإلهام تعدد المدارس الدينية التي تعد مراكز لإشعاع العلم والمعرفة استقطبت أعداداً كبيرة من السياح الوافدين إلى اليمن نظراً لما تمتلكه هذه المدارس من خصوصيات ؛ فمدرسة النظاري في بعدان محافظة إب تمثل مصدراً لإلهام الشعراء والكتاب والفنانين ومدرسة المظفر في تعز ذات التشكيلات والمعالجات المناخية والبيئية في تصميمها البديع؛ والمدرسة الكهارية في زبيد التي ساهمت في ازدهار الحركة العلمية في العصر الرسولي ؛ ومثلت مدرسة العامرية في رداع محافظه البيضاء على مدى تاريخها الطويل مركز إشعاع علمي وتنويري وتعد المدرسة الشمسية في ذمار واحدة من أهم المعالم الأثرية والإسلامية التي لا تزال عامرة إلى اليوم؛ ومدرسة الاشرفية في تعز والتي توضح للزائرين براعة المعمار اليمني في توزيع عناصر الإنشاء من خلال وضع المئذنتين المتشابهتين ضمن تدرج بصري لانحدار المرتفع الجبلي الذي يحتضن المدرسة والمحقق الاندماج والتكامل لتدرج الارتفاع بينه وبين الطبيعة والعمارة لتمثل سيمفونية بصرية متوازنة من حيث التشكيل والتوزيع وغيرها من الإبداعات فإن كل هذه المدارس في اليمن توضح أساليب الحياة المتطورة الراقية والازدهار العلمي والثقافي في تلك الحقب من تاريخ اليمن العريق .. مراقد الأنبياء وحيث يرقد عدد من الأنبياء؛ كالنبي شعيب؛ صالح ؛ أيوب؛ وهود عليهم السلام فإن خصوصية المكان تمثل نزهة روحانية فريدة لزائريها ولذلك فإن اهتمام الكثير من عشاق زيارة هذه المراقد وإحياء أيام وليالٍ محددة من كل عام يحتفلون فيها ويذبحون الذبائح ويمارسون عادات وتقاليد معينة ؛ كما يحدث عند زيارة قبر النبي هود عليه السلام الواقع شرق مدينة سيئون على سفح جبل الى جهة الشرق من بئر برهوت والذي يغطي قبره قبة ضخمة وتوجد ساحة كبيرة مطلية بالنورة تتسع لجموع الزوار حيث يعد يوم العاشر من شهر “ هود ” شعبان عيد الزوار بالشعب فينحرون الأغنام ويأكلون ألذ المأكولات ويتفننون في طهي أجناس الطعام كما يتم خلال أيام الزياره النزول في بيوت مدينة شعيب المجاورة للمرقد النبوي والتي يملكها الأثرياء والتجار، حيث تستعمل هذه الخدور “ البيوت ” أيام الزيارة فقط - ثم تبقى خالية- وينزل الزوار في هذه الخدور ضيوفاً على أصحابها فيؤمن لهم الطعام والشراب ويحرص بعض أصحاب الخدور على إحياء ليالي الزيارة بفعاليات متنوعة؛ كما يوجد بها أسواق وأماكن للبيع والشراء فإن هذه المراقد تمثل مزارات هامة تستقطب السياح وتعد أماكن هامة لكل من يريد الاستثمار نظراً لما تتميز به هذه الامكنة من مقومات الجذب السياحي .. المدينة المهابة منارة “المحضار” الشاهقة التي تلفت انتباه الزائر لمدينة تريم حضرموت تعد إحدى معالم المدينة التاريخية ذات الفن المعماري الرائع إلى جانب المساجد الكثيرة التي تتزاحم فيها, ونظرا للمكانة الخاصة التي اتسمت بها المدينة في العصر الإسلامي فإن المدينة اليوم تتميز وتشتهر إلى جانب كثرة المساجد بالمكتبات الكثيرة المنتشرة في ارجاء المدينة أهمها مكتبة “الأحقاف” التي يصل عدد مخطوطاتها إلى خمسة آلاف مخطوطة في شتى المعارف, كما تمتاز تريم بتعدد القصور ذات الطرز الفريدة وهي قصور مهابة وخاصة قصر “القبة” وقصر “تريم” وتحيط بها حدائق غناء واسعة, كما تشتهر تريم بتعدد أربطتها العلمية والدينية حيث يقصدها طلبة العلم من مختلف أنحاء العالم الإسلامي وأشهر تلك الأربطة “دار المصطفى”. قدسية الأمكنة تظل الجوامع والمساجد المتناثرة في أرجاء اليمن والمفتوحة للتعبد والزيارات طوال الأيام والتي يعود تشييدها إلى تاريخ حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) كالجامع الكبير في صنعاء الذي يعد اليوم مؤسسة دينية وعلمية هامة ومدرسة معمارية وفنية متكاملة بما يحويه من العناصر المختلفة فضلاً عن دوره العظيم منذ دخول اليمنيين الإسلام وحتى اليوم. وإلى جانب كون الجامع الكبير يعد إحدى منارات العلم الشامخة في اليمن, فإن تعدد هذه المنابر ذات القدسية والمكانة الروحية في قلوب الناس فإنها أيضا تعد مراكز جذب للكثير من الزائرين والسياح والمتمثلة بكل من الجامع الكبير بمدينة زبيد ومسجد قيدان في محافظة المحويت ومسجد العباس في - اسناف خولان -وجامع ذي أشرق في نخلان مأرب ومسجد صرحة في يريم وجامع الإشعاع في مدينة زبيد وجامع الهادي في صعدة وجامع الشاذلي في مدينة المخا ومسجد المحضار في تريم حضرموت وجامع الجند الذي أسسه الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه, وجامع السيدة أروى بنت أحمد الصليحي في أجمل المدن المتدرجة –مدينة جبلة بإب, والتي تمتاز بطيب هوائها وخصوبة أراضيها وجمال عمائرها التي سميت قديما بمدينة النهرين وحيث يعد جامع الملكة الحرة من أهم الآثار الباقية ذات الخصائص المعمارية والفنية المتكاملة والمتمثلة بالعقود المدنية المختلفة الأشكال والأعمدة الحجرية الاسطوانية الشكل وتغطية “البنية” بمصندقات خشبية تزينها مجموعة من التصاميم الزخرفية المنفذة بعناية وإتقان بالإضافة إلى التجويف الخاص بالمحراب الذي تشغل حنيته وواجهته زخارف كتابية لآيات قرآنية كتبت بخط كوفي مورق جميل والمنحوت على جنباته الخشبية زخارف لعناصر نباتية قوامها أشكال متطورة من الرقش العربي “الأرابيسك” فإن زيارة واحدة لهذا الجامع ستوضح للزائر الطرز الفنية الإسلامية المتمثلة في العمارة والفنون والزخرفة المنفذة على الجدران وفي الأعمدة وتيجانها والعقود والمآذن والقباب والمصندقات الخشبية والزخارف المنفذة على المنبر والحجرات والتي نفذت بطابع ذي طرازٍ راقٍ ومتميز. معابد الابتهال عظمة الإنسان اليمني ومستوى تطوره الحضاري منذ القدم ورد ذكرها في الكتب المقدسة وما زالت تحكيها العديد من الشواهد الحية التي شيدت في العاصمة السبئية “مأرب” والمتمثلة بمعبد أوام والذي كان مكاناً مقدساً تمارس فيه العبادات في بداية النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي ؛ كما تشير المصادر التاريخية والأثرية إلى أن معبد أوام هو المعبد الرئيس للإله “المقه” إله الدولة فلذلك كان الناس يحجون إليه من مختلف أنحاء الجزيرة العربية كما أنه كان يتميز بكثير من المميزات المعمارية والهندسية فضلاً عن مكانته الدينية في تلك الحقبة. كما أن مأرب التي ظلت مهداً لحضارة إنسانية عملاقة خلفت آثاراً وشواهد مدهشة كعرش بلقيس والذي يعد اليوم الموقع الأثري الأشهر في اليمن الذي عرف بأعمدته الخمسة و“السادس المكسور” والمتألف من وحدات معمارية متناسقة يتقابل فيها المدخل الرئيس والساحة مع الدرج العالي بشكل يوحي بالروعة والجمال وعظمة المنجز. أضرحة للتبرك قرية تلك أم هي سجادة للصلاة من قصيدة الدكتور عبد العزيز المقالح في تغنيه بقرية يفرس ذات المناظر الطبيعية الخلابة التي يقع فيها ضريح صاحب أشهر الطرق الصوفية الشيخ أحمد بن علوان، حيث يعد الضريح من الآثار الإسلامية المتميزة في طرازها المعماري والزخرفي والمشيد على ربوة مرتفعة منذ العصر الطاهري والذي لا تنقطع عنه الزيارات بشكل يومي ولكن الزيارة المتميزة تأتي في منتصف شهر ربيع الأول من كل عام والمسمى ب“يوم الجمع المبارك” يبرز ما وصل إليه المعمار في اليمن وتأثره بالأساليب الوافدة ولا تزال ممارسة التبرك بالضريح قائمة حتى اليوم, وبتعدد الأضرحة في اليمن فإن ضريح الداعي حاتم الحامدي في قرية الحطيب بحراز الذي تحمل على عاتقه نشر الدعوة الفاطمية الذي تزوره العديد من الجماعات التي تتبع مذهبه من أنحاء متفرقة من اليمن وخارجها؛ فإن حركة المواطنين وزيارتها لهذه الأضرحة تمثل انتعاشاً حقيقياً في تنشيط هذا النمط السياحي الخاص “السياحة الدينية”.