هو عبد العزيز بن سرايا بن علي بن أبي القاسم، السنبسي الطائي (من بني سنبس بطن من طي)، يلقب بصفي الدين وبأبي الفضل، هو أحد الشعراء والأدباء المتميزين في العصر المملوكي، عرف بجزالة الألفاظ ورقة المعنى والأسلوب، بالإضافة لتقدمه في الفنون الشعرية والأدبية وثقافته العالية، مما جعل العديد من الشعراء والأدباء يشيدون بشعره وأسلوبه الأدبي. ولد صفي الدين ونشأ في مدينة الحلة بين كل من الكوفة وبغداد في العراق وذلك في عام 675ه - 1276م، كانت نشأته في بيت عريق رفيع المنزلة، ارتبط بمدينته والتي تحدث كثيراً عنها من خلال أشعاره وكان يعبر عن مدى حنينه واشتياقه إليها كلما كان يبتعد عنها.
ثقافة الشاعر قام صفي الدين بدراسة اللغة والأدب وعمل على اكتساب العديد من الثقافات، فتنوعت وتعددت مصادر معرفته، كما تنوع أسلوبه ومنهجه وأدواته التعبيرية، فقام بحفظ الشعر ونظمه وأتقن جميع علومه وألفاظه. ولقد نشأ صفي الدين محباً للعلم والمعرفة فحفظ القرآن من طفولته وقام بدراسة العلوم الإسلامية، بالإضافة إلى اللغة والتفسير والفلسفة والحديث والفقه. كما كان ملماً بالتراث وله العديد من الثقافات والتي تنوعت ما بين دينية وأدبية وتاريخية وغيرها من العلوم التي انتهجها الأوائل، ولقد تأثر أسلوبه الشعري بثقافاته هذه حيث تضمنت قصائده العديد من المعاني الدالة عنها، فاشتملت بعض أشعاره على بعض المعاني الدينية والتي كان يقوم بتوظيفها في إطار شعره، كما قام بالحديث عن الأدباء والشعراء العرب القدامى، بالإضافة للأحداث التاريخية وغيرها من الأمور والتي وردت في دواوينه الشعرية. عمل بالتجارة فكان يتنقل بين العديد من الدول فرحل إلى الشام ومصر وماردين وغيرها، فكان يتنقل بين الدول ثم يعود مرة أخرى إلى العراق. وفي ماردين بالآستانة قضى صفي الدين مدة بها حيث تقرب من ملوك الدولة الأرتقية وقام بمدحهم فأجزلوا له العطاء وأكرموه، ثم رحل إلى القاهرة فقام فيها بمدح السلطان الناصر. توفى صفي الدين ببغداد عام 750ه - 1349م تاركاً العديد من الأعمال القيمة والتي أثرت المكتبة الشعرية والأدبية منها “ديوان شعر” “العاطل الحالي” – رسالة في الزجل والموالي هذا الكتاب الذي يعد من أهم الكتب التي رصدت الزجل الأندلسي ونظرت له وحفظت جوانب منه، “ الأغلاطي” – معجم للأغلاط اللغوية، “ درر النحور” – وهي قصائده المعروفة بالأرتقيات، “ صفوة الشعراء وقصائد البلغاء”، “ الخدمة الجليلة” – رسالة في وصف الصيد بالبندق. قالوا عنه: قال عنه مجد الدين الفيروز آبادي الشافعي “ اجتمعت سنة 747 بالأديب الشاعر صفي الدين بمدينة بغداد فرأيته شيخاً كبيراً وله قدرة تامة على النظم والنثر، وخبرة بعلوم العربية والشعر، فقرضه أرق من سحر النسيم، وأورق من المحيا الوسيم، وكان شيعياً قحاً، ومن رأى صورته لا يظن أنه ينظم ذلك الشعر الذي هو كالدر في الأصداف”. كما قال عنه ابن حجر في الدرر الكامنة “ : تعلم الأدب فمهر في فنون الشعر كلها، وتعلم المعاني والبيان وصنف فيهما، وتعلم التجارة فكان يرحل إلى الشام”. ويقول عنه السيد الأمين في كتابه الأعيان “وكان صفي الدين الحلي شيعياً عارفاً بحق علي وأهل بيته معرفة مرتكزة إلى الإيمان الصادق المخلص”. ومن قصائده في الأرتقيين وَكَم قَصَدتُ بِلاداً كَي أَمُرَّ بِكُم وَأَنتُمُ القَصدُ لا مِصرٌ وَلا حَلَبُ وَكَم قَطَعتُ إِلَيكُم ظَهرَ مُقفِرَةٍ لا تَسحَبُ الذَيلَ في أَرجائِها السُحبُ وَمَهمَهٍ كَسَماءِ الدَجنِ مُعتَكِرٍ نَواظِرُ الأُسدِ في ظَلمائِهِ شُهُبُ حَتّى وَصَلتُ إِلى نَفسٍ مُؤَيَّدَةٍ مِنها النُهى وَاللُهى وَالمَجدُ يُكتَسَبُ بِمَجلِسٍ لَو رَآهُ اللَيثُ قالَ بِهِ يا نَفسِ في مِثلِ هَذا يَلزَمُ الأَدَبُ مَنازِلٌ لَو قَصَدناها بِأَرؤُسِنا لَكانَ ذاكَ عَلَينا بَعضَ ما يَجِبُ أَرضٌ نَدى الصالِحِ السُلطانِ وابلُها وَرَأيُهُ لِرَحى أَحوالِها قُطُبُ مَلكٌ بِهِ اِفتَخَرَت أَيّامُهُ شَرَفاً وَاِستَبشَرَت بِمَعالي مَجدِهِ الرُتَبُ وَقالَتِ الشَمسُ حَسبي أَن فَخَرتُ بِهِ وَجهي لَهُ شَبَهٌ وَاِسمي لَهُ لَقَبُ وقوله في أمير المؤمنين: جُمِعَت في صِفاتِكَ الأَضدادُ فَلِهَذا عَزَّت لَكَ الأَندادُ زاهِدٌ حاكِمٌ حَليمٌ شُجاعٌ ناسِكٌ فاتِكٌ فَقيرٌ جَوادُ شِيَمٌ ما جُمِعنَ في بَشَرٍ قَط وَلا حازَ مِثلَهُنَّ العِبادُ خُلُقٌ يُخجِلُ النَسيمَ مِنَ العَطفِ وَبَأسٌ يَذوبُ مِنهُ الجَمادُ فَلِهَذا تَعَمَّقَت فيكَ أَقوامٌ بِأَقوالِهِم فَزانوا وَزادوا وَغَلَت في صِفاتِ فَضلِكَ ياسينُ وَصادٌ وَآلُ سينٍ وَصادُ ظَهَرَت مِنكَ لِلوَرى مُعجِزاتٌ فَأَقَرَّت بِفَضلِكَ الحُسّادُ إِن يُكَذِّب بِها عِداكَ فَقَد كَذ ذَبَ مِن قَبلُ قَومُ لوطٍ وَعادُ أَنتَ سِرُّ النَبِيِّ وَالصِنوُ وَاِبنُ العَمِّ وَالصِهرُ وَالأَخُ المُستَجادُ ومن قصائده الأخرى: راقَني مِن لَفظِكَ المُستَطابِ حِكمَةٌ فيهِ وَفَصلُ الخِطابِ وَمَعانٍ مُشرِقاتٌ حِسانٌ ما تَوارَت شَمسُها في حِجابِ هِيَ لِلوارِدينَ ماءٌ زُلالٌ وَسِواها لامِعٌ كَالسَرابِ جالَ ماءُ الحُسنِ فيها كَما قَد جالَ في الحَسناءِ ماءُ الشَبابِ ما رَأَينا قَبلَها عِقدَ دُرٍّ ضَممَهُ في الطِرسِ سَطرُ كِتابِ صَدَرَت عَنِ لَفظِ صاحِبِ فَضلٍ هُوَ عِندي مِن أَكبَرِ الأَصحابِ فَتَأَمَّلتُ وَأَمَّلتُ مِنهُ جَمعَ شَملي في عاجِلٍ وَاِقتِرابِ ثُمَّ قابَلتُ أَيادي ثَناهُ بِدُعاءٍ صالِحٍ مُستَجابِ يا أُهَيلَ الوُدِّ أَنتِم مُرادي وَإِلَيكُم في العَلاءِ اِنتِسابي ذِكرُكُم لي شاغِلٌ في حُضوري وَثَناكُم مُؤنِسي في اِغتِرابي هُنِئتَ بِالعيدِ بَل هُنِّيَ بِكَ العيدُ فَأَنتَ لِلجودِ بَل إِرثٌ لَكَ الجودُ يا مَن عَلى الناسِ مَقصورٌ تَفَضُّلُهُ وَظِلُّ رَحمَتِهِ في الأَرضِ مَمدودُ أَضحَت بَدَولَتِكَ الأَيّامُ مُشرِقَةً كَأَنَّها لِخُدودِ الدَهرِ تَوريدُ أُعطيتَ في المُلكِ مالانَ الحَديدُ لَهُ حُكماً فَأَنتَ سُلَيمانٌ وَداودُ لَكَ اليَدانِ اللَتانِ اِمتاحَ بِرَّهُما بَنو الزَمانِ وَريعَت مِنهُما الصيدُ قَضى وُجودُهُما فينا وَجودُهُما تَكذيبَ مَن قالَ إِنَّ الجودَ مَفقودُ ماذا أَقولُ وَمَدحي فيكَ ذو قِصَرٍ وَأَنتَ بِالفِعلِ مَمدوحٌ وَمَحمودُ إِذا نَظَمتُ بَديعَ الشِعرِ قابَلَني مِنَ السَماحِ بَديعٌ مِنكَ مَنقودُ فَلا مَعانيهِ في الحُسنى مُغَلغَلَةٌ وَلا بِأَلفاظِهِ في البِرِّ تَعقيدُ