أثناء مشاركتي ممثلاً لليمن في فعاليات تربوية أقامها المركز العربي للتدريب التربوي لقادة تربويين من مختلف دول الخليج في عاصمة قطرالدوحة وقفنا جميعا تربويين ومتخصصين من مختلف الدول المشاركة معجبين بتجربة قطر المتميزة في التعليم هي دعوة للتعرف على تجربة تعليمية فريدة بالمنطقة قيل وكتب عنها الكثير بين مؤيد ومعارض لكن لم يستطع أي من الفريقين إنكار المؤشرات الايجابية والنقلة النوعية للتعليم بهذه الدولة التي لا يقل تألقها بالمجال التعليمي عن النقلة الإعلامية العربية الذي لا يختلف عليها احد. لعل الكثيرون منا لا يعرفون عن دولة قطر الشقيقة إلا أنها دولة عربية خليجية غنية بالبترول و من الدول المنتجة للغاز عالميا. بالإضافة طبعا إلى مواقفها وعلاقتها المتميزة مع اليمن، لكن يغيب على الكثير أن هذه الدولة الصغيرة بمقاييس الجغرافيا والديمغرافية تمتلك اكبر اقتصاد عربي مبني على المعرفة والتطوير وأن دخل المواطن القطري أكبر دخل على مستوى العالم أجمع إذ يصل حسب مؤشرات صندوق النقد الدولي إلى اكثر من 85 ألف دولار سنويا .أي قبل المواطن الأمريكي والياباني و الألماني وبحسب مؤشرات منظمة الشفافية الدولية فهي الأولى عربيا بالشفافية والحكم الرشيد كما أنها من الدول المتفردة في المنطقة التي تمتلك رؤية شاملة وواقعية للتنمية حتى عام 2030م. والأهم من هذا كله أن قطر تسعى لتبوؤ مركز الصدارة في مجال التعليم بالمنطقة وأن تقرير منظمة اليونسكو لعام 2010م عدها الدول العربية الأكثر إنفاقا على البحث العلمي والتطوير.. وهنا لن أتطرق لمجالات النهضة التي تشهدها هذه الدولة سواء في بنيتها التحتية أو مختلف ميادينها الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والثقافية وغيرها بل سأحاول تسليط الضوء على تجربتها التعليمية. قطر والتعليم تمتلك قطر رؤية تنموية وطنية حتى عام 2030م وأول وأهم ركائز هذه الرؤية التي أصبحت نهجا وتحديا لكل مرافق دولة قطر هي التنمية البشرية الشاملة ، والتي لن تتحقق بحسب الرؤية إلا من خلال أنظمة صحية وتعليمية متطورة تقدم أفضل الخدمات التعليمية والصحية و تقوم بتطوير قوة عاملة محفزة للتنمية تشارك فيها العمالة الوطنية بشكل فعال وتعزز بالعمالة الوافدة الماهرة. ومن هذا المنطلق فقد هدفت دولة قطر إلى بناء نظام تعليمي يواكب المعايير العالمية العصرية ويوازي أفضل النظم التعليمية في العالم. و انبثق ما سمي مبادرة التعليم لمرحلة جديدة في دولة قطر. وتكاتفت كل شرائح و أجهزة الدولة والمجتمع القطري لجعل هذه المبادرة واقعا معايشا ملموسا. مبادرة قطر للتعليم (تعليم لمرحلة جديدة) المسئول عن تطوير التعليم في دولة قطر هو المجلس الأعلى للتعليم ويتبع مقام سمو أمير الدولة مباشرة وهو المشرف على برامجه وأدائه ويترأس هذا المجلس ولي عهده الأمين. وتنوبه الشيخة موزة المسند .قرينة سموالامير حمد بن خليفةال ثاني . ويتكون المجلس الأعلى للتعليم من ثلاث هيئات تهتم الأولى بالتعليم العام والثانية بالتعليم العالي والثالثة بالتقييم، وتتمثل جوهر مبادرة دولة قطر لتطوير التعليم العام في إنشاء مدارس مستقلة، ومعايير مهنية للمهنيين ومعايير للمناهج ثم معايير جودة للأنظمة والوسائل. المدارس المستقلة هي مدارس ممولة حكوميا ولها الحرية في القيام برسالتها وأهدافها التربوية الخاصة بها، وتقوم بطرح نماذج لتصميم المناهج، وطرق التدريس، والعمل الجماعي، والمشاركة المجتمعية، وتحفيز الابتكار والإبداع. وتعتمد على معايير مناهج في اللغتين العربية والانجليزية والعلوم والرياضيات والدراسات الاجتماعية. وتدرس التربية الإسلامية لطلبتها وفقاً لوثيقة وزارة التعليم والتعليم العالي السابقة، وتعمل هذه المدارس على تحسين أداء الطالب من خلال استقلالية المدرسة، ولكل مدرسة مستقلة الحرية في اختيار خطتها التعليمية وهيكلها الإداري والتدريسي إلا إنها يجب أن تلتزم بالضوابط الأكاديمية والآليات المالية والإدارية المنصوص عليها في الاتفاقيات المبرمة مع هيئة التعليم مع أهمية أن يكون نظام التعليم في هذه المدارس ملتزم بتطبيق القيم الدينية والتقاليد الاجتماعية . . وتنصب اهتمامات هذه المدارس على قدرات الطلاب في التفكير النقدي واتخاذ القرار وحل المشكلات والعمل الجماعي والإبداع في التعليم والقدرة على استخدام الوسائل التكنولوجية والتواصل الفعال مع التأكيد على تدريس مواد الرياضيات والعلوم باللغة الانجليزية . والجدير بالذكر أن التجربة بدأت بتحويل عدد محدود من المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم إلى مدارس مستقلة تحت إشراف المجلس الأعلى للتعليم للتأكد من مدى فاعلية ونجاح هذا النظام، ثم تلا ذلك تحويل عدد آخر من المدارس الحكومية إلى مدارس مستقلة وبالتدريج، حتى أصبحت جميع المدارس في دولة قطر مستقلة مع بداية عام 2010. وتخضع لإشراف المجلس الأعلى للتعليم. يعطى المجلس الأعلى للتعليم تراخيص لإدارة المدارس المستقلة لمن يتمتعون بالكفاءة والقدرة على تحقيق معايير المجلس االاعلى للتعليم، ووفق معايير محددة، يتمتع صاحب الترخيص أو ما يسمى بالمشغل بجميع الصلاحيات من اختيار الطاقم الإداري والتدريسي . تخضع هذه المدارس لتقييم سنوي، وفي حالة عدم تحقيق المدرسة لمعايير المجلس العلى للتعليم يسحب الترخيص ويعطى لشخص آخر تتوفر فيه الشروط. المناهج ترى المبادرة أن الكتب المدرسية هي مصادر للتعلم مثلها في ذلك مثل برامج الكمبيوتر والإنترنت وكتب المكتبة والوسائل التعليمية. وليست المصدر الوحيد للتعلم . وللمدرسة حرية اختيار مصادر التعلم بما يتفق مع طلابها وخطتها التعليمية طالما أن هذه المصادر تحقق القدر المطلوب من المعارف والمهارات المذكورة في معايير المناهج. ولهذا تتبنى المبادرة مفهوما حديثا للمناهج يختلف عن المفهوم التقليدي المرتبط بالكتاب الموحد حيث وضعت هيئة التعليم إطارا للمعارف والمهارات المطلوب تحقيقها في المدارس المستقلة تتمثل فيما يعرف بمعايير المناهج وبذلك توفر جميع المدارس المستقلة القدر المشترك المطلوب للمستوى الدراسي الواحد بهدف تيسير عملية انتقال الطلاب بين المدارس المستقلة، كما أن صاحب الترخيص هو المسؤول عن محتويات المصادر المستخدمة في مدرسته بما يتفق مع معايير المناهج وخطته التربوية والمنظومة القيمية للمجتمع القطري وتوجهات الدولة على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وتمثل معايير المناهج مجموعة المعارف والمهارات الأساسية والمتوقع من الطلاب اكتسابها وتوظيفها. تم وضع هذه المعايير من قبل خبراء كما أنها تتوافق مع المعايير عالمية. وبناء على ذلك تسعى بعض المدارس على الاعتراف الأكاديمي من قبل بعض المنظمات المعنية بالاعتراف الأكاديمي. التقييم تضطلع هيئة التقييم بمهمة تقييم جميع الطلاب في مختلف المدارس وتقييم أداء المدارس من خلال نظام تقييم منهجي مرتبط بالمعايير والأهداف التربوية المحددة من قبل المجلس الأعلى للتعليم، باستخدام أدوات ووسائل مختلفة ، مع نشر نتائج التقييم بكل موضوعية وشفافية لتحقيق المساءلة التربوية والتطوير المستمر للنظام التربوي، ويحرص المجلس الأعلى للتعليم على إعداد تقييم سنوي لأداء الطلاب لمعرفة مدى تطبيق المدارس لمعايير المناهج المعتمدة ولضمان تحقيق المسؤولية والمحاسبة في كل مدرسة حيث إن أصحاب التراخيص ملزمون برفع تقارير مالية دورية والالتزام بالتدقيق المالي السنوي من قبل مدققين مستقلين. معايير مهنية للإدارة المدرسية والمعلمين وقد ترتب على الأخذ بهذه المبادرة تطوير معايير مهنية وطنية للمعلمين وقادة المدارس الذين يمثلون قطبي الرحى في العملية التعليمية وفي مبادرة تطوير التعليم . وتهدف هذه المعايير المهنية الوطنية للمعلمين وقادة المدارس إلى إيجاد مرجعية مشتركة لتوصيف الأعمال التي يقوم بها المعلمون وقادة المدارس المستقلة، وتعزيز العمل المتنوع المتشعب الذي يقومون به، إضافة إلى تقديم الدعم لهم أثناء عملهم في المدارس المستقلة. وتصف هذه المعايير الإجراءات والأمور التي ينبغي على المعلمين وقادة المدارس- بما فيهم أصحاب التراخيص (المشغلون) ومديروها - معرفتها وفهمها وتوظيفها. كما توفر المعايير أيضاً الرؤية الواضحة بخصوص الأداء والمعارف والمهارات والتوجهات التي يحتاجها إليها المعلمون وقادة المدارس، من أجل دعم عملية التعريف بمعايير المناهج والمدارس المستقلة التي تعد الأساس لمبادرة “التعليم لمرحلة جديدة” في دولة قطر. وتمثل هذه المعايير، مقترنة بمعايير المناهج والمناهج التي تطورها المدارس، مجموعة كبيرة من المهارات والمعارف التي ينبغي أن يمتلكها المعلمون المعاصرون من أجل توفير تعليم ذي نوعية وجودة عاليتين، بما يدعم ويطور تعلم الطلبة.. وقد بنيت هذه المعايير بشكل تراكمي بدءاً من المعلم المستجد وانتهاء بموظفي الإدارة العليا، من خلال عرض مجموعة من المهارات والمعارف والتوجهات التي ينبغي على تلك الفئات تمثلها وتنفيذها وتقييمها ومراجعتها، من أجل التحقق من فاعليتها في تحقيق الأهداف المرجوة. المعلمون ونتيجة لتسابق أصحاب التراخيص على تعيين مدرسين أكفاء قادرين على تحقيق المعايير ، فقد أصبح سوق المعلم المتميز رائجا، ويعطى راتب قد يختلف عن رواتب أقرانه ممن هم أقل كفاءة منه ولذلك جميع المعلمين حريصون على تنمية قدراتهم من خلال الحرص على حضور الدورات التدريبية وورش العمل المعدة من قبل المجلس العلى للتعليم، أو من قبل إدارة المدرسة. سعيا منهم للحصول على رخصة في التدريس والذي يتم منحها للمعلم بعد حصوله على عدد معيين من الدورات، ومتابعة تطور أدائه. حيث أن النظرة المستقبلية لن يتم نعيين أي مدرس إلا بعد حصوله على تلك الرخصة. وختاما المبادرة متعددة الميادين وقد حاولت عرضها بدون أن أعطي رأيي فيها لكن أستطيع القول أنها على الأقل استطاعت أن تفرز بين ممتهني التعليم والمحسوبين على المهنة الذين أبعدتهم من الميدان نهائيا وجعلت أمام المعلمين طريقا واحدا لا ثاني له ليحافظوا على تواجدهم بميدان التعليم وهو تنمية قدراتهم، وأعادت للمعلم مكانته المسلوبة اجتماعيا في عصر العولمة ثم أنصفته في الحقوق ، حيث تعتبر رواتب المعلمين عالية جدا مقارنة برواتب المعلمين في منطقة الخليج. المدارس المستقلة باليمن و ختاما أود التنويه أن نظام المدارس المستقلة كان قد أقر من قبل وزارة التربية والتعليم عندنا باليمن وبدأ كمشروع مشترك بالتعاون مع مشروع التعليم الأساسي عام 2008م وبدأ تجريبه في حضرموت والمحويت، ولكن جمد المشروع من قبل قطاع التعليم بالوزارة . وبهذا فهي دعوة للقطاع أن يتم دراسة مثل هذه التجارب بالمنطقة باشراك المتخصصين والباحثين والخبراء التربويين بمركز البحوث وغيره خصوصا وان دولة قطر قد خدمت التعليم العربي بالسبق لإعداد معايير نوعية للمناهج العربية في مادة اللغة العربية والمواد الاجتماعية على أيدي نخب من التربويين العرب والعالميين و محاولة الاستفادة منها ما أمكن ضمن منظومة جهود الحكومة ووزارة التربية والتعليم لتحسين وتطوير التعليم في اليمن .