من يتابع مجريات الأمور السياسية في الكويت لا يملك إلا أن يبدي إعجابه الشديد للديمقراطية الكويتية وما وصلت إليه من نضج وفاعلية كبيرة، ويجزم بلا شك بأنها أفضل وأقوى نظام ديمقراطي في المنطقة العربية، وخصوصاً عندما نسمع ونشاهد ما يقوم به مجلس الأمة الكويتي من دور في الرقابة على إدارة شئون البلاد ومحاسبة القائمين عليها، وقيامه أكثر من مرة بعزل وإقالة وزراء وحكومات. إن هذا المستوى الديمقراطي المتقدم في الكويت أتى بعد تطور تاريخي شهدته التجربة الديمقراطية الكويتية حتى صارت معلماً حضارياً بارزاً من معالم الكويت.. مراحل يمكن القول إن الكويتيين تشربوا الديمقراطية بمعناها الحقيقي منذ أن نشأت الدولة الكويتية قبل أكثر من قرنين ونصف، فالشيخ صباح بن جابر (صباح الأول) أول حاكم للكويت تم اختياره من قبل الكويتيين أنفسهم طواعية عام 1752م في عملية تلامس جوهر الديمقراطية ذاتها. ثم وبفضل ما كانوا يتمتعون به من حكمة وتواضع فقد دأب آل الصباح على توطيد علاقات متينة مع الأهالي، وحرصوا على مشاورة الكويتيين، والاستماع لأهل الحكمة منهم وأدى هذا التشاور لاحقاً إلى مشاركة الشعب في الحكم. ومنذ اللحظة الأولى لقيام الكيان السياسي في الكويت تبلورت قواعد تحدد أسلوب اختيار الحاكم وأسلوب ممارسته لاختصاصاته، ولم تكن هذه القواعد من البداية مكتوبة، وإنما كانت مقررة كأعراف تراضٍ وأجمع عليها الأهالي.. ومع تراكم التجارب وتطورها تدريجياً فإن الخبرة قادت إلى تقرير تلك القواعد والأحكام في وثائق مكتوبة تنظم الحكم والسلطة..ومرت عملية نشأة وتطور الكويت كدولة ديمقراطية بعدة مراحل شهدت خلالها مظاهر عدة للتحول الديمقراطي ابتداءً من مرحلة الحكم المرتكز على الأعراف والتشاور وصولاً إلى مرحلة الدولة الديمقراطية الحديثة. مشاركة مع نهاية العقد الثاني من القرن الماضي كان الكويتيون قد أدركوا أهمية المشاركة في تقرير المصير، وقبل أن يتم اختيار خلف للشيخ سالم الصباح عام 1920 اجتمع وجهاء البلد واتفقوا على تقديم عريضة تتضمن آراءهم ومطالبهم. وقد عرفت هذه العريضة بوثيقة 1921م وفيها تم تحديد آلية لاختيار وتعيين الحاكم، واقترحوا انتخاب عدد معلوم من آل الصباح والأهالي لإدارة شئون البلاد، وعلى أساس هذه الوثيقة تم تشكيل مجلس استشاري من اثني عشر عضواً غير أن هذا المجلس لم يستمر طويلاً لعدم تحديد نظام العمل به..وبالرغم من فشل هذه التجربة إلا أنها مثّلت الخطوات الأولى وشكلت البداية للاتجاه نحو الديمقراطية، حيث أخذت الأمور تتطور، وأخذ الحرص من قبل الشعب بضرورة وجود مشاركة ديمقراطية، وظهرت عدة محاولات لتكوين جهاز شعبي مشارك في إدارة شئون البلاد، لكن لم تحقق الطموحات لعدم نضوجها، حيث تم انتخاب مجالس للتعليم والبلدية والأوقاف، والجمارك، وبعد تنامي مطالب المشاركة الشعبية تمت الموافقة على إنشاء مجلس منتخب تحت مسمى (مجلس الأمة التشريعي) الذي ظهر عام 1928م بعد إجراء الانتخابات وفق النظام المتبع في انتخاب المجلس البلدي والمجالس الإدارية.. ويعد المجلس التشريعي 1938م هو أول برلمان شعبي في المنطقة يمارس المشاركة في الحكم، غير أن هذا المجلس لم يعش سوى ستة أشهر وانتهى أمره بالحل.. فعلى الرغم من قيامه بإصلاحات متعددة إلا أنه لم ينجح في خلق قاعدة تأييد تلتف حوله، وعلى رغم قصر مدته إلا أنه يمثل إحدى المراحل التي قادت إلى النضوج الديمقراطي فيما بعد. الاتجاه المباشر نحو الديمقراطية بإعلان الكويت استقلالها في يونيو 1961، وإنهاء اتفاقية الحماية مع بريطانيا، واعتراف الأخيرة بالاستقلال، اتجهت الكويت مباشرة نحو الديمقراطية الحقيقية كركيزة أساسية للبناء السياسي لها، جاءت الخطوة الديمقراطية الأولى في “26” أغسطس 1961م بصدور مرسوم أميري يدعو إلى إجراء انتخابات عامة لمجلس تأسيسي يتولى عند تأليفه إعداد دستور للبلاد، وبعد انتخابات المجلس التأسيسي عقدت أولى جلساته في 20 يناير 1962م، وتحددت مهمة المجلس في وضع أساس الحكم في المستقبل وإعداد دستور يبين نظام الحكم على أساس المبادئ الديمقراطية، وخلال تسعة أشهر أنجز المجلس مشروع دستور دولة الكويت الذي يتكون من “183” مادة، وفي 11 نوفمبر 1962م صادق الشيخ عبدالله السالم أمير الكويت عليه وأصدر مرسوماً بذلك قضى بالعمل به من تاريخ اجتماع مجلس الأمة. وفي 23 يناير 1963م جرت أول انتخابات برلمانية لأول مجلس أمة كويتي، وبهذا انتقلت الكويت من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني عن طريق ممثلين للشعب من خلال الانتخاب الحر المباشر. وفي 29 يناير 1963م افتتح سمو أمير دولة الكويت أول اجتماع لمجلس الأمة. مجلس الأمة يتكون مجلس الأمة الكويتي من “50” عضواً بالإضافة إلى أعضاء الحكومة، وقد قسمت الكويت في بداية الأمر إلى عشر دوائر انتخابية تنتخب كل دائرة خمسة أعضاء بالاقتراع السري المباشر ومدة عضويتهم أربع سنوات، ونصّ الدستور على أن يتم تعيين الوزراء من أعضاء المجلس ومن غيرهم وعلى أن لا يزيد عدد الوزراء جميعاً على ثلث عدد أعضاء مجلس الأمة، ويعتبر الوزراء غير المنتخبين أعضاء في مجلس الأمة بحكم وظائفهم، وينتخب المجلس رئيساً له ونائباً للرئيس في أول جلسة ولمدة “4سنوات” كما ينتخب المجلس لجانه الدائمة والمؤقتة وأمين للسر.. وقد عدلت الدوائر الانتخابية في عام 1981م إلى “25” دائرة تنتخب كل دائرة عضوين في المجلس، وقد نصّ قانون الانتخاب على أن حق ممارسة الاقتراع مكفول لكل كويتي الجنسية بصفة أصلية وأن يكون قد تجاوز سن ال”21” عاماً، وأن يكون ذكراً ومسجلاً بجدول قيد الناخبين.. ونص الدستور على أن يكون المرشح لمجلس الأمة كويتي الجنسية بصفة أصلية وفقاً للقانون وأن تتوافر فيه شروط الناخب وفقاً لقانون الانتخاب وألا تقل سنة يوم الانتخابات عن ثلاثين عاماً وأن يجيد قراءة العربية وكتابتها، كما أن الدستور الكويتي كفل لعضو المجلس حرية كاملة فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال، وعضو المجلس يمثل الأمة بأسرها ويرعى المصلحة العامة ولا سلطان عليه في عمله بالمجلس أو لجانه. ولا يجوز أثناء دور الانعقاد في غير حالة الجرم المشهود، أن تتخذ نحو العضو إجراءات التحقيق أو التفتيش أو الحبس أو أي إجراء جزائي إلا بإذن المجلس.. وحسب نص الدستور فإن لكل عضو من الأعضاء أن يوجه إلى رئيس الوزراء وإلى الوزراء أسئلة لاستيضاح الأمور الداخلية في اختصاصهم وللسائل وحده حق التعقيب كما يحق للأعضاء توجيه استجواب إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء في الأمور الداخلية في اختصاصاتهم.. كما لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس الأمة وتولي الوظائف العامة، وذلك فيما عدا الحالات التي يجوز فيها الجمع وفقاً للدستور.. كما تعرض على المجلس الميزانية العامة للدولة وتناقش باباً باباً وتصدر بقانون.. وتعتبر جلسات المجلس علنية ويجوز عقدها سرية بناء على طلب الحكومة أو رئيس المجلس أو عشرة أعضاء وتكون مناقشة الطلب في جلسة سرية، ولا يصدر قانون في الكويت إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدّق عليه الأمير.. والنظام الديمقراطي في الكويت يقوم صراحة على مبدأ الفصل بين السلطات، وقد حظرت المادة “50” من الدستور نزول أي من السلطات الثلاث “التشريعية والتنفيذية والقضائية” عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في الدستور.