كثيرة هي التعقيدات والتراكمات في ساحة العمل التربوي والتعليمي في بلادنا، لكن أن يصبح الصغار كالريشة في مهب المتغيرات على الساحة الوطنية فتلك مسألة تفرض التساؤل عن دور المعلم ورسالته في حماية النشء من غول السياسة فالكل يعاني من مشاكل التعليم التي تفتح “الجمهورية” ملفها ليراها المعنيون على مستوى الكتاب المدرسي بما تتضمنه من مفاهيم وتطوير في الجانب القيمي يعاني من نقص وتعقيد المقررات وما بها من أخطاء ما يجعلها مصدر خوف للمتعلم وتحد للمعلم والموجه ومثير لقلق الأسرة وهو ما يراه د. عبدالله النهاري مدير عام مكتب التربية والتعليم بمحافظة عدن. كما يرى مهتمون بأن تدريب المعلمين يعتبر للكثيرين مغنماً ما يعيده عن المعطيات العلمية وبذلك تتوالد الإخفاقات وتتزايد الشكوى من أجواء المدرسة، بل إن دراسات نفذتها جامعة تعز أكدت غياب الرؤية الواضحة للتعليم في اليمن.. وهذه مشكلة، لكن الأسوأ هو الاستمرار فيها من بقاء الأخطاء حسب الدكتور النهاري الذي يضيف: تصويب الأخطاء يرفع بها تقارير وهذا هو الأهم لأن العلم في الصغر كالنقش على الحجر، ما يعني وجوب وصول المعلومة بصورتها السلمية وبطريقة مثالية إلى أذهان الطلاب عبر معلمين مدربين. الغاز مبهمة في المدرسة يرى معلمون أن المناهج المقررات عبارة عن ألغاز مبهمة وتحتاج إلى معلم باحث وطالب باحث يزور المكتبة ويدخل المعمل، وهو ما ليس متاحاً كما يجب مايعني أن ذلك مصدر عناء للمعلم والطالب. محمد عبدالرقيب أخصائي اجتماعي يقول: المعلم ذاته يصل أحياناً إلى درجة العجز في أداء مهمته بسبب التعقيد في المقررات وكثافة التمرينات في بعض المواد، كما أن التطوير لو كان متكاملاً لشمل الجوانب التربوية والتعليمية عامة. تكريس القيم السلبية أ. عبدالهادي المجاهد يؤكد أن الأسرة تعاني أزمة بسبب المقررات المطورة ولابد من تلافي الأخطاء وسد الثغرات خاصة في مادة العلوم والرياضيات لما لذلك من انعكاسات سلبية على شعور الأسرة لعدم القدرة على مساعدة الأبناء ومتابعة مستوى التحصيل في الظروف العادية.. كما أن الأنشطة المدرسية الهادفة إلى غرس الولاء الوطني والرحلات مثلاً، إنما تتم حسب رغبة الموجه وليست متاحة أو ممكنة لكل الطلاب في مدارسهم.. وهناك عبارة تجدها مثلاً “القاضي المرتشي” في كتاب اللغة العربية للصف الثالث أساسي والأصل تكريس صفات القاضي وعلى رأسها النزاهة كل ذلك يؤثر سلباً في هيبة التعليم. الرياضيات والعلوم إن إيجابيات المقررات المطورة أقل من سلبياتها ماعدا مادتي العلوم والرياضيات حيث تجد شحة في الأول وكثافة مسائل ورموز في الثاني في ظل غياب المعامل والوسائل وغياب الكوادر المتخصصة في كثير من المدارس ونقص المعلمين لاسيما في مدارس الريف وكثافة في المدن لاسيما من المعلمات ما ينتج عنه قصور في العملية التعليمية وهذا محل إجماع في ميدان التربية والتعليم. أخطاء طباعية ويرى أ. محمد المعاينة موجه في محافظة المحويت أن المقرر والكتب المطورة هدفها تحويل المدرسة إلى مرشد وموجه وهي مسئولية المعلمين. ويضيف المعاينة قائلاً: رغم التدرج في إنزال المنهج الجديد استمرت الأخطاء الطباعية وغيرها، كما أن التدريب لم يقم به الموجهون منذ البداية. تحديث المناهج ما أدي إلى غياب آلية المتابعة في الميدان التربوي منذ بدء إنزال الكتب المدرسية المطورة، كما أن برامج التدريب للمعلمين من صف أول أساسي إلى الصف التاسع لا ينشئ علاقة بين المتدرب والمدرب خارج غرفة التدريب.. كما أن التطوير في المقررات المدرسية يتطلب إمكانيات كبيرة في المدارس لتنفيذ الأنشطة المكملة حتى يصير الحديث عن منهج مطور أشمل وأعم مما هو حاصل لاسيما وأن الاستجابة بشأن الأخطاء الطباعية والعلمية في الكتب بسيطة جداً وتصل إلى الجهة المختصة في الوزارة تقارير بذلك. إن إثراء الكتب المدرسية بمفاهيم حقوق الإنسان وحقوق وواجبات المواطنة وإدراج المفاهيم والمصطلحات المطلوبة في بعض المواد وخاصة المواد الاجتماعية هو من لوازم التطوير المستمر حسب وجهة نظر المعلمين المتخصصين في هذا المجال ويطالب به موجهون من فترة طويلة. الفلسفة التعليمية بل ويرى أ. عبدالملك الأغواني “الموجه” في محافظة تعز أن التطوير للمنهج المدرسي يفترض أن يشمل مكونات العملية التعليمية وهي: المبنى المدرسي والإدارة المدرسية المدرس الأنشطة ووسائلها، والمعامل والمكتبة جزء من هذه الوسائل ويضيف قائلاً: إن ما حصل من تطوير ارتبط بالكتاب المدرسي أما المدرس فلا يساير العصر، والتطور والتحديث. بينما ما تحقق من تطوير بالنسبة للمواد الاجتماعية فقد جاء موافقاً للفلسفة التعليمية. تخلي المعلم عن واجبه في ظل هذا كله ويضاف إليه الأوضاع المعيشية والظروف السياسية السائدة تتعمق مشكلة الأبناء وتكبر معاناة الأسر بسبب إضرابات المعلمين وترتسم مخاوف جراء ما تظهر من آثار سلبية في حياة الأطفال والطلبة ويفرض السؤال نفسه. ما دور المعلمين والإدارات المدرسية في هذه المرحلة على وجه التحديد من أجل لم شمل الأطفال والشباب؟ صحيح أن هناك عملا نقابيا في مجال التعليم يمثل رافداً للعمل النقابي ولمنظمات المجتمع المدني المهنية إلاَّ أن هناك أيضاً تعقيدات سياسية ولد في ظلها هذا العمل النقابي وجاء انعكاساً لها ولا يجتمع الناس إلاَّ على أن الولاء الوطني إنما يمارس في أرقى مستوياته في الأوضاع الاستثنائية حيث يكون التعبد لله من خلال حب الأعمال، لا سيما لمن يحملون رسالة، وهم ورثة الأنبياء. إبعاد الأطفال عن مسرح السياسة محمد هادي طواف وكيل وزارة التربية والتعليم أكد أن النأي بالمدرسة وإبعاد الأطفال والمراهقين عن السياسة هو الأصل وأن الصغار لهم قدوة ينبغي أن تكون حاضرة بقوة وتستطيع أن تحمي التلاميذ من أي تأثيرات سلبية في محيطه خارج المدرسة بالتعاون مع الأسرة وهذا يعني وجود معلم متفاعل يستوعب ما يتعرض له الأبناء من مؤثرات في عصرنا الراهن. ويضيف طواف قائلاً: مؤسسات المجتمع المدني المعنية بمجال التعليم تخلط بين المفاهيم من حيث إنها تفهم ديمقراطية التعليم على أن هذا المجال يترك لمن هب ودب لإنشاء مدارس واعتماد معلمين ومربين كيفما كان وليس كيفما اتفق ليذوب فيها أفكاره ومعتقداته، بينما الأصل أن هناك منهجا مدرسيا ودورا هاما للمعلم الكفء الذي يحمل رسالة ينشرها الجميع لغرس قيم الولاء الوطني وتعزيز قدرة الأبناء على الفهم وإعداده الإعداد الأمثل ليكون مواطناً صالحاً وعضواً فاعلاً في مجتمعه، خاصة في مرحلة التعليم الأساسي التي هي إلزامية وبحيث يكون قادراً على التعامل بأساليب الإقناع ولا يُسلم بأي إشاعات أو رسائل من أي مصدر كان قبل أن يخضعها للتحليل وكثير من ذلك يُنسج في الظلام ولا يسلم منه الأطفال، والمسئولية مشتركة بين كل أطراف العملية التربوية والتعليمية والمجتمع ككل. ويؤكد طواف أن المطلوب هو إبعاد العمل النقابي عن تأثير الأحزاب وأن تكون وزارة التربية ومؤسساتها بعيدة عن السياسة حتى لا يأتي من يعطل العملية التعليمية أو يصيبها بالشلل لأغراض غير مهنية كما الحال اليوم رغم أن الدولة ملتزمة بحقوق المعلمين.. إن المسئولية الوطنية والمهنية تقتضي أن نكون جميعاً مع حقوق أبنائنا وأن نفي بمسؤولياتنا تجاههم، وأن يعبر من أراد عن مواقفه وآرائه السياسية في خارج المدرسة والانطلاق من موقف القدوة في تجسيد الولاء الوطني والذي يتعاظم دوره في الملمات أما ما يُلصق بالمدرسة من نواقص فإن أقل ما يقال هنا إن مهمة التربية والتعليم مسئولية مجتمعية.