يعتبر الباحثون مرحلة المراهقة أكثر المراحل التي تشهد ظاهرة الانتحار ؛ نظراً لحالة عدم الاستقرار على مستويات عدة، اجتماعية ونفسية... فضلاً عما يعانيه الشاب من تغيرات سيكولوجية وجسمانية وأسرية..لعل الأبرز تردد المراهق بين مرحلتي الطفولة والشباب مما يعطي دفعة قوية باتجاه تجاوزها...يواجه خلالها انتقادات وتقييمات عديدة من الوسط المحيط به..بينما يحاول إعطاء فلسفة خاصة لحياته التي قد تؤدي به إلى حالات من اليأس وفقدان معنى الوجود بحد ذاته.. اكتتاب ذهاني قسم علماء النفس الاجتماعي المراحل التي يمر بها الشاب في ظل هكذا ظروف إلى ثلاث مراحل قاتلة حيث يبدأ الشاب بالنظر إلى نفسه بنظرة دونية باعتبار أنه إنسان غير منتج وغير قادر على تحقيق مطالبه الأساسية، تليها مرحلة ثانية تعرف بالاكتئاب العصابي، وفي حال عدم تمكنه من الحصول على مراده وظلت أموره معلقة يصل للمرحلة الثالثة وهي مرحلة الاكتئاب الذهاني وهي في الغالب تدفع بالشخص لاختيار طريق إنهائه حياته بالانتحار. وتشير نتائج إحدى الدراسات التي شملت أكثر من (1200) حالة انتحار إلى أن 81%من الشباب المنتحرين و42% من الفتيات الشابات المنتحرات كانوا يعانون خلال حياتهم اليومية أمراضا نفسية يحتل الاكتئاب المرتبة الأولى بين الأمراض النفسية الشخصية لدى المنتحرين. كل أربعين ثانية وأوضح العلماء أن الانتحار ينتج عن تفاعل معقد لعوامل سببية معينة، منها الأمراض النفسية والعقلية والفقر والإدمان والعزلة الاجتماعية وفقدان عزيز وصعوبات التواصل مع الآخرين ومشكلات العمل، مما يستدعي توافر خبراء واختصاصيين في المجالات الطبية والصحة النفسية للتغلب على مشاعر الإحباط التي تدفع إلى الانتحار وقتل النفس وتقويم الأخطار وتوفير الخدمات الطارئة وسبل العلاج. ويقول خبير الصحة النفسية بمنظمة الصحة العالمية د.خوسيه مانويل برتولوني: إن ما بين 20مليوناً و60مليون شخص يحاولون الانتحار سنوياً، ينتحر منهم نحو نصف مليون حسب تقرير بثته وكالة “رميتر” مؤخراً وهي نسبة تفوق معدلات الوفاة الناجمة عن جرائم القتل العمد والحروب. كما أشار التقرير إلى أن شخصاً في مكان ما من العالم ينتحر كل (40)ثانية مما يتفق مع الحقائق التي سجلت سابقاً بأن شخصاً على الأقل يحاول التخلص من حياته كل ثلاث ثوان. فراغ كبير علماء الاجتماع أوردوا في أبحاثهم حول هذه الظاهرة مجموعة أسباب ومسببات عاشها المنتحرون، ووفقاً لإحصائيات مسبقة تكشف أن الذين لجأوا للانتحار يعانون ضعف الوازع الديني والحرمان الاجتماعي وفقدان الجو الأسري والعاطفي، بالإضافة إلى أسباب نفسية، حيث تملكهم شعور بمرارة الإخفاق والفشل في معترك الدراسة أو العمل أو حتى الحياة الأسرية والزوجية. كما أن المشاكل الاجتماعية تؤثر على الفرد وتجعله يشعر بالإحباط والضياع والاكتئاب النفسي ووجود فراغ كبير في حياته واليأس الشديد سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، وبأن المنتحر دائماً كاره النفس بدليل أن الإنسان يخاف من وخز الإبرة فما بالك بالانتحار رغم علمه الشديد بحرمة قتل النفس. ويقدر علماء الاجتماع أن ظاهرة الانتحار لا تتعلق باللحظات الآنية التي يعيشها المنتحر، لكنها تكمن في عوامل تتعلق بالماضي الذي كان يعيشه حيث الرواسب النفسية العميقة والمشاكل المعضلة المتراكمة التي كان يواجهها في مرحلة ما قبل الانتحار التي تتطور مع الأيام حتى تصل إلى تشغيل أزمة نفسية وإلى نقطة لا رجعة فيها. مرض اجتماعي علماء الاجتماع لم يمروا على البطالة كسبب مرور الكرام فالتعليم حالياً لم يعد يلبي احتياجات سوق العمل فعندما يتخرج الشاب من الجامعة ويجد الأبواب أمامه موصدة يتملكه شعور بضياع العمر بدون فائدة “لا تأمين للمستقبل”. الدكتورة عفاف الحيمي أستاذ مساعد في قسم الاجتماع كلية الآداب جامعة صنعاء أشارت إلى أن هناك مرضاً اجتماعياً داخل المجتمع اليمني يوضحه الانتحار وأن لا بد من حله ومعالجته وأن الكل مسئول أمامه بدءاً بالدولة والمجتمع ووسائل التنشئة، كالمنزل والمدرسة والمسجد والجامعة والإعلام وغيرها. ودعت الحيمي إلى ضرورة الاهتمام بالشباب من الجنسين في التعليم والرعاية الصحية وتربيتهم تربية سليمة وتوفير فرص العمل لهم، وكذلك توفير الأندية الرياضية والثقافية لكي يبتعد الشباب عن القات والمعاكسات ويبدأ بإخراج طاقاته الكامنة والمواهب المخزونة. في نار جهنم قال تعالى في كتابه العزيز:{ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}وقال أيضاً:{ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}صدق الله العظيم استناداً إلى تلك الأدلة القرآنية الصريحة ثبت أن قتل الإنسان لنفسه محرم شرعاً، وعدّ من الكبائر ..ومن خالف الأمر الرباني فجزاؤه جهنم وبئس المصير ودليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :”من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يحمى بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً”رواه البخاري. الإيمان من منطلق تلك الحقائق القرآنية والنبوية الصادقة جاءت إجابة الشيخ عبدالحميد محمد الطيب، أن النفس من خلق الله وهو المتصرف فيها والإنسان أمين عليها وهو مأمور وليس بآمر وتابع، وليس بمتبوع وهو أيضاً ملزم بحمايتها والحفاظ عليها لتكون محط ابتلاء الله له في هذه الدنيا. وأضاف الشيخ: قد يمر الإنسان بظروف صعبة وقاسية تدفعه إلى الانتحار وقتل نفسه وقد عالج الإسلام ذلك بالإيمان والتربية الدينية والصلاة والصيام واتباع المعروف وحض الإنسان على الصبر والوعد بالثواب الكبير ورفع الصابرين لمنزلة كبيرة مقام النعيم بغير حساب في الدرجات العُلى مما جعل الابتلاء محبباً إلى الكثير من المؤمنين. علاج ناجع الحل من وجهة نظر الشيخ عبدالحميد يكمن بتوعية وتثقيف المجتمع بالجوانب الدينية وحثهم على التمسك بتعاليمها، فالوازع الديني يلعب دوراً كبيراً في ربط العلاقات الأسرية وكذلك التحذير من الإقدام على مثل هذا العمل مع الاهتمام بمن لديهم ميول انتحارية ومحاولة إعطائهم شيئاً من الأمل وعلاج اليأس لديهم ومنحهم شيئاً من الرحمة والعطف. وختم الشيخ عبدالحميد حديثه بأن الثقافة الدينية هي علاج ناجع لظاهرة الانتحار ولو تفحصنا إحصائيات المنتحرين عالمياً لوجدنا أن المسلمين هم أقل عرضة لهذه الظاهرة مستدلاً على ذلك بدراسة علمية ظهرت مؤخراً أكدت ذلك وزادت عليه أن الملحدين واللادينيين هم أكثر يأساً وإحباطاً؛ لذا فإن أعلى نسب الانتحار كانت من نصيبهم.