يهتم كثير من الشباب في فترة الخطوبة بالاختبارات النفسية، ويفكر كل طرف منهما في صفات الطرف الآخر، ويتساءل إن كان هذا الشخص هو الذي يبحث عنه ويتوافق معه ومع طباعه أم لا. إلا أنهم يتجاهلون تماما الجانب الصحي ومدى التوافق فيه بينهما، على الرغم مما قد يسببه بعد ذلك من مشاكل قد تؤدي إلى الانفصال. تشير العديد من الدراسات إلى انتشار أمراض الدم الوراثية في بعض الدول العربية وأصبحت مشكلة صحية خطيرة، بالإضافة إلى أنها مشكلة اجتماعية كبيرة، فضلا عن معاناة المصابين بهذه الأمراض، ويتوقع إحصائيا أن يصاب طفل واحد من كل 25 طفل بمرض وراثي ناتج عن خلل في الجينات أو بمرض له عوامل وراثية خلال الخمس وعشرين سنه من عمره. ويتوقع أن يصاب طفل واحد لكل 33 حالة ولادة لطفل حي بعيب خلقي شديد. كما يصاب نفس العدد بمشكلات تأخر في المهارات وتأخر عقلي. وتسعه من هؤلاء المصابون بهذه الأمراض يتوفون مبكرا أو يحتاجون إلي البقاء في المستشفيات لمدة طويلة أو بشكل متكرر ولها تبعات مالية واجتماعيه ونفسيه. وهذه الأعداد لها تبعات عظيمة ومعقدة على الأسرة وبقيه المجتمع. والمشكلة تنتشر بشكل كبير في البلدان العربية والشمال الإفريقي , فأحدث الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية تؤكد إن عدد المعاقين في مصر في تزايد مستمر وأنهم يمثلون حوالي 13 % من إجمالي عدد السكان منهم حوالي 73 % من أصحاب الإعاقة الذهنية. من هنا طرحت بشدة فكرة اللجوء إلى إصدار قانون يشترط على المقبلين على الزواج إجراء كشف طبي إجباري للتأكد من خلو الزوجين من أي أسباب صحية تعرض أطفالهما للتشوهات. وهو القانون الذي فرضت مثله كل من السعودية والأردن ومن المنتظر تعميم التجربة في أنحاء الوطن العربي . وتعد المجتمعات العربية بشكل عام من المجتمعات التي يشيع فيها زواج الأقارب ضمن نطاق القبيلة، أو العشيرة، أو العائلة والأسرة الواحدة. وعليه يمكن لأي مجتمع الوقاية من الأمراض الوراثية كما هو الحال في معظم الأمراض الأخرى. وتنتشر الأمراض الوراثية كما سبق التوضيح نتيجة لثلاثة عوامل وهى: زواج الأقارب ووجود أمراض الدم الوراثية وتقدم عمر أحد الوالدين، و قد يكون أحد الوالدين مصابا بأحد هذه الأمراض وبالتالي يمكن أن ينقله إلى بعض الأبناء . بينما في أحيان أخرى يكون كلا الوالدين في صحة جيدة، ولكن يحملان عوامل وراثية (جينات) غير سوية. عند انتقال عاملين وراثيين (جنيين) غير سويين من كلا الوالدين إلى أطفالهما، فمن المحتمل أن يصاب هؤلاء الأطفال بمرض وراثي. وفي بعض الحالات يمكن أن تقتصر الإصابة بالمرض الوراثي على الذكور فقط على الرغم من عدم إصابة الوالدين بالمرض، وذلك لأن الأم حاملة لأحد العوامل الوراثية (الجينات) غير السوية دون أن يظهر عليها المرض. وهنا يجب توخي الحذر في تناول الموضوع بسهولة أو إهمال فذلك لن يترك أثره إلا على الأطفال. ومن هذا المنظور فإن التوعية الصحية بهذا الشأن لا بد أن تتحول إلى إلزام أي رجل وفتاة يعزمان على الزواج وهذا بالتأكيد يأتي ضمن مسؤوليات وزارة الصحة التي لا بد أن تقوم بدورها في توعية المجتمع إلى جانب الإعلام والجهات المتخصصة الأخرى. اختلاف آراء الشباب ترى كيف ينظر الشباب إلى قضية الفحوص الطبية قبل الزواج؟ وهل هم مقتنعون فعلا بها أم أن الثقافة السائدة في المجتمع تكون هي الفيصل؟ كثير من الشباب الذين قابلنهم وطرحنا عليهم هذا الموضوع في البداية تقبلوا السؤال باستغراب وكان عمل الفحص مستحيل عند الكثير منهم والسبب العادات والتقاليد ولكن الشيء الايجابي انه عندما يتم مناقشتهم بأهمية إجراء الفحص وخاصة انه يضمن حياة آمنة في المستقبل وبالذات انه يجنبهم الأمراض الوراثية على وجه الخصوص وجدنا قناعة ورغبة بأهمية إجراء الفحص من قبل الكثيرين حتى المتزوجين البعض منهم قالوا أنهم يؤيدون وعلق احدهم انه عندما يتزوج بالثانية سوف يقوم بالفحص حتى يضمن حياة صحية أمنة ومستقرة حد قوله . سرية وتكتم تقول منال طبيبة شابة : لم أفكر مطلقا في أن أقوم بمثل هذا الفحص، إلا أن والدتي هي التي طرحت هذه الفكرة. وضليت فترة مترددة في مجرد طرح الفكرة على خطيبي حتى حدث ما توقعت وعندما طرحت الموضوع على خطيبي رفض ذلك تماما في البداية واستسلمت لرفضه، ولكن عندما تحدثت مع والدتي أقنعتني بان هذه الفكرة مهمة، وأن تجاهلها قد يؤدي إلى تعاسة تستمر العمر وأنها ضرورية لمستقبل مضمون , فما كان مني الا ان ناقشت خطيبي مرة أخرى في الأمر بعد اقتناع بأهمية الفكرة واستيعابي لها جعلني ذلك أستطيع إقناعه بصعوبة بعد أن اشترط عليَّ تكتم هذا الأمر وإخفاءه عن الجميع وان يكون بسرية لا يعلم به احد من الأهل والأقارب , وذلك لما يثيره هذا الأمر من حساسيات عند الناس حتى المثقفين منهم. وعي ثقافي رأي لم نكن نتوقعه عند (ك. ر )(صحفية) الذي كان موضوع الفحص قبل الزواج لم يمثل لها أي حرج حسب قولها وربما يرجع ذلك للمناخ الذي احتكت به كونها من أسرة مثقفة وواعية لا تمثل مثل هذه الأمور عائق بل بالعكس كانت ضرورة ومهمة جداً تقول ك . ر : منذ أن كنت في الجامعة ثم دخولي مجال الإعلام جعلني أرى الأمور بشكل مختلف فقد أتاح لي ذلك قدرا من الثقافة الجنسية التي استوعبت من خلالها أهمية هذه الثقافة المحرمة في العالم العربي والإسلامي بشكل خاص . وعندما طرحت الفكرة على خطيبي الذي يعمل في الصحافة أيضا لم أجد منه أدنى معارضة بل على العكس وجدت منه قبولا شديدا. وتضيف “ك” قائلة: إن تقبل هذه الفكرة والتصريح بها يتوقف على درجة الوعي والثقافة التي ليس لها علاقة بالدرجة العلمية للشخص , فأنا لم أواجه أي مشكلة عندما طرحت الفكرة على أسرتي، وعلى الرغم من أن والدتي امرأة ذات أصول ريفية فإنها على درجة من الوعي جعلتها ترى أن ميزان الأمور اختلف، ومن ناحية أخرى لم أستطيع التصريح بذلك أمام أي من أفراد العائلة في الريف , حيث إن المناخ الثقافي لبيئتهم يفرض نفسه عليهم هناك. وحتى في البيئات التي تدعي التحضر لم أراء في عيون الذين صارحتهم بإجراء هذا الكشف سوى الدهشة والاستغراب. حتى وإن كانوا مقتنعين بالفكرة. ولكني لم أُعِر ذلك اهتماما، وأخذت أفكر في كيف أستطيع تجنب أي مشاكل قد تعكر صفو حياتي الزوجية فيما بعد خاصة إن كان جانب كبير منها قد يمكن دفع ضرره قبل أن يبدأ؟ ثم لماذا أفضل الجهل بأي عيب عن معرفته؟ ولماذا أتوقع الأسوأ في نتائج الفحص؟ لم تتوانَ هذه الأسئلة لحظة عن طرح نفسها عليَّ ولم يكن هناك سبيل لإيجاد إجابة لها سوى خوض هذه التجربة. وتم إجراء الفحص والحمدالله كانت النتائج ايجابية وتم الزواج وحاليا نسعى إلى عمل توعية في المجتمع لتقبل هذا الأمر ويكون بمثابة عادة مثلها مثل العادات والتقاليد الموجودة التي يتقبلها الجميع وبلاشك سوف تكون عادة مفيدة للمجتمع والمستقبل . نعم للفحص ومن الحالات التي تؤيد إجراء الفحص قبل الزواج عن قناعة وأهمية ولاء عبد الهادي الذي قالت : في حالتي لم يكن هناك مجال للتردد في إجراء هذا الفحص قبل الزواج رغم أنني كنت أعيش في بيئة ريفية ترفض تماما هذه الفكرة، إلا أني لم أحاول إخفاء الأمر على أي من أهل قريتي لاستيعابي بأن أي خطأ سيحدث لن يدفع ثمنه سواي. فلم أهتم بالقيل والقال خاصة أن هناك صلة قرابة تربطني بخطيبي الذي هو ابن خالتي، ولكن ذلك لم يكن هو السبب الوحيد , فالذي حتم خضوعنا لهذه الفحوصات هو وجود ابن خال لكلينا معاق ذهنيا. وهنا أصبح احتمال إنجاب أطفال معاقين في ازدياد , الأمر الذي لم يجعل الفكرة خاصة بأحد طرفي العلاقة أو كليهما فحسب , بل إنها كانت مطروحة من قبل الأسرتين. واستطردت ولاء قائلة: كنت متأهبة نفسيا لأي نتيجة سيفصح عنها الفحص، إلا أن الطبيب طمأننا وكانت النتيجة ايجابية، وأكد أن كل ما نحتاجه هو أخذ بعض الاحتياطات وتوقع بعض المتاعب مع كل حمل والحمدالله. بداية صحيحة يتفق مع ولاء الشاب عمرو صلاح بأهمية إجراء الفحص والذي كان له قصة أثناء إجراء الفحص فقال : اتفقت مع خطيبتي أن نبدأ حياة خالية من المشاكل التي يمكن أن نتجنبها، وتطلعنا لشيء مختلف يتطلع لحياة أفضل بدون أخطاء. وكان جزء من هذه المنظومة هو اطمئناننا لما سيحدث بعد الزواج، وكيف ستكون هذه المرحلة، ومن منطلق البداية الصحيحة قررنا إجراء هذا الفحص. إلا أن القرار لم يكن بهذه السهولة، ولكن بشيء من التعقل قررنا مواجهة مخاوفنا في ظل مجتمع يرفض هذا الاتجاه. حيث بدأنا في إجراء تلك الفحوصات إلا أننا لم نمض فيها حتى النهاية , لأننا جزء من مجتمع له تأثيره. فلم ننفذ الجزء الأصعب في الفحص، ولم نحدث أحدا بالأمر، حيث كان الموضوع في سرية تامة نابعة من احترامي لرغبة زوجتي في ذلك، في حين أنه كان أمرا عاديا بالنسبة لي، ولا يمثل أي مشكلة , لأنني خارج عن مشروعية هذا المجتمع ذي القيم المزيفة، والذي يربط الرجولة بالذكورة، وهذا الربط غير موجود إلا في هذا مجتمعنا الشرقي. تجاوز المخاوف الشاب حسام السيد -مهندس زراعي قام بإجراء الفحص قبل الارتباط والسبب الخوف والقلق يقول حسام : لقد أقدمت على فكرة الفحص قبل أن أفكر في مجرد فكرة الارتباط، ولم يكن هذا غريبا بعدما شاهدت اثنين من إخوتي فقط قد منّ الله عليهما بالأطفال بينما لم ينجب ثلاثة إخوة لي غيرهم، ولا أمل في ذلك فوجدت نفسي أسيرا للخوف الذي بدأ يداعب تفكيري. ولم أستطع أن أمنع تسرب الشكوك إلى قلبي وعقلي، وهنا لم أجد أمامي سوى خيار واحد فقط رحمة بنفسي وهو إجراء هذا الفحص قبل أن يقضي عليَّ القلق. والحمد لله استطعت تجاوز هذه المخاوف، وبدأت البحث عن الزوجة المناسبة في هدوء. ولم أجد هناك أي داعٍ للتصريح بذلك مراعاة لمشاعر إخوتي. وسيلة ملائمة لمكافحة الأمراض من خلال اللقاءات التي أجريناها اتضح لنا ان الفحص الطبى قبل الزواج يشكل وسيلة ملائمة لمكافحة الأمراض الوراثية ووسيلة للوقاية وبأقل تكلفة مقارنة بالفوائد الكبيرة التي تتحقق إذا ما تم حماية المجتمع من الأمراض الوراثية والتي يكلف علاجها مبالغ طائلة.