لما طالعت وجهها فى المرأة ، افزعتها التجاعيد التي تركت اثرها خطوطا ً طولية وعرضية وعند الذقن ومفرق الحاجبين ، وتهدل جلد الجفنين وطغيانه على عينيها المتعبتين دوما ً .. ظلال قاتمة ترواغ بياض الوجه الذى انطفأت ابتسامته منذ اكثر من عشر سنوات . يومها كانت عائدة من عملها ، تلملم اشياءها واوراقها وقصائدها قبل مجيئه من عمله بقناة السويس ، كان يقسم نفسه بينها وبين عمله يأتى كل اسبوعين ، ينام معظم ايام اجازته ويتناول طعامه المفضل ويزور اصدقاء المقهى وبالليل يأتيها عرضا ً ثم يشيح بوجهه عنها حتى الصباح . حينما اخبرها انه سيترك عمله ويسافر للخليج لمدة عامين ، يحسن اوضاعه المادية ، ويضمن ان يشترى شقة تطل على النيل ويستريح فى شرفتها يمارس هوايته فى حل الكلمات المتقاطعة ويلعب الشطرنج مع نفسه ، وخيّرها : اما ان تأتى معه او تبقى لكنها لن تبقى عندئذ على ذمته ، وقبل ان يخرج استطرد فى هدوء : “عشر سنوات زواج ولم يزل بطنك فارغا ً وانت انت لاتريدين العلاج ، واذني تشتاق لصخب طفلى الذى انزوى ضامرا ً فى رحمك العقيم .” لم تحزن حينما رحل بل احضرت الوانها واقلامها واوراقها البيضاء وظلت ترسم ، وتلون ، وتكتب ألمها شعرا ًمنثورا ًمضفورا ً بلوحاتها الخجلى واودعتها خزانتها . الآن هى تقترب من الخمسين ولا احد معها ، فقط الصمت يطل عليها وهى زاهدة فى الطعام ، بالكاد تلتقط لقيمات يقمن أودها وتترك التليفزيون مفتوحا ًطيلة يومها على قناة الأطفال الشهيرة ، حتى التقطت عيناها ملامح طفل لم يتعد السابعة ، احتضنته بشغفها وامومتها المفقودة وبكت حينما رأته يتطوح وهو ممسكا ً يد ابيه فى شغف ، اقتربت من الشاشة وتحسست زجاجها ، كان الشبه واضحا ًجليا ً بين الأب والرجل الذى هجرها منذ عشر سنوات وتركها تقف كثيرا ً امام المرآة تتحسس تجاعيدها وتنظر فى اللاشىء تراقب نفسها وهى تنزوى وحيدة على طرف سريرها..