كل يوم أدفن نفسي في السرير لأشعر بيديه تضغطان على رقبتي... وأشعر بالدموع وقد أصبحت محيطاً غرقت بين أمواج حزنه العاتية. منذ بلغت السابعة من عمري وأمي ترسلني كل يوم إلى جدي في البناء المجاور لنا لآخذ إليه الطعام وآتيها بالأواني الفارغة ولأجيب مطالب جدي التي لم تعرف يوماً حداً لبشاعتها. قبل أن يحدث ما حدث كنت أدخل إليه بقلب مفعم بالحب, أضمه وأقبله وأقفز حوله كأرنب صغير وأخطف منه أصابع الحلوى بفرح طفولي غامر ... بعدها صرت أدخل إليه مفعمة بالهم والأسى, ذلك الهم الذي كنت صغيرة جداً على إدراكه, لكنه أدركني, وأخرج من منزله غارقة بالشعور بالذنب وبشعور بشع بالقذارة يكتنف كل خلاياي وتجثم صخرة كبيرة فوق صدري ويكتنفني شعور بالغثيان يجعلني أتمنى أن أتقيأ كل قرفي مرة واحدة... لكنني لا أستطيع, فأجري إلى أمي أطلب منها أن تغسلني فتردني قائلة إنه ليس وقت الاستحمام. لم أستطع أن أردعه مرة واحدة, كنت ابتلع قرفي ودموعي وذلك الشعور القاتل بذنب لم اقترفه بينما أستحيل تدريجيا إلى كائن تجتمع على جسده الصغير كل أنواع القذارة, أمي قالت لي إن الكبار دوماً على حق و أن عليّ أن أطيعهم ولم تخبرني مرة واحدة ماذا أفعل إذا شعرت في أعماقي أنهم ليسوا على حق وأن ما يفعلونه قذر جداً و ليس بصواب, أما أبي فقد قال لي مرات ومرات احذري الغريب يا صغيرتي, لا تتكلمي مع الغرباء ولا تقتربي منهم ولا تدعيهم يلمسونك, ووددت لو صرخت مرة واحدة: بل أحذر أنت أقرب الناس إليك, احذر أباك, أبعد أصابعه القذرة عن جسدي.. لكنني لم أفعل, وكثيراً ما سألت نفسي ِلمَ لم أفعل؟ ِلمَ لم أخبر أمي أو أبى؟ ِلمَ لم تسألني أمي مرة واحدة عن السبب الذي يجعلني أطلب إليها أن تغسلني كلما عدت من منزل جدي؟؟!! ليتها فعلت, ربما استطعت أن أبوح لها بالسر الذي زلزل كيان طفولتي واغتال بريق الفرح من عيني وحوّل ليلي إلى عرض مستمر من كوابيس دمرت سكون نومي, لكنها لم تفعل. أخضعني جدي لطقوسه القذرة حتى بلغت الرابعة عشرة, ثم توقف عن ذلك تلقائياً, تراه خاف بعد أن بدت علي معالم الأنوثة أن أفهم ما كان يفعله, أم أن الكبر هد البقية الباقية من قذارته؟ لست أدري... كل ما أعرفه أنه توقف تماماً ولم يعد ينظر في عيني أبداً, بل إنه كان يتحاشى أن يكلمني وذلك ما أثلج صدري وأزاح جزءاً من عبء وجوده الذي أكرهه عن كاهل أعصابي ولو أن نزيف مشاعري لم يتوقف لحظة واحدة. بدأت سن المراهقة و لم أبدأ معها لعبة الأسرار, ذلك أنني تمرست في تلك اللعبة تماماً بفضل جدي ولم يعد صعباً عليّ أن أخفي نزيفي وجراحي وخوفي وحتى قذارتي... كل ذلك كان سهل جداً عليّ... لكن الصعب كان دخولي إلى سريري حيث تبدأ أصابعه كل ليلة بالإطباق على رقبتي فتتحشرج أنفاسي وأصرخ دون صوت وتغرق مخدتي في دموع الألم ونزيف الأحاسيس. بعدها تعددت مشاويري برفقة الأصدقاء وبدأت أمارس امتدادات تلك الطقوس, لم يكن جدي هذه المرة من يجبرني, بل كان شيء خفي في داخلي يدفعني دفعاً لأستجيب لأية إشارة من شاب أو رجل وأمضي برفقته وأمتع نفسي بعدها بتمزيقه واللعب بأعصابه, كنت كتمثال من الجليد لا أملك إحساساً تجاه أي واحد منهم ولا حتى قليل من التعاطف؛ كل ما كان يعنيني هو تحطيمهم وإتعاسهم وتمزيق أسرهم واستقرارهم وإفلاسهم ورميهم ورائي, بعدها كنت أشعر بالرضا والفرح, أشعر أنني انتقمت من جدي وقتلته, كنت أعلم تماماً أنني أقتله مع كل دمار أسببه لأحد هؤلاء, وكنت أستمتع بقتله وتعذيبه مع كل تدمير أسببه لواحد من جنسه البغيض... أتلذذ كما يتلذذ طفل بأكل الحلوى. أعود بعدها إلى منزلي لتختفي مشاعر النشوة بمجرد أن تضمني جدران منزلي وأرجع طفلة لم تتجاوز العاشرة وأسمع صوت أمي وهي تردني عن الحمام فينفلت شعوري بالقذارة ليطال كل شيء حتى الطعام, وأعاف كل شيء وأمضي إلى سريري وبمجرد أن أخبئ جسدي في وحشة ظلامه أعود لأشعر بأصابع جدي تلتف حول رقبتي فأصرخ دون صوت من جديد.