على خلاف العادة في كل أصقاع الأرض حيث الهجرة من الريف إلى المدينة هي شغل الناس الشاغل وخاصة المنظمات الدولية الإنسانية المهتمة بهذا الشأن والتي شكت كثيرا جراء الأعداد الهائلة للمنتسبين إلى المدينة هربا من قساوة الريف وبحثا عن حياة جديدة وخدمات متوفرة وقنوات حياة توفر لهم العيش الهانئ وليس الكفاف وهي الأمور ذاتها التي خلقت قلقا لدى سكان المدينةوالمتابعين وزاد من بلة طينهم في مختلف مناحي الحياة . في هذا العام تشهد اليمن نزوحا عكسيا من المدينة مصدر الأمان والحياة العصرية ووسائل الحياة المتطورة إلى الأرياف ولعل اهم الاسباب في ذلك هو البحث عن أمان بعد أن اصبح حالة مستعصية في المدن اليمنية جراء الأزمة السياسية التي تعصف بالبلد منذ مطلع العام 2011, وتأتي محافظة ابين أو تحديدا عاصمتها زنجبار على رأس المدن اليمنية الباحثة عن مرفأ ريفي آمن تأتي بعدها مدينة تعز ثم العاصمة صنعاء وعدد من المدن اليمنية الأخرى. وفي هذا السياق أعلن رئيس الوحدة التنفيذية للإغاثة في اليمن الاستاذ أحمد الكحلاني أن أعداد النازحين من محافظة أبين جراء المعارك الدائرة بين قوات الحكومة وعناصر مسلحة من تنظيم القاعدة ارتفع إلى أكثر من 80 ألف نازح وهي آخر احصائية للنازحين. وتوقع الكحلاني ارتفاع أعداد النازحين خلال الأيام القادمة مع استمرار الفرق الميدانية في أعمال المسح لمعرفة العدد الحقيقي للنازحين داعياً الجهات الحكومية والشعبية ورجال الأعمال إلى بذل المزيد من الجهد من أجل تدبير عملية الإغاثة وإيواء النازحين. وتوزع لاجئو أبين على عدد من الأرياف اليمنية كارياف الصبيحة في محافظة لحج التي بلغ عدد الأسر النازحة إليها بحسب إحصائية أولية أكثر من 200 أسرة يتوزعون في عدد من قرى المديرية ولم تصلهم حتى الآن أي مواد إغاثة من أي جهة، بالإضافة إلى قرى ردفان وايضا الضالع فيما يتمركز غالبيتهم في مدارس طلابية بمدينة عدن المجاورة التي تشكل حالة افضل من مدينتي زنجبار وجعار بأبين. وكانت عشرات الأسر بمحافظة تعز قد نزحت نتيجة استمرار الأوضاع الأمنية المتوترة وتحديدا منذ أواخر مايو الماضي. ويأتي نزوح الأهالي بعدما شهدت العديد من الأحياء السكنية بالمدينة نزوحا مماثلا وأهمها حي مستشفى الثورة وأحياء أخرى مجاورة له. وتعتبر المشكلة الأمنية على رأس قائمة المشاكل والأسباب التي شجعت المواطن اليمني على العودة إلى الريف، بالإضافة إلى المشكلات الأخرى المتمثلة بانقطاع الكهرباء المتكرر وارتفاع الأسعار في مختلف السلع الغذائية والتموينية، وكذا انعدام المشتقات النفطية ومادة الغاز المنزلي. وفي أمانة العاصمة صنعاء أدى عدم استقرار الأوضاع الأمنية والاقتصادية إلى نزوح السكان إلى الأرياف تخوفا من انفجار الأوضاع أكثر. وقال فتح أحمد، 42 عاما ويعمل في معرض لبيع السيارات: توقعت أن يصل الوضع إلى طريق مسدود وأن الانتقام مما حدث للرئيس قد يحرق سكان صنعاء. من جانبه، قال سمير مرشد، 35 عاما ويعمل مقاولا: إنه ذهب بأسرته إلى قريته في محافظة (اب) وسط اليمن بسبب انعدام الخدمات والمشتقات النفطية وانقطاع التيار الكهربائي وارتفاع الأسعار، إضافة إلى انتهاء العام الدراسي. وأكد مرشد، الذي عاد بمفرده إلى المدينة، أن عودته لم تكن بسبب أعماله ولكن من أجل حراسة ممتلكاته العقارية التي يملكها في العاصمة. وقد شوهد الناس يستخدمون جميع أنواع وسائل النقل في عملية النزوح، على الرغم من ارتفاع تكلفة النقل التي تضاعفت ثلاث مرات بسبب اختفاء مادة البنزين وارتفاع أسعارها في السوق السوداء، كما أفاد السائق عبده أحمد. وبحسب الدكتور فؤاد الصلاحي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء، إن نزوح سكان المدن وخاصة سكان صنعاء جاء نتيجة عدة عوامل اجتماعية واقتصادية وتخوف الناس من انفجار الوضع خاصة بعد دخول الأزمة السياسية منحى عسكريا. وأوضح الصلاحي أن 60 في المائة من سكان المدن هم في الأصل من الريف أو من المحيط القبلي بالمدن، مشيرا إلى أنهم جاءوا في الأصل إلى المدن إما طلبا للرزق أو للدراسة. وأضاف الصلاحي أن “توقف الدراسة الجامعية وانتهاء العام الدراسي مبكرا هذا العام شجع الأسر على مغادرة المدن إلى الريف خاصة مع ارتفاع تكاليف العيش في المدن مع توقف شبه كامل للعجلة الاقتصادية في معظم القطاعات وخاصة قطاع البناء والمقاولات وقطاع التجارة. من جانبه، قال العقيد محمد القاعدي، الناطق باسم وزارة الداخلية: إن الوزارة اتخذت كافة الإجراءات من أجل توفير الأمن والأمان للمواطنين وممتلكاتهم بالتعاون مع اللجان الشعبية التي شكلها شباب الحارات لحماية مناطقهم من أي أعمال تخريبية أو نهب للممتلكات. وأضاف القاعدي أن “الناس نزحوا من العاصمة ليس لانعدام الأمن لأننا في العاصمة نشهد أمنا وأمانا والوضع طبيعي، لكن الناس يخافون من انفجار حرب أهلية بعد مواجهات القوات الحكومية مع الشيخ الأحمر وأنصاره، وخاصة بعد محاولة اغتيال رئيس الجمهورية”. أما مصطفى نصر، رئيس مركز الإعلام الاقتصادي، فأكد أن نزوح السكان سببه أولا الأوضاع الاقتصادية المتردية وارتفاع كلفة العيش في المدينة. وقال: “إن انعدام الخدمات للمواطنين من ماء وكهرباء وغاز وتوقف الأعمال هي وراء نزوح الناس إلى الأرياف، فضلا عن مناخ الريف اليمني في هذه الأوقات من كل عام. وأضاف نصر: “إن نزوح سكان صنعاء إلى الأرياف ذكرني بمشاهد صنعاء الخالية من السكان في أوقات الأعياد الدينية والتي تكون فيها شوارع العاصمة شبه خالية من السكان. وهكذا يظل باب المعاناة لدى المواطن اليمني مفتوحا على مصراعيه فيما الأوضاع الأمنية لا تبشر إلا بمزيد من التوتر والقلق وكذا الأوضاع المعيشية المتفاقمة التي تنبئ عن كارثة انسانية وشيكة اذا لم تحمل الاقدار مناصا يكون الحل والفرج لكل اليمنيين.